(الصفحة 306)
ويصير الآخر مندوباً .
وكيف كان ، فاللاّزم ملاحظة الأخبار المتقدمة الواردة في المقام فنقول : أربع منها تدلّ على تحقق الانصراف ، بقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، على اختلافها من حيث الاطلاق ، وعدم التعرّض لخصوص التشهد الأول أو الثاني ، أو التعرّض لخصوص التشهد الأول ، فثلاث منها مطلقة ، وهي رواية الحلبي ، ورواية ميسرة ، ومرسلة الصدوق ، وواحدة منها واردة في خصوص التشهد الأول ، وهي رواية أبي كهمس(1) .
ولا يخفى أنّ تحقق الانصراف بهذا القول لا يدلّ على كونه محلّلا ، كصيغة السلام عليكم ، لأنّ حصول الانصراف به إنما هو لكونه من كلام الآدميّين ، ومنافياً للصلاة ، ومن الواضح أنّه لو وقع في أثناء الصلاة شيء من المنافيات ، تبطل الصلاة ، ويتحقق الانصراف منها ، وهذا لا يلازم اتصافها بالمحلليّة لو وقعت في آخر الصلاة .
وبالجملة: فحصول الانصراف الراجع إلى بطلان الصلاة أمر ، وكونه محلّلا أمر آخر ، فإنّ إيجاد ما به يتحقق الانصراف ، يوجب بطلان الصلاة ، فتجب إعادتها بعد ذلك ، والمحلّل ما يوجب تحليل ما حرّمه الدخول في الصلاة ، مع فرض صحتها ، والذي يستفاد من هذه الروايات الأربع ، هو الأمر الأول لا الثاني ، والمقصود هو العكس كما هو غير خفيّ .
وأمّا رواية الفضل بن شاذان(2) ، فظاهرها باعتبار تعليل النهي عن قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين بقوله : تحليل الصلاة التسليم ، وإن كان ربما
- (1) الوسائل 6: 426. أبواب التسليم ب4 ح1 و 2; وص410. أبواب التشهد ب12 ح2; وج7: 286. أبواب قواطع الصلاة ب29 ح1.
- (2) الوسائل 6: 410. أبواب التشهد ب12 ح3 .
(الصفحة 307)
يعطي أنّ هذا القول أيضاً من التسليم المحلّل ، فيكون مفادها كونه محلّلا كصيغة السلام عليكم ، إذا وقع في آخر الصلاة ، إلاّ أنّه باعتبار تحقق الانصراف بهذا القول إذا وقع في الأثناء ، وحصول البطلان به ولو لم يكن محلّلا ، لما عرفت من كونه من كلام الآدميّين ، ومنافياً للصلاة .
يمكن أن يقال : بأنّه لا يكون المقصود من الرواية بيان أنّه أيضاً محلّل كالتسليم المحلّل ، بل المقصود التشبيه بالتسليم المحلّل ، فإنّه أيضاً إذا وقع في أثناء الصلاة ، يتحقق بسببه الانصراف منها ، لكونه منافياً لها ، ومن هذه الجهة جعل محلّلا كما عرفت . وحينئذ فلا يستفاد من الرواية كونه أيضاً تسليماً محلّلا فتدبّر .
وأمّا روايات أبي بصير(1) ، فالأولى منها ظاهرة في أنّ السلام علينا لا يكون تسليماً أصلا ، كما أشرنا إليه سابقاً ، فهي من أدلة القول بالخلاف .
وأمّا الثانية منها فهي مضطربة ، من جهة أنّ ظاهرها أنّه مع نسيان السلام إذا ولّى وجهه عن القبلة تتمّ صلاته ، فمفادها أنّ هذا القول إنما يفيد إذا ولّى وجهه عن القبلة بعد التذكّر ، وهو كما ترى .
