(الصفحة 339)
فلاتعد»(1) .
ومنها : رواية زرارة أنّه سمع أبا جعفر(عليه السلام) يقول : «الإلتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه»(2) والمراد بقوله : «بكلّه» هو الإلتفات بجميع البدن ، ويحتمل أن يكون المراد به هو الإلتفات الفاحش .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظنّ أنّ ثوبه قد انخرق أو أصابه شيء، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسّه؟ قال : «إن كان في مقدّم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخّره فلايلتفت، فإنّه لا يصلح»(3) .
وهذه الرواية تدلّ على منع الإلتفات إذا كان إلى المؤخّر . وأمّا إذا كان إلى أحد الجانبين اليمين واليسار فلا .
ومنها : رواية عبدالملك قال : سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن الإلتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : «لا، وما أُحبّ أن يفعل»(4) .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة»(5).
ومنها : ما رواه في الخصال بإسناده عن عليّ(عليه السلام) في حديث الأربعمائة قال : «الإلتفات الفاحش يقطع الصلاة، وينبغي لمن يفعل ذلك أن يبدأ بالصلاة بالأذان
- (1) الكافي 3 : 365 ح 10; التهذيب 2 : 323 ح1322 ; الوسائل 7 : 244 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح2.
- (2) التهذيب 2 : 199 ح870 ; الإستبصار1 : 405 ح1543; الوسائل 7 : 244 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح3.
- (3) التهذيب 2 :333 ح1374; مسائل عليّ بن جعفر: 186 ح367; قرب الإسناد: 165 ح702; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح4.
- (4) الـتهذيب 2 : 200 ح 784; الإستبصار 1: 405 ح1546; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح 5.
- (5) الفقيه 1 : 239 ح1057; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح6.
(الصفحة 340)
والإقامة والتكبير»(1) .
ومنها : ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب الجامع للبزنطي صاحب الرضا(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يلتفت في صلاته ، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال : «إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلّي ولا يعتدّ به، وإن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود»(2) .
وهذه الرواية تدلّ أيضاً على بطلان الفريضة في خصوص ما إذا كان الإلتفات إلى الخلف فقط .
ثمّ إنّ ظاهر عنوان كلمات الفقهاء من القدماء والمتوسّطين هو تقييد الإلتفات المنافي للصلاة بما إذا كان فاحشاً وكان عن عمد، وذكروا في مبحث إعتبار الاستقبال أنّ ترك الاستقبال إن كان مسبّباً عن إشتباه الأمارة ، فإن كان الإنحراف بمقدار يسير لا يبلغ حدّ اليمين واليسار فلا بأس ، وإلاّ فالواجب الإعادة في الوقت دون خارجه .
هذا ، والظاهر وجود الاختلاف في المسألتين ، لأنّ معنى الإلتفات كما يظهر بمراجعة العرف عبارة عن انصراف الوجه إلى جهة غير جهة مقاديم البدن ، وليس عبارة عن التوجّه بجميع المقاديم، وحينئذ فإن كانت المقاديم إلى القبلة فالالتفات بالوجه لا محالة يكون إلى غيرها من الخلف أو اليمين أو اليسار .
هذا ، والمراد بالاستقبال في مبحث القبلة هو التوجّه بمقاديم البدن جميعاً سواء قلنا بلزوم استقبال العين أو بكفاية استقبال الجهة ، فمجرّد إلتفات الوجه عن جهة إلى القبلة لا يكون بنظر العرف محصّلا للإستقبال المعتبر في الصلاة ، فللالتفات
- (1) الـخصال : 622; الوسائل 7 : 245 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح7.
- (2) السرائر3 : 572; قرب الإسناد: 178 ح806 ; الوسائل 7 : 246 . أبواب قواطع الصلاة ب3 ح8 .
(الصفحة 341)
معنى وللإستقبال معنىً آخر ، فلا ارتباط لإحدى المسألتين بالاُخرى .
ومنه يظهر أنّ المصلّي مع وصف كونه مستقبلا حقيقة تارةً يكون بحيث لايلتفت أصلا ، واُخرى بحيث يلتفت قلباً فقط ، وثالثة بالقلب والعين ، ورابعة بالوجه أيضاً ، ولا يخرج عن الإستقبال بمجرّد إنصراف الوجه عن القبلة، لأنّه لايكون المعتبر في الصلاة هوالإستقبال بالوجه حتّى ينافيه الإلتفات والإنصراف به، وأمّا قوله تعالى :
{فولّوا وجوهَكُم شَطرَهُ}(1) ، كنايةٌ عن التوجّه إلى الكعبة بجميع مقاديم البدن، لعدم انفكاك الإستقبال بالمقاديم عن التوجّه بالوجه غالباً ، وليس المراد به هو كفاية الإستقبال بالوجه فقط حتّى تتّحد المسألتان .
ثمّ إنّ المراد من الإلتفات الفاحش ليس الإلتفات الحقيقي ـ خلف الوجه ـ فإنّه مستحيل ، بل المراد به هو الإلتفات بحيث يرى خلفه ولو بأوّل مراتبه ، فإذا كان بحيث يصل إلى أوّل مراتب الخلف فيفسد الصلاة ، وإذا لم يصل إليه بأنّ نظر بالعين إلى اليمين أو اليسار فلا يوجب البطلان ، فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الإلتفات غير عدم الإستقبال .
