(الصفحة 36)
وبالجملة : فالرياء في الجزء بما أنّه جزء من الصلاة يؤثر في فساد العمل المشتمل عليه ، وليس كالإتيان بالجزء الذي لا يصلح للجزئية لسائر الموانع الاُخر ، كالقراءة غلطاً ونحوه ، فإنّ تأثيره ليس إلاّ عدم صلاحية الجزء المغلوط لوقوعه جزءً ، بحيث التئم الكلّ منه ، وهذا بخلاف الرياء ، فإنّه يوجب عدم وقوع العمل من حين وقوعه على مقتضى طبعه الأول ي ، فالتدارك لا ينفع بوجه .
فانقدح أنّ الرياء في الجزء ، واجباً كان أو مستحبّاً ، إنما يكون كالرياء في الكلّ ، نعم قد عرفت إنّه لو نوى الرياء به ، لا من حيث أنّه جزء للصلاة ، فالظاهر عدم البطلان .
ثم إنّه قد يوجه الصحة في خصوص ما لو نوى الرياء بشيء من الأجزاء المستحبة ، بأنّ هنا مركبين : أحدهما ما يكون متعلّقاً للأمر الاستحبابي ، وهو المركب الطويل المشتمل على الأجزاء المستحبة أو بعضها . ثانيهما ما يكون متعلّقاً للأمر الوجوبي ، وهو المركّب القصير المشتمل على الأجزاء المعتبرة في طبيعة الصلاة ، والمفروض أنّه نوى الرياء في المركّب الأول ، فلا وجه لبطلان الثاني الموجود في ضمنه(1) .
هذا ، ويرد عليه إنّه إمّا أن يقال بصدق الصلاة عليهما ، أو على الأول دون الثاني ، أو العكس ، فعلى الأخير يلزم أن لا يكون ذلك الجزء جزءً للصلاة ولو على نحو الاستحباب ، وذلك واضح الفساد ، كما أنّه على الثاني يلزم وجوب ما فرض مستحباً من الأجزاء ، وذلك باطل أيضاً .
فالواجب أن يقال : بأنّ الصلاة إنما تقال على مصاديقها بنحو التشكيك ، ويكون لها مراتب من حيث الكمال والنقص ، والمفروض أنّ المصداق المأتي به في
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري (رحمه الله) : 136 .
(الصفحة 37)
مقام الامتثال ، قد أدخل فيه رضا أحد من الناس ، فلا وجه لصحته ، والفرد الناقص لم يقصد تحقق الامتثال به أصلا .
وبالجملة: فلا فرق بين الأجزاء الواجبة والمستحبة من حيث اقتضاء الرياء فيها ، لبطلان الصلاة كما لا يخفى .
ثم إنّه لا فرق في بطلان العبادة بالرياء بين أن يكون الرياء تمام الداعي إلى الإتيان بها ، أو بجزئها ، أو بعضه ، وعلى الثاني لا فرق بين أن يكون هو الأصل في الداعوية ، والقربة تابعة له ، وبين العكس ، وبين ما إذا تساويا في الداعوية ، كما أنّه لا فرق على الأخير بين أن يكون كلّ منهما مستقلاً في الدعوة ، بأن كان كلّ منهما داعياً ولو لم يكن الآخر متحققاً .
غاية الأمر إنّه حيث لا يمكن اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد ، فلا محالة يكون التأثير مستنداً إلى كليهما على سبيل الاشتراك ، وبين أن لا يكون كلّ منهما كذلك ، أي مستقلاً في الدعوة ، بل صار المجموع داعياً إلى الإتيان بالعبادة أو بجزئها ، هذا كلّه في الرياء المقارن للعبادة وأمّا لو كان الداعي له إلى الإتيان بها هي القربة ، أو سائر المراتب الاُخر ، ثم عرض له ذلك بعد الفراغ منها ، وصار مرائياً بالنسبة إلى العمل الذي أتى به ، فالظاهر أنّه لا دليل على بطلان عبادته ، بعد كون الداعي له إلى إتيان العبادة غير الرياء ، هذا كلّه في الرياء .
