(الصفحة 291)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول في صلاته : «اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد»(1) ، وروى جابر الجعفي عن أبي جعفر، عن ابن مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «من صلّى صلاة ولم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه»(2) .(3)
ويدلّ على وجوب الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله) الآية الشريفة الآمرة(4) بالصلاة عليه ، بضميمة الإجماع على عدم وجوب الصلاة عليه في غير حال الصلاة ، وعلى عدم وجوبها في حالها في غير التشهد أيضاً ، فالاجماع يكون مقيّداً للآية لا أنّه يوجب صرف الأمر الظاهر في الوجوب عن ظاهره ، والحمل على الاستحباب ، إذ لا وجه للحمل عليه مع عدم الدليل على جواز الترك في حال الصلاة أيضاً ، مضافاً إلى وجود الدليل على الوجوب كالإجماع ، والأخبار التي منها موثّقة عبدالملك بن عمرو الأحول عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «التشهد في الركعتين الأوّلتين ألحمد لله أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، وتقبّل شفاعته وارفع درجته»(5) . واشتمالها على ما قام الدليل على عدم وجوبه لا يضرّ بالاستدلال بها على الوجوب ، بالنسبة إلى ما لم يقم الدليل على عدم وجوبه كما هو واضح .
وبالجملة: فالإشكال في وجوب الصلاة على النبي وآله ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه .
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الواجب بعد الركعة الثانية والأخيرة ، هو
- (1) سنن البيهقي 2 : 147; سنن أبي داود 1: 257 ح976 و 978.
- (2) سنن الدارقطني 1 : 281 ح1328.
- (3) المعتبر 2: 226 ـ 227 .
- (4) الأحزاب : 56 .
- (5) التهذيب 2 : 92 ح344 ، الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ب3 ح1 .
(الصفحة 292)
الشهادتان والصلاة على النبي وآله ، وأمّا باقي الأذكار فهي مستحبة ، وأكملها ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام)(1) ، وأمّا السلام على النبي(صلى الله عليه وآله) ، وعلى الأنفس ، والعباد الصالحين ، كما في التحيّات المنقولة عن العامة(2) على اختلافها ، فلا يجوز أصلا ، لأنّه يوجب الخروج عن الصلاة كلّما تحقق فلا يجوز تقديمه على التشهد .
نسيان التشهّد
لو نسي التشهد الأول ، ولم يتذكّر إلاّ بعد القيام ، فإن كان ذلك قبل الركوع يجب عليه أن يرجع للتشهد ، فيجلس ويتشهد ثم يأتي بما يترتب عليه من الأفعال ولا شيء عليه ، وإن كان ذلك بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، فليس له أن يرجع بل يتمّ الصلاة ، وعليه قضاء التشهد وسجدتا السهو .
ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى تطابق الفتاوى عليه(3) ، الروايات الكثيرة الواردة في المسألة .
منها : رواية فضيل بن يسار عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال : «فليجلس ما لم يركع وقد تمّت صلاته، وإن لم يذكر حتّى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين وهو جالس»(4) .
- (1) الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ب3 ح2 .
- (2) راجع 2 : 286.
- (3) الغنية: 113; المهذّب 1: 156; الخلاف 1 : 366 مسألة 124 وص452 مسألة 197; الكافي في الفقه: 149; السرائر 1: 257; تذكرة الفقهاء 3: 339; جواهر الكلام 11 : 284; كشف اللثام 4 : 433.
- (4) الكافي 3 : 356 ح2; التهذيب 2 : 345 ح1431; الوسائل : 6/405 . أبواب التشهد ب9 ح1 .
(الصفحة 293)
ومنها : رواية عليّ بن أبي حمزة البطائني الكوفي الواقفي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد، وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثم تشهد التشهد الذي فاتك»(1) .
ومنها : رواية محمّد بن عليّ الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد؟ قال : «يرجع فيتشهد»، قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ فقال : لا ، ليس في هذا سجدتا السهو»(2) . ولكنّها محمولة بقرينة سائر الروايات على ما إذا تذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة .
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهد فيهما، فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس فتشهد وقم فأتمّ صلاتك، فإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(3) .
ومنها : رواية ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع؟ فقال : «يتمّ صلاته ثم يسلّم ويسجد سجدتي السهو وهو جالس قبل أن يتكلّم»(4) .
ومنها : رواية أبي بصير قال : سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد؟ قال : «يسجد سجدتين يتشهد فيهما»(5) . هذا ، ولكنّها محمولة على ما إذا تذكّر ذلك بعد
- (1) الكافي 3: 357 ح7; التهذيب 2 : 344 ح1430; الوسائل 8 : 244 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب26 ح2 .
- (2) التهذيب 2 : 158 ح622; الاستبصار1 : 363 ح1376; الوسائل 6 : 406 . أبواب التشهد ب9 ح4 .