وأمّا الثالثة منها : فتشتمل على بيان أحكام جميع المكلّفين ، من الإمام ، والمأموم ، والمنفرد . أمّا الإمام ، فتسليمه أن يسلّم على النبي(صلى الله عليه وآله) ، ويقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وينصرف بذلك من الصلاة ، ثم يعلم القوم بذلك ، بقوله : السلام عليكم . فالغرض منه إنما هو إيذان المأمومين بتمامية الصلاة ، وحصول الفراغ منها .
وأمّا المصلّي المنفرد ، فسلامه إنما هو مثل سلام الإمام ، غاية الأمر أنّه حيث يكون منفرداً لا معنى للايذان له بقوله : السلام عليكم .
- (1) الوسائل 6: 393. أبواب التشهد ب3 ح2 وص423 و421. أبواب التسليم ب3 ح1 وب2 ح 8 .
(الصفحة 308)
وأمّا المأموم المقتدي ، فهو أيضاً يسلّم مثل ما يسلّم لو كان إماماً ، ثم يسلّم على من على يمينه وشماله بقوله : السلام عليكم ، لو كان على شماله أحد ، سواء كان على يمينه أحد أم لم يكن ، أو على خصوص من على يمينه ، لو لم يكن على شماله أحد .
وحينئذ فيستفاد من الرواية أنّ قول : السلام عليكم لا يكون محلّلا وتسليماً أصلا ، بل إنما يقع مطلقاً خارجاً من الصلاة ، ولا ارتباط له بها ، غاية الأمر أنّه لو كان واجباً يكون واجباً مستقلاً ، ولو كان مستحباً يكون مستحباً كذلك ، ويمكن أن يستفاد من الثاني التعبير عنه بالايذان كما لا يخفى .
وبالجملة: فمفاد الرواية أنّ السلام المحلّل إمّا خصوص السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ويكون السلام على النبي(صلى الله عليه وآله) مقدّمة له ، وإمّا مجموع هذين التسليمين ، أمّا «السلام عليكم» فلا يكون محلّلا بوجه ، وهذا كما ترى ممّا لم يقل به الإمامية ، فالرواية معرض عنها ، فلا يجوز الاستدلال بها .
مضافاً إلى أنّ الرواية تدلّ على أنّ السلام عليكم لا يكون من وظيفة المنفرد أصلا ، مع أنّه خلاف ما صرّح به الأصحاب(1) ، حتى القائلين بالاستحباب كالشيخ(قدس سره) ، فلا مجال للاعتماد على الرواية ، ويمكن أن يقال : بأنّها لا تكون بصدد بيان كيفية التسليم ، والفرق بين الإمام والمأموم والمنفرد من هذه الجهة ، بل هي بصدد بيان التسليم من حيث الوحدة والتعدد ، فيكون غرضها الفرق بين الإمام والمنفرد ، وبين المأموم ، بأنّهما يسلّمان تسليمة واحدة دونه ، فإنّه يسلّم تسليمتين إن كان على شماله أحد ، وتسليمة واحدة إن لم يكن على شماله أحد .
ولا ينافي ذلك ما في الرواية ، من انقطاع الصلاة بعد السلام على النبي ، و«السلام علينا» الظاهر في تماميتها ، لما عرفت من أنّ السلام حيث كان مغائراً
- (1) راجع مستند الشيعة 5 : 351 المسألة الثالثة; وكشف اللثام 4 : 130 .
(الصفحة 309)
لحقيقة الصلاة ، جعل محلّلا لها، فلا منافاة بين توقّف التحلّل عليه، وبين كونه خارجاً عن حقيقة الصلاة، ولا يخفى أنّ الرواية أيضاً غير خالية عن الاضطراب وسوء التعبير ، من حيث التعبير بكلمة الانقطاع وغيرها .
ثم إنّ هنا رواية اُخرى ، وهي رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت له : إنّي اُصلّي بقوم، فقال : سلّم واحدة ولا تلتفت . قل : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم»(1) . ولا يخفى أنّ السؤال في غاية الاجمال ، ولا يعلم المراد منه إلاّ بقرينة الجواب .
