(الصفحة 299)
هي الصغيتين الأوليين ، بل هما من تحيّات التشهد ، غاية الأمر أنّ محلّهما إنما هو بعده .
والتحقيق في هذا المقام أن يقال : إنّه لا إشكال في أنّ صيغة التسليم الأولى لا تكون تسليماً مخرجاً عن الصلاة ، كما أنّه لا إشكال في استحبابه وعدم وجوبه ، إنما الكلام في الصيغتين الأخيرتين ، وإنّه هل يتحقق الخروج بالأخيرة منهما فقط ، أو بمجموعهما ، أو بكلّ واحدة منهما؟ وجوه .
والتتبّع في الروايات يقضي بكون المراد بالتسليم المعتبر في صحة الصلاة هو خصوص الصيغة الأخيرة ، وهي قول السلام عليكم .
منها : رواية أبي بصير المتقدمة .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله عن الصادق(عليه السلام) الواردة في حكاية فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وإتيانه بصلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع المشتملة على قوله(عليه السلام) : «ثم استتمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قائماً فصلّوا لأنفسهم ركعة، ثم سلّم بعضهم على بعض» ـ إلى أن قال : ـ «ثم جلس رسول الله(صلى الله عليه وآله) فتشهد ثم سلّم عليهم»(1) .
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) الواردة في كيفية صلاة الخوف أيضاً حيث قال(عليه السلام) : «يقوم الإمام وتجيء طائفة من أصحابه» ـ إلى أن قال : ـ «ثم يجلس الامام فيقومون هم فيصلّون ركعة اُخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه»(2) .
ومنها : بعض الروايات الاُخر الواردة في صلاة الخوف أيضاً(3) .
- (1) الفقيه 1: 293 ح1337; الكافي 3 : 456 ح2; التهذيب 3: 172 ح380; الوسائل 8 : 435 . أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 ح1.
- (2) الكافي 3: 455 ح1، التهذيب 3: 171 ح379; المقنع: 130; الوسائل 8 : 437. أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 ح4.
- (3) راجع الوسائل 8 : 435 . أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2.
(الصفحة 300)
ومنها : رواية المعراج المشتملة على بيان أفعال الصلاة المتضمّنة لقوله(صلى الله عليه وآله) : «فقال لي ـ يعني جبرئيل ـ يا محمّد : صلِّ عليك وعلى أهل بيتك، فقلت : صلّى الله عليّ وعلى أهل بيتي وقد فعل، ثم التفت فإذا أنا بصفوف من الملائكة والنبيّين والمرسلين، فقال لي : يا محمّد سلّم، فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(1).
ومنها : بعض الروايات الواردة في كيفية تسليم المنفرد والإمام والمأموم ، المذكورة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب التسليم .
وبالجملة: فلا إشكال بل ولا خلاف بين المسلمين ، في أنّ المراد من التسليم متى أطلق هو قول : السلام عليكم .
وحينئذ يقع الكلام في أنّ الصيغة الثانية ، وهي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، هل تكون مخرجة ومحلّلة لما حرّمته الصلاة أم لا؟ فنقول :
الأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة :
منها : رواية الحلبي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : كلّ ما ذكرت الله عزّوجلّ والنبي(صلى الله عليه وآله) فهو من الصلاة، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت»(2) .
ومنها : رواية أبي كهمس عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهد فقلت وأنا جالس : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، انصراف هو؟ قال : «لا ، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف»(3) .
- (1) علل الشرائع : 312 الباب 1 ، ح1; الكافي 3: 482 ـ 485 ح1; الوسائل 5 : 466 . أبواب أفعال الصلاة ب1 ذ ح10 .
- (2) الكافي 3: 337 ح6; التهذيب 2 : 316 ح1293; الوسائل 6 : 426. أبواب التسليم ب4 ح1 .
- (3) الفقيه 1: 229 ح1014; التهذيب2: 316 ح1292; السرائر3: 604; الوسائل6: 426. أبواب التسليم ب4 ح2.
(الصفحة 301)
ومنها : رواية ميسرة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل : تبارك اسمك وتعالى جدّك، وإنما هو شيء قالته الجنّ بجهالة فحكى الله عنهم، وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق(عليه السلام) : «أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين: بقوله : تبارك اسم ربّك وتعالى جدّك ، وهذا شيء قالته الجنّ بجهالة ، فحكى الله عنها ، وبقوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يعني في التشهد الأول»(2) .
ومنها : ما في عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا(عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال : «ولا يجوز أن تقول في التشهد الأول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لأنّ تحليل الصلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلّمت»(3) .
ومنها : رواية أبي بصير الطويلة المشتملة على قوله(عليه السلام) : «ثم قل : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على جبرئيل وميكائيل والملائكة المقرّبين، السلام على محمّد بن عبدالله خاتم النبيّين لا نبيّ بعده، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم تسلّم»(4) .
ومنها : رواية اُخرى لأبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته»(5) .