ثمّ إنّ رواية عبدالملك المتقدّمة تدلّ بظاهرها على كراهية الإلتفات ، وهل المراد بالالتفات فيها هو الإلتفات بجميع مراتبه ، أو خصوص بعض المراتب نظراً إلى الجمع بينها وبين الروايات الاُخر؟ فيه وجهان :
و رواية أبي بصير ـ لأجل احتمال أن يكون المراد بالإنصراف المذكور فيها هو الإنصراف عن القبلة بجميع المقاديم فتكون مربوطة بباب القبلة ـ لا يمكن أن تجعل دليلا على بطلان الصلاة بالالتفات المبحوث عنه في المقام .
ورواية زرارة الدالة على كون الإلتفات قاطعاً إذا كان بكلّه ، فقد عرفت أنّ في
(الصفحة 342)
معناها إحتمالين ، فعلى الإحتمال الأوّل الذي مرجعه إلى كون المراد هو الإلتفات بجميع البدن، تكون أجنبيةً عن المقام ، ومربوطةً بمسألة الإستقبال .
وأمّا على الإحتمال الثاني تكون متعرّضة لحكم المقام ، ولفظ الإلتفات المذكور فيها وإن كان يناسب الإحتمال الثاني إلاّ أن حمل قوله(عليه السلام) : «بكلّه» على مراتب الإلتفات بعيد ، لأنّ الظاهر منه هو كون المراد الإلتفات بجميع البدن .
وبالجملة: فالظاهر أنّ الضمير فيه يرجع إلى الملتفت والمصلّي دون الالتفات، وحينئذ فصدر الرواية باعتبار ذكر الالتفات مناسب للإحتمال الثاني وذيلها يناسب الإحتمال الأوّل .
ثمّ إنّه على فرض أن يكون المراد بقوله : «بكلّه» هو الإلتفات بكل المصلّي والملتفت بجميع بدنه ، فهل يكون مدلول الرواية عدم بطلان الصلاة إذا لم يكن الإلتفات بجميع البدن، فيتحقق التعارض بين مفهومها ومنطوق سائر الروايات الدالة على البطلان إذا كان الإلتفات فاحشاً، وإن لم يكن بجميع البدن ، أو أنّ الرواية لا تدلّ إلاّ على مجرّد بطلان الصلاة إذا التفت المصلّي بكلّه ولا تدلّ على عدم البطلان في غيره؟
وبعبارة أخرى : مفاد الرواية هو أنّ الإلتفات بمجرّده لا يكون قاطعاً للصلاة ، بل المتّصف بهذا الوصف هو الإلتفات مع أمر زائد ، فالموضوع للحكم بالقاطعية أمر مركّب من الإلتفات وشيء آخر، وأمّا كون الأمر الآخر الذي به يتحقق الموضوع فيترتّب عليه الحكم ، هو خصوص قيد «بكلّه» فلا يستفاد من الرواية أصلا وحينئذ فلا منافاة بينها وبين ما يدلّ على قاطعية الإلتفات إذا كان فاحشاً، نظير قوله(عليه السلام) : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(1) . فإنّ المستفاد منه أنّ تمام
- (1) الوسائل 1 : 158 ـ 159. أبواب الماء المطلق ب9 ح1 ، 2 ، 5 ، 6.
(الصفحة 343)
الموضوع للحكم بعدم التنجّس ليس الماء بإطلاقه ، بل هو مع خصوصية زائدة ، وأمّا كون الخصوصية الزائدة منحصرة في بلوغها قدر كرّ فلا يستفاد منه، فلا ينافي حينئذ قيام قيد آخر مقام الكرّية ، كالجريان ونحوه .
هذا ، ولا يخفى أنّ قوله(عليه السلام) : «لا» ، في رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة في مقام الجواب عن سؤاله «عن الرجل هل يلتفت في صلاته؟» يفيد بظاهره أنّ تمام الموضوع هو مجرّد الإلتفات، وحينئذ فيحصل التعارض بينها وبين رواية زرارة الدالة على عدم كون تمام الموضوع هو نفس الإلتفات . إلاّ أن يقال : إنّ قوله(عليه السلام) : «لا» ، لا ظهور له في بطلان الصلاة بالالتفات ، بل مفاده مجرّد الكراهة ، ويؤيّده قوله : «ولا ينقض أصابعه» كما لا يخفى، فلا تعارض بينهما .
وأمّا رواية الحلبي فتدلّ على بطلان الفريضة بالالتفات الفاحش ، ويساويها في هذاالمضمون حديث الأربعمائة، وكذا رواية محمّد بن إدريس من جهة الإشتمال على التخصيص بالفريضة، وأمّا من جهة خصوصية الإلتفات فهي تشتمل على التفصيل بين اليمين واليسار و بين الخلف; ويساويها في هذه الجهة رواية عليّ بن جعفر.
ومقتضى الجمع بينهما وبين رواية الحلبي والأربعمائة المشتملتين على تقييد الإلتفات بالفاحش أن يقال : إنّ المراد بالفاحش هو الإلتفات إلى الخلف ، فهاتان الروايتان مفسّرتان للمراد من الفاحش المذكور فيهما; فانقدح أنّ الإلتفات الفاحش أي الإلتفات إلى الخلف يوجب بطلان الصلاة ، والإلتفات غير الفاحش أي الإلتفات إلى اليمين أو اليسار لا يضرّ أصلا .