(الصفحة 352)
القهقهة بالصوت المخصوص المشتمل على لفظ قه قه.
وثانيهما: التبسّم، وهو عبارة عمّا يحصل بتغيّر هيئة الوجه. هذا، ويقع الكلام حينئذ في وجود الواسطة وعدمها، وعلى الأوّل فهل هو ملحق بالتبسّم أو بالقهقهة، أو يجري فيه الأصل ويحكم بعدم كونه مانعاً للصلاة؟.
والتحقيق في هذا المقام أن يقال: إنّ في البين حالات ثلاثة:
1 ـ الإعجاب الذي هو مبدأ للقهقهة، بحيث لو لم يحفظ نفسه عن القهقهة لقهقه، ومن الواضح عدم صدق عنوان القهقهة على هذه الحالة.
2 ـ الصوت الإخفاتي، وهذا أيضاً لا يصدق عليه عنوان القهقهة، ولا تبطل الصلاة به.
3 ـ الصوت الإجهاري غير البالغ حدّ القهقهة، وفيه وجهان: من عدم صدق القهقهة عليه لأنّها مأخوذة من الصوت الخاصّ، ومن أنّ قه قه لا خصوصية فيه; فالصوت الإجهاري الضحكي مصداق للقهقهة حكماً، ولو شكّ في ذلك فالمرجع هو الأصل، أعني البراءة أو الاشتغال على القولين في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين، فيما إذا شكّ في مانعية شيء عن تحقق العمل.
وأمّا بالنظر إلى الروايات فنقول:
تارة يقال: بأنّ المقصود بالأصالة في الروايات هو بيان أنّ التبسّم غير قاطع للصلاة، وأُخرى يقال: بأنّ المقصود بالأصالة فيها هو بيان كون القهقهة قاطعة; فعلى الأوّل يكون مفهومه أنّ غير التبسم قاطع. غاية الأمر إنّه حيث يكون غالب أفراد غير التبسم هو الفرد المسمّى بالقهقهة، فحكم بكونها قاطعة لا لخصوصية فيها، بل لكونها من أفراد غير التبسم; وحينئذ فمقتضى المفهوم كون الصوت الإجهاري غير البالغ حدّ القهقهة قاطعاً أيضاً، كما أنّه على الثاني ينعكس الأمر، فتدلّ الرواية على عدم كونه قاطعاً لانحصار القاطع، بناءً على هذا الوجه في
(الصفحة 353)
القهقهة، وهي لا تصدق عليه قطعاً.
ومجمل الكلام أنّه إمّا أن يقال: بانحصار الضحك في التبسّم والقهقهة قطعاً، ولايكون له فرد ثالثوإمّا أن يقال: بعدم معلومية الانحصار فيهما، فيحتمل أن يكون له فرد ثالث. وعلى الثاني تارة يقال: بكون الروايات بصدد بيان حكم جميع أفراد الضحك من التبسم والقهقهة وغيرهما لو كان له فرد آخر واُخرى يكون هذا أيضاً مشكوكاً، بمعنى أنّه لا نفهم منها ذلك، أي كونها بصدد بيان حكم جميع الأفراد.
فإن قلنا بعدم الواسطة وانحصارالضحك فيهما، فلابدّ من أن نقول في مثل رواية سماعة ممّا يكون فيه التعرّض لحكم كلا الفردين: بكون أحدهما أوسع من الآخر، ولأجل كون الأوسع مجهولاً لا يمكن لنا الحكم على المشكوك بكونه قاطعاً، أم لا.
وإن قلنا: بعدم معلومية الانحصار وكون الروايات بصدد بيان حكم جميع مصاديق الضحك، فيدور الكلام مدار ما ذكرناه آنفاً من ملاحظة ما هو المقصود بالأصالة فيها.
وإن قلنا: بعدم معلومية كون الروايات بصدد بيان جميع الأفراد أيضاً، فحكم الواسطة يستفاد حينئذ من الأصول العملية، والأصل الجاري في المقام عندنا هو البراءة كما حقّقناه في محلّه.
ثمّ إنّ رواية ابن أبي عمير المتقدّمة تدلّ بظاهرها على انحصار الضحك القاطع بالضحك الذي فيه القهقهة، وحينئذ فلو كان في البين واسطة يظهر من الرواية حكمها، بأنّها ملحقة بالتبسّم، لانحصار القاطع بالقهقهة فتدبّر.
ثمّ إنّه من جملة الأقوال في الأعصار السابقة هو التفصيل في الضحك بين ما لو أوجد حرفاً أو حرفين ، أو كان ممتداً فيقطع الصلاة، وبين غيره فلا يقطع(1).
- (1) نهاية الأحكام 1: 519; المنتهى 5: 292; روض الجنان: 333; الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 85 ; مفتاح الكرامة 3: 31.