ومنها : رواية ثالثة لأبي بصير أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت إماماً
- (1) الخصال : 50 ح59; الوسائل 7 : 286. أبواب قواطع الصلاة ب29 ح1; وفي الوسائل «ثعلبة بن مُيَسَّر».
- (2) الفقيه 1 : 261 ح1190; الوسائل 6 : 410. أبواب التشهد ب12 ح2 .
- (3) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2 : 123; الوسائل 6 : 410. أبواب التشهد ب12 ح3 .
- (4) الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ب3 ح2.
- (5) التهذيب 2 : 159 ح626; الوسائل 6 : 423. أبواب التسليم ب3 ح1 .
(الصفحة 302)
فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي عليه وآله السلام، وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم وتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم، وكذلك إذا كنت وحدك تقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، مثل ما سلّمت وأنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت، وسلّم على من على يمينك وشمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين على يمينك، ولا تدع التسليم على يمينك إن يكن على شمالك أحد»(1) .
وينبغي أولا بيان المراد ممّا ورد من أنّ تحريم الصلاة التكبير ، وتحليلها التسليم(2) ، فنقول : إنّه يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد بكون التسليم محلّلا ، إنّه حيث يكون الشروع في الصلاة موجباً لحرمة قطعها ، والإتيان بشيء ممّا ينافيها ، فالتسليم الذي هو آخر أفعال الصلاة ، يحلّل جميع ما حرّمته الصلاة بالحرمة التكليفيّة ، لحصول الفراغ به عنها .
ولا يخفى أنّ هذا الوجه لا يكاد يجري في الصلاة النافلة ، لأنّ قطعها والإتيان بالمنافيات في أثنائها ، لا يكون محرّماً إجماعاً(3) ، فلم يكن الشروع فيها موجباً للحرمة حتّى ترتفع بالتسليم .
ثانيهما : أن يكون المراد بتحليل التسليم هو التحليل الوضعي ، بمعنى أنّ الإتيان به يوجب أن لا يكون فعل المنافيات مضرّاً بصحة الصلاة ، ومانعاً عن انطباق عنوانها على المأتيّ به من الأفعال ، في مقابل ما إذا وقع شيء منها في
- (1) التهذيب 2 : 93 ح349; الاستبصار1 : 347 ح1307; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح8 .
- (2) الكافي 3: 69 ح2; الفقيه 1: 23 ح68 ; الوسائل 6: 415 و417. أبواب التسليم ب1 ح1 و 8 .
- (3) نهاية الأحكام 1: 522; قواعد الأحكام 1: 281; جامع المقاصد 2: 358; كشف اللثام 4: 184; روض الجنان: 338.
(الصفحة 303)
أثناء الصلاة .
وذلك إمّا لكون التسليم آخر أفعال الصلاة ، حيث إنّ العمل إذا تحقق الفراغ منه ، لا يكون الإتيان بما ينافيه حينئذ مضرّاً بتحققه ، فكونه محلّلا إنما هو لكونه آخر أفعال الصلاة ، وإمّا لكون التسليم نظير ما به يتحقق الاحلال في الاحرام في الحج ، أو العمرة .
فإنّ المصلّي بمجرّد دخوله في الصلاة يتحقق له الإحرام أيضاً ، لا لمجرّد حرمة الإتيان بالمنافيات عليه ، بل لكون نفس الاحرام الذي هو أمر اعتباري ، حاصلا له في مقام الخضوع والخشوع في مقابل الحقّ جل وعلا ، كالاحرام في باب الحج المنعقد بـ : «لبّيك . . .». .
وحينئذ فكما أنّ الحلق والتقصير اللّذين يتحقق بهما الاحلال ، مع كونهما منافيين لحقيقة الاحرام ، جعلا محلّلين له ، كذلك التسليم في آخر الصلاة يكون محللا للاحرام الصغير المبتحقق في الصلاة ، لا لكونه آخر أفعال الصلاة ، بل لكونه خارجاً عنها ، منافياً لها .
ويؤيده أنّه من كلام الآدميّين ليس له مدخلية في حقيقة الصلاة الراجعة الى الخضوع والخشوع في مقابل الحقّ ، وحينئذ يكون الإتيان بالتسليم كالإتيان بالحدث قبل التسليم وبعد التشهد ، في منافاته لحقيقة الصلاة ، ومرجع هذا الاحتمال الأخير إلى أنّ التسليم لكونه كلاماً آدميّاً منافياً لحقيقة الصلاة ، ولذا لو سلّم في الأثناء تبطل صلاته ، لأنّه جعل التسليم محللا لها ، لا لكونه آخر أفعال الصلاة ، وبه يتحقق الفراغ منها ، فيجوز الإتيان بالمنافيات حينئذ .
وبالجملة: فالمشابهة التامّة المتحققة بين الاحرام الصغير ، الذي يتحقق بالشروع في الصلاة ، ويحصل التحلّل منه بالفراغ منها ، وبين الاحرام الكبير الموجود في الحجّ ، التي لا تكون بين الحج وسائر العبادات ، تقتضي أن يكون المحلل