(الصفحة 33)
هذا لفظه : «لأنّ بطلان الجزء المستحبّ لا يوجب الاخلال بالأجزاء الواجبة التي هي المناط في تحقق الامتثال للأمر الوجوبي ، وإن لم يحصل امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بنفس المستحب ، أو بالعبادة المشتملة عليه ، وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن التمسّك للإبطال بما دلّ على بطلان كلّ عمل لم يخلص لله، مثل رواية عليّ بن سالم(1) قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: قال الله سبحانه : «أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلاّ ما كان خالصاً لي»(2) . ورواية زرارة وحمران عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لو أنّ عبداً عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً»(3) ، وغير ذلك ممّا دلّ على بطلان العمل المشترك على وجه الإشاعة أو التبعيض(4) ، كما فيما نحن فيه ، فإنّا لا نمنع بطلان هذه العبادة ، بمعنى مخالفته للأمر الخاص المستحب المتعلّق بهذا الفرد الخاص ، ولا يلزم منه عدم مطابقته للأمر بمطلق الماهيّة الموجودة فيه ، الذي هو مناط التقرب بالعمل من حيث كونه واجباً...» إلى أن قال : «وممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو نوى الرياء بالزائد على الواجب من الأفعال كطول الركوع والسجود»(5) . إنتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره) .
وقال في المصباح في مقام الجواب عن الاستدلال للبطلان بالأخبار المذكورة ماملخّصه : إنّه كما يصح أن يقال على مجموع الصلاة: إنّها عمل ، كذلك يصح إطلاقه
- (1) هو علي بن أبي حمزة البطائني وأبو حمزة كنية أبيه واسمه سالم (منه) .
- (2) المحاسن 1: 392 ح874 ; الكافي 2 : 295 كتاب الايمان والكفر باب الرياء ح9; الوسائل 1 : 61. أبواب مقدّمة العبادات ، ب8 ح9 .
- (3) عقاب الأعمال : 289 ح1; المحاسن 1: 212 ح384; الكافي 2: 293 ح3; الوسائل 1: 67. أبواب مقدّمة العبادات ب11 ح11.
- (4) الكافي 2: 293 باب الرياء; الوسائل 1: 64. أبواب مقدّمة العبادات ب11.
- (5) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري (رحمه الله): 88 ـ 89 .
(الصفحة 34)
على أجزاء العمل ، لأنّ أجزاء العمل أيضاً عمل عند العقل ، وحينئذ فيصح أن يقال: إنّه أشرك في قنوته مثلا ، وأدخل فيه رضا غيره تعالى .
وحينئذ نقول : إنّ القنوت والصلاة ليسا مصداقين للعامّ على سبيل التواطؤ ، لاستحالة كون رياء واحد فردين من العام ، فصدقه على سبيل التشكيك بمعنى أنّ صدقه على القنوت لذاته ، وعلى الصلاة بواسطته ، وحينئذ فمجرّد وقوع القنوت لغير الله لا يضرّ بوقوع الأجزاء الواجبة متقرّباً بها إلى الله تعالى ، بعد كون كلّ واحد منهما عملا مستقلاً ، فغاية مدلول الأخبار بطلان القنوت مثلا ، لأنّه عمل أدخل فيه رضا غيره تعالى ، فلا يؤثر في صيرورة الفرد المشتمل عليه أفضل الأفراد ، ودعوى إنّ المراد من العمل في الروايات، الأعمال المستقلّة التي تعلّق بها أمر نفسي ، مع أنها بلا بينة يكذبها شهادة العرف بصدقها على أجزاء العمل ، ولذا لا يتوهّم أحد بطلان الحجّ بوقوع شيء منه رياءً مع عدم إمكان تداركه وعدم فوات محلّه ، وممّا ذكرنا يظهر حكم ما نوى الرياء بالزائد على الواجب من الأفعال، كطول الركوع والسجود(1) . إنتهى ملخّص كلامه(قدس سره) .
