(الصفحة 347)
الخلاف الإجماع عليه(1). ومنشأ ذلك هي الروايات المتقدّمة الناهية عن قول آمين بعد الفراغ من الفاتحة ، وهي رواية جميل الأولى ، ورواية محمّد الحلبي ، ورواية زرارة ، ومفادها يشعر باستمرار الإمامية على الترك كما لا يخفى .
وهنا وجه آخر استدلّ به الشيخ في الخلاف للقول بالبطلان ، وهو أنّ آمين من كلام الآدمي، فهو مبطل للصلاة(2)، وردّ عليه بأنّه ليس من كلام الآدمي ، لأنّه دعاء ، إذ معناه : اللّهمّ استجب ، فهو دعاء بالاستجابة .
وأجيب عنه بوجهين :
أحدهما : أنّ أسماء الأفعال ليست موضوعة للمعاني بل للألفاظ ، فلا يكون آمين دعاء ، وانكر هذا المطلب الرضي(قدس سره)(3) نظراً إلى أنّه لا معنى لذلك إذ حين ما يقال : «صه» ، لا يستفاد منه لفظ «اُسكت» ، ثمّ المعنى لـ «صه» ، وهذا هو الحقّ، لأنّ إطلاق الإسم على أسماء الأفعال إنّما هو بملاحظة إجراء أحكام الأسماء عليها من التنوين وغيره ، وإطلاق الفعل عليها بملاحظة دلالتها على المعاني المربوطة بالأفعال ، فلا وجه للقول بكونها موضوعة للألفاظ دون المعاني .
ثانيهما : أنّه لم يعهد كون آمين من أسماء الأفعال عند العرب . وإن كان كذلك في سائر اللغات ، وجواب هذا الوجه واضح ، لأنّ ضبط سيبويه وغيره على خلافه .
وهنا ردّ ثالث، وهو أنّ آمين إنّما يكون دعاء إذا كان مسبوقاً بالدعاء ، لأنّه لا معنى له ابتداء ، والمفروض أنّ الفاتحة إنّما تقرأ بعنوان القرآنية ، وحكاية كلام الله المنزل ، لا بعنوان الدعاء، فلا يكون آمين دعاء .
وكيف كان، فالتحقيق أنّ النواهي الواردة في الروايات ظاهرها كونها إرشاداً
- (1) الانتصار : 144; الخلاف 1 : 332; مسألة 84 .
- (2) الخلاف 1 : 334 .
- (3) شرح الكافية : 187 .
(الصفحة 348)
إلى بطلان الصلاة بإتيان متعلّقها ، فما حكي عن المدارك من القول بالحرمة التكليفية(1) مخالف لظاهر الأخبار . وأمّا القول بالكراهة فيمكن أن يكون مستنده هو كون آمين دعاء ، والدعاء في نفسه مستحبّ في الصلاة ، فلا وجه لعدم الجواز .
وأمّا الكراهة فلأجل التشبّه بالنصارى أو لأجل رواية جميل الأخيرة(2) . ولايخفى أنّ هذا الوجه إنّما هو فرع الجمع العرفي بينها وبين الروايات الناهية ، مع أنّ الجمع بين الروايات مشكل، خصوصاً لو حمل النهي فيها على الكراهة ، إذ هي لايناسب مع التعبير بقوله : «ما أحسنها» الظاهر في كونه بصيغة التعجّب كما عرفت ، مضافاً إلى ما مرّ من أنّ التأمين لا يكون متمحضاً في الدعاء ، بل هو دعاء إذا كان مسبوقاً بالدعاء ، والمفروض عدم سبق الدعاء ، لأنّ قراءة الفاتحة إنّما تكون على سبيل الحكاية وقراءة القرآن ، لا على وجه الدعاء .
فالأقوى بطلان الصلاة بالتأمين للروايات، ولما أفاده الشيخ في الخلاف(3) ، وقد عرفت ضعف ما أورد عليه ، ولما ذكرناه في التكفير من استلزامه الحرمة التشريعية المحققة في المقام ، لصراحة الروايات في عدم ثبوت التأمين من النبي(صلى الله عليه وآله) للبطلان بالتقريب الذي ذكرنا هناك .
وأمّا الإجماع الذي ادّعاه السيّد والشيخ(قدس سرهما)(4) ، فليس دليلا مستقلا، لما مرّ غير مرّة من أنّ مرادهم بالإجماع هو قول المعصوم(عليه السلام) ، فمستنده إنّما هو الروايات المزبورة . ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى إطلاق الحكم بالنسبة إلى الإمام والمأموم والمنفرد بلا فرق بينهم أصلا .