وأمّا العُجب ، فالظاهر أنّه ليس من قبيل الدواعي الباعثة على إتيان العمل ، كالقربة أو الرياء ، لأنّه عبارة عن مجرّد تخيّل العظمة للنفس ، أو العمل ، والنظر إليهما بعين الإعجاب ، وهذا لا ارتباط له بمسألة الداعي أصلا ، ولكنّه من الصفات المذمومة ، والرذائل الأخلاقية ، كما ورد في الأخبار الكثيرة مذمته ، والتوبيخ عليه ، على اختلاف ألسنتها .
(الصفحة 38)
فبعض الأخبار يدلّ على أنّ منشأه قلّة العقل(1) ، وبعضها الآخر على أنّ تأثيره يسبّب الانحطاط في النفس ، وصيرورتها ذات حزازة ومنقصة ، بمرتبة يكون الإتيان بالعمل السوء ، ثم الندم عليه أولى من العمل الحسن العارض له هذا الأمر(2) . والطائفة الثالثة تدلّ على أنّ من فضل الله على العبد ، أن يحول بينه وبين العمل الحسن بتسليطه النعاس عليه(3) ، لأجل عدم اعجابه بذلك العمل ، على تقدير الإتيان به .
وبالجملة : فلا إشكال في كونه من الصفات المذمومة الكاشفة عن خسّة النفس ، وانحطاط درجتها ، ولكنّ الظاهر عدم الدليل على بطلان الصلاة به ، وقد يتوهّم دلالة بعض الروايات عليه ، وهو ما رواه يونس بن عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب فقال : «إذا كان أوّل صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته وليخش الشيطان»(4) . فإنّ ظاهرها أنّه لو دخله العجب في أوّل الصلاة لكان مانعاً عن صحتها ، لمنافاته مع النية التي أريد بها الرب .
هذا ، ولا يخفى أنّ هذا المعنى يستلزم البطلان ، ولو دخله العجب في الأثناء ، فإنّه كما يجب الشروع في العمل بتلك النية ، كذلك تجب استدامتها إلى الفراغ منه ، ولا يجوز الإتيان ببعض الأجزاء بنية اُخرى ، فينافي ذلك مع الحكم بوجوب المضي وعدم كون الداخل مضرّاً بصحتها .
- (1) الكافي 1 : 27 ح31 .
- (2) الكافي 2 : 313 ح4 .
- (3) الوسائل 1 : 98 . أبواب مقدّمة العبادات ب23 ح1 و4 و6 .
- (4) الكافي 3 : 268 ح3; الوسائل 1 : 107 . أبواب مقدّمة العبادات ب24 ح3 .
(الصفحة 39)
فمعنى الرواية: إنّه لو كان الإتيان بالصلاة بداعي الرب فلا يضرّه العجب ، وهذا راجع إلى أنّه لو كان شرط صحتها موجوداً حين الشروع فلا ينافيه ذلك ، لا أنّ مجرّد الشروع بنية الرب يكفي في صحة الصلاة ، ولو عرض في أثنائها بعض الاُمور المنافية لتلك النية .
كيف وقد عرفت أنّ العجب ليس داعياً إلى العمل ، وإلاّ لأضرّ بصحة الصلاة ، ولو دخل في الأثناء كما لا يخفى . وفي الرواية إشعار بما ذكرنا ، من أنّ المعتبر في صحة العبادة ليس خصوص قصد الامتثال ، ولا قصد التقرب ، بل المعتبر هو الذي يقتضي طبع العبادة والعابد ، ووقوعها على ذلك النحو كما عرفت .