- (3) الكافي 3: 357 ح8 ; التهذيب 2: 344 ح1429; الوسائل 6: 406. أبواب التشهد ب9 ح3.
- (4) التهذيب 2 : 158 ح620 وج2 : 159 ح624; الاستبصار 1 : 363 ح1375; الوسائل 6 : 402 . أبواب التشهد ب7 ح4.
- (5) التهذيب 2: 158 ح621; الوسائل 6: 403. أبواب التشهد ب7 ح6 .
(الصفحة 294)
الدخول في الركوع . إلى غير ذلك من الأخبار(1) .
ثم إنّك عرفت أنّ الفتاوى متطابقة على وجوب قضاء التشهد ، والإتيان بسجدتي السهو معاً ، فيما لو تذكّر بعد الركوع ، مع أنّ الروايات المتقدمة خالية عن الدلالة على وجوب القضاء ، نعم يمكن أن يقال بدلالة رواية أبي بصير على ذلك ، بناءً على أن يكون المراد بقوله : «يتشهد فيهما» هو قضاء التشهد المنسي ، لا التشهد الذي هو جزء من سجدتي السهو .
ولكنّها بعد ذلك تخالف الفتاوى أيضاً ، من حيث أنّ مقتضى الرواية وجوب الإتيان بقضاء التشهد المنسي بعد السجدتين للسهو ، ومقتضى الفتاوى العكس ، وإنّه يجب أولاً بعد الفراغ من الصلاة قضاء التشهد ، ثم الإتيان بالسجدتين ، فالرواية مخالفة للفتاوى على أيّ تقدير .
ومن هنا يظهر الإشكال في دلالة رواية عليّ بن أبي حمزة المتقدمة على وجوب قضاء التشهد ، فاللازم أن يكون المراد بقوله : «ثم تشهد . . .» ، هو تشهد السجدتين ، غاية الأمر أنّه ينوي به التشهد الذي فاته ، وعليه فتكون أيضاً مخالفة للمشهور .
وكيف كان، فيستكشف من الفتاوى وجود نص معتبر مذكور في الجوامع الأول يّة ، دالّ على هذا الحكم ، غاية الأمر أنّه لم يضبط في الجوامع الثانوية التي بأيدينا ، والاستدلال على ذلك بإطلاق قوله(عليه السلام) في صحيحة ابن سنان : «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثم ذكرت فاقض الذي فاتك سهواً»(2) وقوله(عليه السلام) في صحيحة حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن
- (1) راجع الوسائل 6 : 401 الباب 7 .
- (2) الفقيه 1: 228 ح1007; التهذيب 2 : 350 ح1450; الوسائل 8 : 238 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح7 وص244 ب26 ح1 .
(الصفحة 295)
رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشيء منها ثم يذكر بعد ذلك؟ قال : «يقضي ذلك بعينه»، فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال : «لا»(1). ممّا لا يتمّ بعد وضوح عدم إمكان الالتزام بهذا العموم ، خصوصاً بعد عدم إمكان الالتزام به في موردهما كما لايخفى ، هذا كلّه في التشهد الأول .
وأمّا لو نسي التشهد الأخير ، فيمكن أن يستفاد حكمه من بعض الروايات :
منها : رواية محمّد بن عليّ الحلبي المتقدمة الشاملة باطلاقها لما إذا نسي التشهد الأخير .
ومنها : إطلاق رواية أبي بصير المتقدمة .
ومنها : رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما(عليهما السلام)، في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال : «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهد وإلاّ طلب مكاناً نظيفاً فتشهد فيه» وقال : «إنما التشهد سنّة في الصلاة»(2) .
هذا ، والمراد من السنة هو ما ثبت وجوبه بالسنّة مقابل الفرض ، وهو ما ثبت وجوبه بالكتاب ، لا السنّة في مقابل الوجوب ، وذكره إنما هو بملاحظة أنّه حيث يكون التشهد سنّة ، فلا يلزم من الاخلال به سهواً بطلان الصلاة ، ويمكن أن يقال: بدلالة هذه الرواية على وجوب قضاء التشهد ، فيما إذا نسي التشهد الأول لإطلاقها من حيث نسيان التشهد .
ومنها : رواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنّه قال : بسم الله فقط فقد جازت صلاته، وإن لم يذكر شيئاً من التشهد أعاد الصلاة»(3) . ولكن هذه الرواية بمعناها الظاهر غير معمول بها ، فلا اعتبار بها ، وأمّا
- (1) التهذيب 2 : 150 ح588; الوسائل 8 : 200 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح6 .
- (2) التهذيب 2 : 157 ح617; الوسائل 6 : 401 . أبواب التشهد ب7 ح2.
- (3) الإستبصار 1: 343 ح1293 وص379 ح1437; التهذيب 2: 192 ح758 ; الوسائل 6: 403. أبواب التشهد ب7 ح7 .