(الصفحة 296)
الروايات المتقدمة فيستفاد من أكثرها الرجوع إلى التشهد ثم إعادة السلام ، إذ لا يصدق نسيانه إلاّ مع الإتيان بالسلام .
وحينئذ فمرجع ذلك إلى أنّ السلام لا يكون مفوّتاً لمحلّ التشهد ، ولا يكون كالركن ، حيث عرفت أنّه لا مجال للعود مع الدخول فيه ، فالأظهر وجوب الرجوع للتشهد ، ويظهر ذلك من الشيخ في المبسوط ، حيث قال : التشهد في الصلاة فرض واجب للأول والثاني في الثلاثية والرباعيات ، وفي كلّ ركعتين في باقي الصلوات ، فمن تركهما أو واحداً منهما متعمّداً فلا صلاة له ، ومن تركهما أو واحداً منهما ناسياً حتّى فرغ من الصلاة قضاهما بعد التسليم ، وأعاد التسليم بعد التشهد الأخير ، فإن ترك التشهد الأول قضاه، وليس عليه تسليم بعده(1) . انتهى .
والمراد بقوله : «قضاهما» ليس هو القضاء المصطلح ، حتّى لا يناسب مع إعادة التسليم بعد التشهد الأخير ، بل المراد به هو مجرّد الاتيان به ، لكنّه ينافي ذلك ما ذكره في موضع آخر من المبسوط حيث قال : ومن نسي التشهد الأخير حتّى يسلّم قضاه بعد التسليم أيّ وقت كان(2) . انتهى .
وحينئذ فمقتضى الاحتياط الإتيان بالتشهد ، لا بنية الأداء ، ولا القضاء ، ثم التسليم ، وإن كان يظهر من غيره كالسيّد في جمل العلم والعمل ، وابن البرّاج في شرحه ، وجوب الرجوع والإعادة(3) .
- (1) المبسوط 1 : 115 .
- (2) المبسوط 1 : 122 .
- (3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 36; المهذّب 1: 156 .
(الصفحة 297)
الثامن من أفعال الصلاة : التسليم
وفيه جهات من الكلام :
الجهة الأولى : التسليم في آخر الصلاة
لا إشكال في استمرار عمل المسلمين على التسليم في آخر الصلاة ، ولا فرق في ذلك بين الإمامية وغيرهم ، كما يستشعر بل يستظهر ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة ، كبعض الأخبار الواردة في حكم الشكّ في الركعتين الأخيرتين(1) ، وفي نسيان التشهد(2) كما عرفت ، وفي قضاء الصلوات الفائتة(3) ، وفي تقديم سجود السهو عليه أو تأخيره عنه(4) ،وفي غير ذلك من الموارد الكثيرة
- (1 و 2) راجع الوسائل 8 : 212. أبواب الخلل . ب8 ح1 و3 وص245 ب26 ح4 و5; وج6 ص402 ـ 403، 404. أبواب التشهد ب7 ح3 و4 و 8 .
- (3) الوسائل 4: 290. أبواب المواقيت ب63 ح1.
- (4) راجع الوسائل 8 : 207 أبواب الخلل ب5 .
(الصفحة 298)
التي لا يبقى للناظر فيها الارتياب في كون التسليم في آخر الصلاة أمراً مفروغاً عنه بين الإمامية في مقام العمل .
ومن المعلوم أنّ هذا النحو من الاستمرار ، أي استمرار المسلمين في مقام العمل ، يكشف عن مداومة النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك .
وبالجملة: فاستقرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) والمسلمين بعده ممّا لا يكاد يمكن إنكاره .
الجهة الثانية : صيغة التسليم
إنّ لكيفية التسليم ثلاث صيغ معروفة بين العامة والخاصة ، وقد عرفت أنّ الأوليين منها داخلتان في تحيّات التشهد عندهم ، بل عن الشافعي وجوبهما كوجوب قول التحيّات لله(1) ، ولكن ظاهرهم الاتّفاق على الإتيان بهما قبل الشهادتين ، والصلاة على النبي وآله(2) ، وقد ظهر لك(3) أنّ ذلك يوجب الخروج عن الصلاة عند الإمامية .
والظاهر أنّ التسليم عندهم(4) هي الصيغة الأخيرة المعروفة ، كما أنّه ربما يستفاد ذلك من رواية أبي بصير الطويلة المشتملة على تحيّات التشهد ، على النحو الأكمل ، حيث إنّه قال فيها بعد ذكر التحيّات المتضمّنة لقول السلام عليك أيّها النبي . . . ، والسلام علينا وعلى . . . ، : «ثم تسلّم»(5) ، فإنّ ظاهرها أنّ التسليم ليس
- (1 ـ 3) راجع 2 : 286 .