ثم إنّه لو ضمّ إلى القصد المعتبر في العبادة بعض الضمائم الراجحة أو المباحة ، كقصد الترغيب ، أو التعليم ، أو غيرهما ، فلا إشكال في عدم بطلان العبادة في الضمائم المباحة ، لو كانت تابعة لقصد الاخلاص والقربة ، بمعنى أنّ الداعي إلى الإتيان بالعبادة إنما هو الاخلاص والقربة ، بحيث لم يكن لتلك الضمائم مدخلية أصلا .
كما أنّه لا إشكال في بطلان العبادة فيما لو كان قصد التقرب تابعاً ، وكان الداعي المحرّك للمكلّف إلى الإتيان بها هي نفس تلك الضمائم ، كما إذا توضّأ بقصد التبرّد أو التسخن مثلا ، بحيث لو لم يكن له هذا القصد لم يتوضأ أصلا ، وكذا لا إشكال في بطلانها فيما إذا كان كلّ من الداعيين قاصراً في مقام التأثير وناقصاً عن التحريك ، بحيث لو لم يكن في البين إلاّ واحد منهما لم يتحقّق منه العمل أصلا .
وجه البطلان ما عرفت من أنّ المعتبر في العبادة أن يكون الداعي والمحرّك إلى الإتيان بها هو التقرب ونظائره ، بحيث لا يكون للأمور الدنيوية مدخلية فيها
(الصفحة 40)
أصلا ، إنما الإشكال والخلاف فيما إذا كان كلّ من الداعيين مستقلاً في التأثير ، بحيث يؤثر كلّ منهما ولو مع عدم الآخر .
غاية الأمر إنّه حيث يكون اجتماع العلّتين وتواردهما على معلول واحد شخصيّ من المحالات العقلية ، فلا محالة يكون التأثير مستنداً إلى كليهما ، فالمحكيّ عن كاشف الغطاء أنّه استقرب الصحة في هذه الصورة(1) .
قال الشيخ(رحمه الله) في توجيهه : ولعلّه لدعوى صدق الامتثال حينئذ وجواز استناد الفعل إلى داعي الأمر ، لأنّ وجود الداعي المباح وعدمه حينئذ على السواء ، نعم يجوز استناده إلى الداعي المباح أيضاً ، لكن القادح عدم جواز الاستناد إلى الأمر ، لا جواز الاستناد إلى غيره ، ألا ترى إنّه لو أمر المولى بشيء وأمر الوالد بذلك الشيء ، فأتى العبد مريداً لامتثالهما ـ بحيث يكون كلّ منهما كافياً في بعثه لو انفرد ـ عدّ ممتثلا لهما .
ثم أورد عليه بما حاصله : منع جواز استناد الفعل إلى كلّ منهما ، لامتناع وحدة الأثر وتعدد المؤثر ، ولا إلى أحدهما للزوم الترجيح بلا مرجح ، بل هو مستند إلى المجموع ، والمفروض أنّ ظاهر أدلة اعتبار القربة ينفي مدخلية شيء آخر في العمل ، وأمّا المثال المذكور فيمنع فيه صدق امتثال كلّ من المولى والأب .
نعم لمّا اجتمع الأمران في واحد شخصيّ لا يمكن التعدد فيه ، لم يكن بدّ من الإتيان به مريداً لموافقة الأمرين ، وهذا غاية ما يمكن في هذا الفرض من موافقة الأمر ، بخلاف المقام ، فإنّه يمكن تخليص الداعي لموافقة الأمر ، وتحصيل التبرّد بغير وضوء إن أمكن ، وإلاّ تضعيف لداعي التبرّد ، وتقوية لداعي الاخلاص ، فإنّ الباعثين المستقلّين يمكن ملاحظة أحدهما من دون الآخر ، كما لو أمر الشارع بانقاذ ولده الغريق ، فإنّه قد ينقذه لمحبة الولد محضاً ، من غير ملاحظة أمر الشارع ، وقد