- (1) مدارك الاحكام3 : 373.
- (2) الوسائل 6 : 68 . أبواب القراءة في الصلاة ب17 ح5.
- (3) الخلاف 1 : 332 مسألة 84 .
- (4) الانتصار : 144; الخلاف1 : 332.
(الصفحة 349)
التأمين في القنوت
هل التأمين في القنوت مفسد للصلاة أم لا؟ مقتضى القاعدة العدم ، لعدم جريان الأدلة المتقدّمة في هذا المقام ، أمّا الروايات فواضح ، لأنّ موردها هو التأمين بعد الفراغ من الفاتحة ، وأمّا الوجه الذي حكي عن الخلاف فلأنّه إنّما هو فيما إذا لم يكن مسبوقاً بالدعاء ، وفي القنوت مسبوق به دائماً لأجله . وأمّا الوجه المتقدّم في التكفير فلأنّ مورده ما إذا كان محرّماً تشريعاً ، والتشريع غير متحقق في المقام كما هو واضح ، فمقتضى القاعدة عدم الإفساد، ولكن الأحوط تركه أيضاً .
(الصفحة 350)
القاطع الرابع :
الضحك
وقد وردت فيه روايات كثيرة:
منها : رواية سماعة قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: «أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة»(1) والرواية وإن كانت مضمرة إلاّ أنّ مضمرات سماعة لا إشكال فيها لأنّها في الحقيقة غير مضمرة.
وقد نشأ توهّم الإضمار من عدم التصريح بذكر الإمام الذي روى عنه، مع أنّه في أوّل كتابه روى عن أبي عبدالله(عليه السلام) ثم عبّر بعد ذلك بقوله: وسألته إلى آخر الكتاب; لعدم الافتقار إلى التصريح به ثانياً، فالإشكال فيها من جهة الإضمار ممّا لا يقبل.
هذا، ويظهر من الجواب أنّ الضحك له فردان: فرد يقطع الصلاة وهو القهقهة،
- (1) الكافي3 : 364 ح1; التهذيب 2: 324 ح1325; الوسائل 7 : 250. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح2.
(الصفحة 351)
وفرد لا يكون كذلك وهو التبسّم، ويوافق هذه الرواية في خصوص البطلان بالقهقهة رواية زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة»(1).
ومنها : خبر ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول: «إنّ التبسّم في الصلاة لاينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة»(2). وقوله: «إنّما يقطع» معناه إنّما يقطع الصلاة، لأنّها القدر المسلّم، لكنّ الرواية مضمرة ومجهولة لأجل الرهط.
ومنها : مرسلة الصدوق قال: قال الصادق(عليه السلام) : «لا يقطع التبسّم الصلاة وتقطعها القهقهة، ولا تنقض الوضوء»(3). واسناد الكلام إلى الإمام(عليه السلام) وحذف السند إنّما هو لأجل وثوقه بالصدور، ولذا فرق بين ما إذا عبّر بقوله : «قال» وبين ما إذا عبّر بقوله «روي» فيعتبر الأوّل دون الثاني، ولا يبعد أن يقال باتحادها مع رواية سماعة المتقدّمة.
ثمّ إنّ رواية سماعة ومرسلة الصدوق ظاهرتان في التعرّض لحكم فردين من الضحك:
أحدهما: القهقهة، وهي مصدر مأخوذ من الصوت المأخوذ على وجه خاصّ و«قه» إسم للصوت المزبور، وفعله: قهقه يقهقه، واللغويون وإن اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: إنّ المراد من القهقهة الصوت أو الضحك المشتمل على مدّ وترجيع(4)، وقال بعض آخر: إنّ المراد منها هو الضحك غير التبسّم(5) إلاّ أنّ الظاهر اختصاص
- (1) الكافي3 : 364 ح6; التهذيب 2: 324 ح1324; الوسائل 7 : 250. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح1.
- (2) التهذيب 1: 12 ح24; الاستبصار 1: 86 ح274; الوسائل 7: 250. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح3.
- (3) الفقيه 1 : 240 ح1062; الوسائل7 : 251. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح4.
- (4) العين 3 : 341 .
- (5) القاموس المحيط 4: 293، مقاييس اللغة 5 : 5 .