(الصفحة 354)
ولايخفى أنّ ذلك بعيد، لأنّ الظاهر من روايات الباب كون الضحك بعنوانه موضوعاً للحكم فتتبع.
ثمّ إنّه حكي عن بعض الفقهاء القول بأنّه لو اضطرّ المصلّي إلى القهقهة لايوجب بطلان صلاته(1)، لحديث الرفع المشتمل على رفع ما اضطرّوا إليه(2). ولايخفى ما فيه من النظر، لأنّ الضحك دائماً يحصل إضطراراً بعد تحقق مقدّماته، وليس كالأفعال الاختيارية التي قد يعرض لها الإضطرار، فلا يجري فيه حديث الرفع فتدبّر.
- (1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3 : 34.
- (2) الخصال : 417. باب التسعة ح9.
(الصفحة 355)
القاطع الخامس:
البكاء
وقد وردت في هذا الباب أربعة روايات: ثلاث منها تدلّ على حسن البكاء في الصلاة، ومن الواضح أنّ المراد منه هو البكاء المناسب لها كالبكاء من خشية الله أو لذكر الجنّة والنار، وواحدة منها تدلّ على فساد الصلاة بسببه، وهي ما رواه أبو حنيفة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال: «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة وإن كان ذكر ميتاً له فصلاته فاسدة»(1). والظاهر اتّحاد هذه الرواية مع مرسلة الصدوق حيث قال: وروي: «أنّ البكاء على الميّت يقطع الصلاة، والبكاء لذكر الجنّة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة»(2). واشتهار الحكم بالبطلان فيما إذا كان البكاء للأمور الدنيوية يجبر ضعف سند الرواية.
- (1) التهذيب 2: 317 ح1295; الاستبصار 1: 408 ح1558; الوسائل 7: 247. أبواب قواطع الصلاة ب5 ح4.
- (2) الفقيه 1 : 208 ح941; الوسائل 7 : 247. أبواب قواطع الصلاة ب5 ح2.
(الصفحة 356)
ثمّ إنّ البكاء المبطل هل يختصّ بالبكاء مع الصوت أو يعمّه وما ليس فيه صوت؟ وجهان، والمحكيّ عن عدّة من اللغويّين أنّ البكاء ممدوداً عبارة عمّا فيه الصوت، ومقصوراً عمّا فيه خروج الدمع فقط، فقد صرّح الجوهري بأنّ الأوّل أي المقصور موضوع لخروج الدمع فقط، والثاني يعني الممدود، لخروج الدمع المقرون بالصوت(1). ومقتضى هذا الكلام أن تكون المشتقّات منهما موضوعة لمعنيين، وهذا بعيد جدّاً، بل يمكن دعوى القطع بخلافه، فالحقّ أنّ البكاء مقصوراً وممدوداً موضوع لمعنى واحد.
نعم، يظهر من عبارة بعض القدماء من اللغويّين أنّ العمل المزبور من جهة اشتماله على الحزن مصدره بكى على وزن فعل تشبيهاً بحزن يحزن، ومصدره حزن، ولأجل اشتماله على الصوت مصدره بكاء; وهذا لا يفيد، لأنّ البكاء على قسمين، وأنّ كلّ واحد من المصدرين موضوع لكلّ من المعنيين، كما عليه أكثر المتأخرين من الفقهاء(2)، وحينئذ قوله : سألته عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ على ما هو مضبوط في الكتب بالمدّ سؤال عن البكاء مع الصوت. بناء على قول الجوهري وغيره، إلاّ أنّ قوله(عليه السلام): «ان بكى» يحتمل الأمرين وهذا بعيد في الغاية، ووجهه أنّ الاشتراك المزبور ليس كاشتراك لفظ واحد بين معنيين، بل كاشتراك لفظ بين الأخذ عن المقصور تارةً وعن الممدود أُخرى، وهذا في غاية البعد كما لايخفى.
وبالجملة: صدور القول المزبور من مثل الجوهري بعيد، وحيث أنّ أصل العبارة في ذلك من الخليل(3)، فبعد التأمّل فيما ذكره يستفاد أنّ «بكى» له معنى واحد
- (1) لسان العرب 1 : 475; مجمع البحرين 1 : 235 ; الصحاح 6 : 2284 مادّة «بكى»; المصباح المنير 1 ، 2 : 59; المفردات: 58 مادّة «بكي»; العين 5: 417.
- (2) كصاحب الروضة البهيّة 1 : 233; وروض الجنان: 333; ومستند الشيعة 7 :53; ومدارك الأحكام 3: 466; وكشف اللثام 4: 178; وذخيرة المعاد: 357; وجواهر الكلام 11: 74 ـ 75; والحدائق 9: 50 ـ 51.
- (3) العين 5 : 417 .