- (4) المجموع 3: 475 ـ 476; المغني لابن قدامة 1: 626; الشرح الكبير 1: 626; تذكرة الفقهاء 3: 245 مسألة 301 .
- (5) التهذيب 2: 99 ح373; الوسائل 6: 393. أبواب التشهد ب3 ح2.
(الصفحة 299)
هي الصغيتين الأوليين ، بل هما من تحيّات التشهد ، غاية الأمر أنّ محلّهما إنما هو بعده .
والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إنّه لا إشكال في أنّ صيغة التسليم الأولى لا تكون تسليماً مخرجاً عن الصلاة ، كما أنّه لا إشكال في استحبابه وعدم وجوبه ، إنما الكلام في الصيغتين الأخيرتين ، وإنّه هل يتحقق الخروج بالأخيرة منهما فقط ، أو بمجموعهما ، أو بكلّ واحدة منهما؟ وجوه .
والتتبّع في الروايات يقضي بكون المراد بالتسليم المعتبر في صحة الصلاة هو خصوص الصيغة الأخيرة ، وهي قول السلام عليكم .
منها : رواية أبي بصير المتقدمة .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن الصادق(عليه السلام) الواردة في حكاية فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإتيانه بصلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع المشتملة على قوله(عليه السلام) : «ثم استتمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قائماً فصلّوا لأنفسهم ركعة، ثم سلّم بعضهم على بعض» ـ إلى أن قال : ـ «ثم جلس رسول الله(صلى الله عليه وآله) فتشهد ثم سلّم عليهم»(1) .
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) الواردة في كيفية صلاة الخوف أيضاً حيث قال(عليه السلام) : «يقوم الإمام وتجيء طائفة من أصحابه» ـ إلى أن قال : ـ «ثم يجلس الامام فيقومون هم فيصلّون ركعة اُخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه»(2) .
ومنها : بعض الروايات الاُخر الواردة في صلاة الخوف أيضاً(3) .
- (1) الفقيه 1: 293 ح1337; الكافي 3 : 456 ح2; التهذيب 3: 172 ح380; الوسائل 8 : 435 . أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 ح1.
- (2) الكافي 3: 455 ح1، التهذيب 3: 171 ح379; المقنع: 130; الوسائل 8 : 437. أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 ح4.
- (3) راجع الوسائل 8 : 435 . أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2.
(الصفحة 300)
ومنها : رواية المعراج المشتملة على بيان أفعال الصلاة المتضمّنة لقوله(صلى الله عليه وآله) : «فقال لي ـ يعني جبرئيل ـ يا محمّد : صلِّ عليك وعلى أهل بيتك، فقلت : صلّى الله عليّ وعلى أهل بيتي وقد فعل، ثم التفت فإذا أنا بصفوف من الملائكة والنبيّين والمرسلين، فقال لي : يا محمّد سلّم، فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(1).
ومنها : بعض الروايات الواردة في كيفية تسليم المنفرد والإمام والمأموم ، المذكورة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب التسليم .
وبالجملة: فلا إشكال بل ولا خلاف بين المسلمين ، في أنّ المراد من التسليم متى أطلق هو قول : السلام عليكم .
وحينئذ يقع الكلام في أنّ الصيغة الثانية ، وهي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، هل تكون مخرجة ومحلّلة لما حرّمته الصلاة أم لا؟ فنقول :
الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة :
منها : رواية الحلبي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : كلّ ما ذكرت الله عزّوجلّ والنبي(صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت»(2) .
ومنها : رواية أبي كهمس عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، انصراف هو؟ قال : «لا ، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف»(3) .
- (1) علل الشرائع : 312 الباب 1 ، ح1; الكافي 3: 482 ـ 485 ح1; الوسائل 5 : 466 . أبواب أفعال الصلاة ب1 ذ ح10 .
- (2) الكافي 3: 337 ح6; التهذيب 2 : 316 ح1293; الوسائل 6 : 426. أبواب التسليم ب4 ح1 .
- (3) الفقيه 1: 229 ح1014; التهذيب2: 316 ح1292; السرائر3: 604; الوسائل6: 426. أبواب التسليم ب4 ح2.