(الصفحة 334)
المذكور فيه مجرّد وضع الرجل يده اليمنى على اليسرى . فما يحتمل أن يكون مورد السؤال هو أحد الأمور التالية :
1 ـ : أن يكون مراد السائل هو السؤال عن حكم التكفير من حيث هو ، وإنّه هل يكون محرّماً في حدّ نفسه مع قطع النظر عن الصلاة أم لا؟.
2 ـ : أن يكون المراد هو السؤال عن حكمه إذا وقع في الصلاة، وأنّه هل يكون محرّماً في ظرف الصلاة أم لا؟.
3 ـ : أن يكون مورد السؤال هو كونه مبطلا للصلاة ومانعاً عنها .
4 ـ : أن يكون المراد هو السؤال عن أنّه هل يكون من آداب الصلاة أم لا؟.
5 ـ : أن يكون مورد السؤال هو جوازه في حدّ نفسه بنحو الكراهة أو الإباحة بعد كون أصل التكفير جائزاً .
ولا يخفى بُعد الإحتمال الأوّل والأخير ، لأنّ مورد السؤال هو وضع اليد في الصلاة لا في حدّ نفسه ، فيدور الأمر بين الإحتمالات الثلاثة الأخر والظاهر منها هو الإحتمال الثالث ، لأنّ التعبير في الجواب بقوله : «لا تفعل» ، ظاهر في أنّ التكفير يوجب انحطاط الصلاة بحيث تصير فاسدة ، ويوجب عدم انطباق عنوان الصلاة على المأتيّ به من الأفعال ، فالنهي نهي إرشاديّ وحينئذ فيمكن أن تصير الرواية منشأً لدعوى الإجماع على بطلان الصلاة بالتكفير كما عن السيد وغيره(1) ، بناءً على مبناهم في دعوى الإجماع .
ثمّ إنّ التعبير في الرواية بقوله : «حكى» دون ـ حكيت ـ يدلّ على أنّ محمّد بن
- (1) الإنتصار: 141 ـ 142; المقنعة: 104; الخلاف 1: 321; النهاية: 73; الغنية: 81 ; الوسيلة: 97; الكافي في الفقه: 125; السرائر 1: 217; المعتبر 2: 257; المنتهى 1 : 311; تذكرة الفقهاء 3: 295 مسألة 330; نهاية الأحكام 1: 523; تحرير الأحكام 1: 42; قواعد الأحكام 1 : 81 2; الروضة البهيّة 1: 235; جامع المقاصد 2: 344; رياض المسائل 3: 513 .
(الصفحة 335)
مسلم نقل الرواية لتلميذه الذي روى عنه ، فعمل كذلك لأجل تفهيمه ، وإلاّ فلو كان فعل ذلك عند الإمام(عليه السلام) لعبّر بقوله حكيت كما هو واضح .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «وعليك بالإقبال على صلوتك ـ إلى أن قال : ـ ولا تكفّر، فإنّما يصنع ذلك المجوس»(1) .
ومنها : مرسلة حريز، عن رجل، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «ولاتكفّر، إنّما يصنع ذلك المجوس»(2) .
والظاهر إتّحاد الروايتين وأنّ الرجل الذي أبهمه حريز وهو زرارة المذكور في سند الرواية الأولى .
والظاهر منهما هو الإحتمال الرابع من الإحتمالات المتقدّمة ، وهو عدم كون التكفير من جملة آداب الصلاة ، ولا يسفتاد منهما عدم جوازه في الصلاة لأجل عدم معهوديته من النبي(صلى الله عليه وآله) ، ولا حرمته بما هو ، ولا كراهته كذلك ، ولا حرمته في الصلاة كما لا يخفى .
ومنها : ما رواه في محكيّ قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن، عن جدّه عليّ ابن جعفر قال : قال أخي : قال عليّ بن الحسين(عليهما السلام) : «وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل»(3) . والظاهر أنّ المراد بالعمل هو العمل التصنّعي الذي هو خلاف مقتضى الطبع في حال الخضوع والخشوع .
إلى غير ذلك من الأخبار .
ثمّ اعلم أنّ العامّة اختلفوا في التكفير، فذهب مالك إلى كراهته في الفريضة
- (1) الكافي 3 : 299 ح1 ; الوسائل 7 : 266 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح2 .
- (2) الكافي 3 : 336 ح 9; التهذيب 2: 84 ح309; الوسائل 7: 266. أبواب قواطع الصلاة ب15 ح3.
- (3) قرب الاسناد : 177ح 795; الوسائل 7 : 266 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح4.
(الصفحة 336)
دون النافلة، ولكن ذهب الجمهور إلى أنّه من جملة مسنونات الصلاة(1) ، قال ابن رشد في بداية المجتهد : والسبب في اختلافهم أنّه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل فيها أنّه كان يضع يده اليمنى على اليسرى، وثبت أيضاً أنّ الناس كانوا يؤمرون بذلك، وورد ذلك أيضاً من صفة صلاته عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حميد .