وأنت خبير بأنّ مرجع كلامهما إلى أنّ الرياء اِنّما وقع في الصلاة بمرتبتها الكاملة الفاضلة ، لأنّ المفروض إنّه نوى الرياء بالأجزاء المستحبة ، أو بالزائد على الواجب من الأفعال ، ومقتضى الروايات بطلانها بهذه المرتبة التي أدخل فيها رضا أحد من الناس ، وهو لا ينافي صحتها بالمرتبة غير الكاملة التي أتى بها خالصاً لوجه الله ، متقرباً بها إليه ، لأنّه لم يشرك فيها ، ولم يدخل رضا غيره تعالى ، فلا وجه للحكم ببطلانها من رأس .
هذا ، ولكن لا يخفى أنّ المرتبة غير الفاضلة ـ التي بها تتحقق طبيعة الصلاة المأمور بها ، وتكفي في امتثال الأمر الوجوبي المتعلّق بها ـ أتى بها على المفروض
- (1) مصباح الفقيه، كتاب الصلاة : 239 .
(الصفحة 35)
بعنوان الجزئية للصلاة ، لأنّ القصد إنما تعلّق بتلك المرتبة الكاملة ، فغيرها لا يكون مقصوداً إلاّ بنحو الجزئية لتلك المرتبة .
وبالجملة : فالمصلّي إنما قصد امتثال الأمر الوجوبي بأفضل الأفراد ، والمفروض بطلانه ، لأنّه أشرك وأدخل فيه رضا أحد من الناس ، وأمّا المرتبة غير الكاملة ، فلم يقصد بها امتثال الأمر الوجوبي أصلا ، فكيف يمكن الاجتزاء بها في مقام الامتثال ، مع أنّها لم تقصد إلاّ جزءً للفرد الذي يريد المصلّي أن يمتثل به .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ما ذكره صاحب المصباح من صدق العمل على أجزاء الصلاة أيضاً محلّ نظر بل منع ، فإنّه لا يقال على من اشتغل بالصلاة ، إلاّ أنّه مشتغل بعمل واحد ، كما أنّ الرياء في بعض الأجزاء يوجب صحة إطلاق كونه مرائياً في صلاته ، وتنظيره أجزاء الصلاة بأفعال الحج ممنوع أيضاً ، فإنّ أفعال الحج كلّها عبادة بحيالها ، يترتب عليها الثواب مستقلاً ، والأولى التنظير بنافلة المغرب ، المركبة من الصلاتين إذا أتى بالثانية منهما ، مرائياً فيها من حيث انّها صلاة ، وأمّا إذا رآى فيها من حيث إنّه يأتي بنافلة المغرب ، فالظاهر بطلان الصلاة الأولى أيضاً .
والحقّ في المقام أن يقال: إنّه لو نوى الرياء ببعض الأجزاء الواجبة ثم تداركه ، بناءً على عدم كون مثل هذه الزيادة مبطلا ، أو نوى الرياء بالأجزاء المستحبة ، سواء تداركها أم لم يتدارك ، فإنّ قصد الرياء فيها لا من حيث أنّها جزء للصلاة ، بل من حيث أنّه يحسن القراءة مثلا ، فالظاهر أنّه لا يضرّ بصحة الصلاة أصلا .
وأمّا لو نوى الرياء فيها من حيث أنّها جزء للصلاة ، فالظاهر بطلانها بذلك ، فإنّ قصد الجزئية بمثل هذا الجزء يؤثر في صيرورة العمل عملا غير خالص أدخل فيه رضا أحد من الناس ، وقد عرفت أنّ العمل لا يطلق على أجزاء الصلاة ، لأنّه عبارة عمّا يؤتى به لترتّب الأثر المترقّب منه عليه .
(الصفحة 36)
وبالجملة : فالرياء في الجزء بما أنّه جزء من الصلاة يؤثر في فساد العمل المشتمل عليه ، وليس كالإتيان بالجزء الذي لا يصلح للجزئية لسائر الموانع الاُخر ، كالقراءة غلطاً ونحوه ، فإنّ تأثيره ليس إلاّ عدم صلاحية الجزء المغلوط لوقوعه جزءً ، بحيث التئم الكلّ منه ، وهذا بخلاف الرياء ، فإنّه يوجب عدم وقوع العمل من حين وقوعه على مقتضى طبعه الأول ي ، فالتدارك لا ينفع بوجه .