فالمقصود منه هو السؤال عن تسليم الإمام الذي يصلّي بقوم ، فأجابه(عليه السلام)بقوله : سلّم واحدة ، وظاهره أنّه تجب تسليمة واحدة ، خلافاً لمن يقول من العامة بوجوب تسليمتين(2) ، كما أنّ المراد بقوله : «لا تلتفت» هو النهي عن الالتفات إلى اليمين واليسار ، كما يقولون به أيضاً(3) ، والتعرّض لكيفية التسليم في الذيل قرينة على أنّ مراد السائل هو السؤال عن التسليم كمّاً وكيفاً .
وكيف كان ، فالرواية تدلّ بظاهرها على أنّ السلام إنما هو قول السلام عليك . . . ، والسلام عليكم ، ولكن قد عرفت أنّ السلام على النبي(صلى الله عليه وآله) لا يكون سلاماً ولا جزءً له ، فهذه الرواية أيضاً لا تطابق الفتاوى .
وقد ظهر لك سابقاً أنّ صيغة التسليم عند العامة كانت منحصرة في الصيغة الأخيرة ، وأمّا الصيغتان الأوليان فقد كانتا عندهم من تحيات التشهد ، وكانوا يقولون باستحبابهما قبل الشهادتين ، نعم ذهب الشافعي إلى وجوبهما قبلهما(4) ،
- (1) التهذيب 3 : 48 ح168; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح9 .
- (2) المجموع 3: 482; تذكرة الفقهاء 3: 244 مسألة 300.
- (3) المغني لابن قدامة 1: 624; الشرح الكبير 1: 624; المجموع 3: 482.
- (4) راجع 2 : 286 .
(الصفحة 310)
ولم يكن فرق عندهم في ذلك بين التشهد الأول والأخير .
وحينئذ فيظهر أنّ المقصود من الأخبار المتقدمة هو الردّ عليهم ، بأنّ السلام علينا . . . ، يوجب الانصراف في التشهد الأول ، وكذا في التشهد الأخير إذا وقع قبل الشهادتين ، كما كان ذلك مستمرّاً بينهم ، فلا يكون المقصود منها كونه أيضاً تسليماً محلّلا ، إذا وقع في آخر الصلاة .
ومقتضى الاحتياط في المقام هو العمل بما دلّ عليه خبر أبي بكر الحضرمي ، من الجمع بين السلام على النبي وبين السلام عليكم ، ولو فصّل بينهما بالسلام علينا . . . ، جاز ، ولكن الأخذ بالاحتياط يقتضي خلافه .
الجهة الثالثة : حكم التسليم من حيث الوجوب والاستحباب
إعلم أنّ ذلك كان محلّ الخلاف بين العامة ، فذهب الشافعي إلى أنّه ركن ، ولايخرج من الصلاة إلاّ به ، ووافقه على ذلك الثوري ، وقال أبو حنيفة : الذي يخرج به من الصلاة أمر غير معيّن ، لأنّه يخرج به منها بأمر يحدثه ، وهو ما ينافيها من سلام ، أو كلام ، أو حدث من ريح ، أو بول ، ولكنّ السنّة أن يسلّم ، لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يخرج به منها(1) .
وأمّا عند أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم ، فالمسألة أيضاً محلّ خلاف ، فالمحكيّ عن السيد المرتضى في المسائل الناصرية ، وفي المسائل المحمدية ، القول بوجوب التسليم ، يعني السلام عليكم ، وبه قال أبو الصلاح ، وسلاّر ، وابن أبي
- (1) المجموع 3: 481; المحلّى 3: 277; المغني لابن قدامة 1: 551; الخلاف 1: 376 مسألة 134; المعتبر 2: 233; المنتهى 1: 295 ـ 296.