فرأى قوم أنّ الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة، وأنّ الزيادة يجب أن يصار إليها ، ورأى قوم أنّ الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة لأنّها أكثر ، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة وإنّما هي من باب الإستغاثة ، ولذلك أجازها مالك في النفل ، ولم يجزها في الفرض ، وقد يظهر من أمرها أنّها هيئة تقتضي الخضوع وهو الأولى بها(2) . انتهى .
ولا يخفى أنّه لو كان عمل النبي(صلى الله عليه وآله) مستمرّاً على التكفير في حال الصلاة لما كان وجه لعدم نقله في تلك الآثار الكثيرة التي نقلت فيها صفة صلاته(صلى الله عليه وآله) ، فعدم النقل فيها يكشف قطعاً عن عدم ثبوته بوجه .
وأمّا الإمامية، فقال المحقّق في المعتبر : فيوضع اليمين على الشمال في حال القراءة قولان : أحدهما حرام وتبطل الصلاة ، وبه قال الشيخان و علم الهدى وابنا بابويه وأتباعهم . وقال أبو الصلاح بالكراهيّة(3) .
ثمّ إنّه حيث كان فقه الإمامية مأخوذاً غالباً من الأئمّة الهداة عليهم الصلاة
- (1) المجموع 3: 311، المغني لابن قدامة 1: 549; المدوّنة الكبرى 1: 74.
- (2) بداية المجتهد 1: 197 المسألة الخامسة; تذكرة الفقهاء 3: 295 مسألة 330.
- (3) المعتبر2 : 255 ـ 256.
(الصفحة 337)
والسلام وكان كلّ واحد منهم معاصراً لعدّة من المخالفين المتصدّين لمقام الإفتاء والمراجعة ، فلابدّ في تحقيق مفاد الرواية وتوضيح مدلولها من ملاحظة فتاوى المعاصرين للإمام الذين صدرت منهم الرواية . وحينئذ فما ورد في بعض الروايات من أنّ التكفير من فعل المجوس(1) ليس بناظر إلى حرمته من جهة التشبه بالمجوس ، بل النظر فيه إلى ردّ العامّة القائلين باستمرار عمل النبي(صلى الله عليه وآله) على ذلك، وأنّه ليس منه، بل منشؤه من المجوس، فلا يكون من سنن الصلاة أصلا .
وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن المحقّق(رحمه الله)(2) حيث استظهر من الرواية الكراهية، لما تضمّنته من قوله: إنّه تشبّه بالمجوس ، فإنّ مفاد الرواية كما مرّت الإشارة إليه هو بيان عدم كونه من آداب الصلاة لعدم معهوديته من النبي(صلى الله عليه وآله) ، فلا يستفاد منها الحرمة ولا الكراهية بل ولا المبطلية ، نعم يستفاد منها أنّ الإتيان به بما أنّه مستحبّ، ومن جملة آداب الصلاة محرم تشريعاً كما يصنعه العامّة كذلك .
فالأولى التمسّك للإبطال برواية محمّد بن مسلم المتقدّمة(3) ، بناءً على ما استظهرنا منها . نعم يمكن التمسّك له أيضاً بوجه آخر ، وهو أنّه لا شكّ في حرمة التكفير تشريعاً ، ومن المعلوم أنّ المكفّر لا يكون قصده بهذا العمل إلاّ تكميل صلاته ، وليس بحيث لا يكون المحرّم المزبور دخيلا في الصلاة بوجه ، ففي الحقيقة قد أتى العامل بالصلاة على غير ما جاء به الشرع ، فلا تقع صحيحة بل فاسدة فتدبّر.
- (1) الوسائل 7 : 266، 267 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح 2 ، 3 ، 7 .
- (2) المعتبر 2: 257 .
- (3) الوسائل7 : 265 . أبواب قواطع الصلاة ب15 ح1.
(الصفحة 338)
القاطع الثاني :
الإلتفات إلى غير القبلة بقدر معتدّ به
أمّا القدماء فذهبوا إلى بطلان الصلاة به استناداً إلى الروايات الواردة في هذا الباب(1) ، وأمّا المتأخّرون(2) الذين قاربوا عصرنا فقد أدرجوا المقام في مسألة ترك الإستقبال .
أمّا الروايات :
فمنها : رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يلتفت في صلاته؟ قال : «لا ، ولا ينقض أصابعه»(3) .
ومنها : رواية الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الإلتفات فاحشاً، وإن كنت قد تشهّدت
- (1) المبسوط 1 : 117; النهاية: 87 ; المراسم: 87 ; السرائر 1: 243; شرائع الاسلام 1: 91; الوسيلة: 97; الكافي في الفقه: 120; الغنية : 82 .
- (2) كشف اللثام 4: 168; جواهر الكلام 11: 25 ـ 43; ذخيرة المعاد: 353.
- (3) الكافي 3 : 366 ح12 ; التهذيب 2 : 199ح 781; الاستبصار1 : 405 ح 1544 ; الوسائل 7 : 244 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح1.