فانقدح أنّ الرياء في الجزء ، واجباً كان أو مستحبّاً ، إنما يكون كالرياء في الكلّ ، نعم قد عرفت إنّه لو نوى الرياء به ، لا من حيث أنّه جزء للصلاة ، فالظاهر عدم البطلان .
ثم إنّه قد يوجه الصحة في خصوص ما لو نوى الرياء بشيء من الأجزاء المستحبة ، بأنّ هنا مركبين : أحدهما ما يكون متعلّقاً للأمر الاستحبابي ، وهو المركب الطويل المشتمل على الأجزاء المستحبة أو بعضها . ثانيهما ما يكون متعلّقاً للأمر الوجوبي ، وهو المركّب القصير المشتمل على الأجزاء المعتبرة في طبيعة الصلاة ، والمفروض أنّه نوى الرياء في المركّب الأول ، فلا وجه لبطلان الثاني الموجود في ضمنه(1) .
هذا ، ويرد عليه إنّه إمّا أن يقال بصدق الصلاة عليهما ، أو على الأول دون الثاني ، أو العكس ، فعلى الأخير يلزم أن لا يكون ذلك الجزء جزءً للصلاة ولو على نحو الاستحباب ، وذلك واضح الفساد ، كما أنّه على الثاني يلزم وجوب ما فرض مستحباً من الأجزاء ، وذلك باطل أيضاً .
فالواجب أن يقال : بأنّ الصلاة إنما تقال على مصاديقها بنحو التشكيك ، ويكون لها مراتب من حيث الكمال والنقص ، والمفروض أنّ المصداق المأتي به في
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله) : 136 .
(الصفحة 37)
مقام الامتثال ، قد أدخل فيه رضا أحد من الناس ، فلا وجه لصحته ، والفرد الناقص لم يقصد تحقق الامتثال به أصلا .
وبالجملة: فلا فرق بين الأجزاء الواجبة والمستحبة من حيث اقتضاء الرياء فيها ، لبطلان الصلاة كما لا يخفى .
ثم إنّه لا فرق في بطلان العبادة بالرياء بين أن يكون الرياء تمام الداعي إلى الإتيان بها ، أو بجزئها ، أو بعضه ، وعلى الثاني لا فرق بين أن يكون هو الأصل في الداعوية ، والقربة تابعة له ، وبين العكس ، وبين ما إذا تساويا في الداعوية ، كما أنّه لا فرق على الأخير بين أن يكون كلّ منهما مستقلاً في الدعوة ، بأن كان كلّ منهما داعياً ولو لم يكن الآخر متحققاً .
غاية الأمر إنّه حيث لا يمكن اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، فلا محالة يكون التأثير مستنداً إلى كليهما على سبيل الاشتراك ، وبين أن لا يكون كلّ منهما كذلك ، أي مستقلاً في الدعوة ، بل صار المجموع داعياً إلى الإتيان بالعبادة أو بجزئها ، هذا كلّه في الرياء المقارن للعبادة وأمّا لو كان الداعي له إلى الإتيان بها هي القربة ، أو سائر المراتب الاُخر ، ثم عرض له ذلك بعد الفراغ منها ، وصار مرائياً بالنسبة إلى العمل الذي أتى به ، فالظاهر أنّه لا دليل على بطلان عبادته ، بعد كون الداعي له إلى إتيان العبادة غير الرياء ، هذا كلّه في الرياء .
وأمّا العُجب ، فالظاهر أنّه ليس من قبيل الدواعي الباعثة على إتيان العمل ، كالقربة أو الرياء ، لأنّه عبارة عن مجرّد تخيّل العظمة للنفس ، أو العمل ، والنظر إليهما بعين الإعجاب ، وهذا لا ارتباط له بمسألة الداعي أصلا ، ولكنّه من الصفات المذمومة ، والرذائل الأخلاقية ، كما ورد في الأخبار الكثيرة مذمته ، والتوبيخ عليه ، على اختلاف ألسنتها .