(الصفحة 398)
يوجب سجدتي السهو. وأمّا غيره من القواطع فمقتضى إطلاق أدلّتها عدم الفرق بين الصورتين. نعم قد عرفت في باب التكفير والتأمين أنّ العمدة في وجه كونهما مبطلين هو التشريع الذي مرجعه إلى الإتيان بهما بما أنّهما يوجبان حصول الكمال للصلاة الكاملة بما أنّها كاملة. ومن الواضح اختصاص هذا الوجه بصورة العمد، ضرورة عدم تحقق التشريع في صورة السهو. وكيف كان فيقع الكلام في غير هذه الثلاثة في مستند التفصيل. وما يمكن أن يكون وجهاً له اُمور:
أحدها: استفادة أنّ قاطعية القسم الثاني من القواطع إنّما هو لملاك واحد وجهة واحدة، فإذا فرض قيام الدليل على اختصاص القاطعية في بعضها بصورة العمد كما في الكلام، حيث دلّ الدليل من النصوص والفتاوى على أنّ الكلام إذا صدر سهواً لا يوجب الإعادة بل سجدتي السهو، فيستفاد منه بملاحظة وحدة الملاك كون غيره من القواطع أيضاً على هذا الحال، وأنّ قاطعيّتها تختصّ بصورة العمد فتأملّ.
ثانيها: أن يقال: بعدم ثبوت الإطلاق لأدلّة القواطع، فالمرجع في صورة الشكّ في القاطعية مع عدم الإطلاق لصورة السهو هو حديث الرفع المشتمل على رفع ما لا يعلمون(1) لأنّ القاطعية في صورة السهو ممّا لا يعلم، فهي مرفوعة.
ثالثها: حديث لا تعاد(2) بناءً على شموله لإيجاد الموانع أيضاً.
توضيح ذلك: إنّك عرفت في بعض المباحث السابقة أنّ الحديث يختص بصورة السهو، والذهول الموجب لعدم مطالبة المأتيّ به مع المأمور به، ولا يعمّ صورة العمد كما زعمه بعض الأساطين(3)، لأنّ الحكم بوجوب الإعادة أو بعدمه إنّما يناسب مع من كان بصدد الإتيان بما هو المأمور به واقعاً، وكان الداعي له إليه هو
- (1) الخصال: 417 ح9.
- (2) الفقيه 1: 81 1 ح857 ; الوسائل 4: 312. أبواب القبلة ب9 ح1.
- (3) نهاية الأفكار 3: 434 .
(الصفحة 399)
تعلّق الأمر به من المولى.
غاية الأمر أنّه حيث طرأ عليه الذهول والنسيان الذي ربّما يعرض الإنسان فصار ذلك موجباً لعدم كون ما أتى به موافقاً للمأمور به، إمّا من جهة فقدانه لبعض ما يعتبر فيه شطراً أو شرطاً، وإمّا من جهة اشتماله على ما يكون وجوده مخلاًّ ومانعاً عن انطباق عنوان المأمور به على المأتيّ به; فمثل هذا هو الذي يناسبه الحكم بالإعادة أو بعدمها.
وأمّا من لم يكن قاصداً للإتيان بالمأمور به أو لم يكن الداعي له إلى الإتيان هو تعلّق الأمر به من المولى، بل بعض الأغراض الدنيوية، فالمناسب له هو الحكم عليه بوجوب الإتيان بالصلاة مع ما يعتبر فيها وجوداً أو عدماً.
هذا فيما لو كان عالماً بذلك، وأمّا الجاهل فيناسبه التكليف بوجوب تحصيل العلم بالتكاليف الشرعية والأحكام الإلهية، ثم العمل على طبقها ولا يناسب واحداً منهما التكليف بالإعادة. فشمول الحديث لصورة التعمّد مشكل بلا فرق بين العالم والجاهل.
ويبقى الكلام بعد ذلك في أنّ الحديث كما يشمل ما لو صار النسيان سبباً لترك بعض ما اعتبر وجوده جزءً أو شرطاً فهل يشمل ما لو صار النسيان سبباً لإيجاد بعض ما يكون وجوده مخلاًّ بالمأمور به، ومانعاً عن انطباق عنوانه على المأتيّ به أم لا؟.
وبعبارة أُخرى: كما تكون الصورة التي صارت العلّة للترك هو الذهول والغفلة عن فعل المتروك بخصوصه مشمولة للحديث، فهل يشمل الصورة التي تكون العلّة للفعل هو السهو والذهول عن الكون في الصلاة، لا الغفلة عن نفس الفعل، لعدم تعقّل كون الغفلة سبباً لحصول الفعل الإرادي، فإنّه يصدر عن الإرادة وهي فرع التوجّه، فإيجاده لابدّ وأن يكون مسبباً عن الغفلة في أمر آخر، فإنّ من
(الصفحة 400)
يتكلّم في الصلاة نسياناً لا يكون صدور التكلّم عنه مسبّباً عن الغفلة عن أصل التكلّم. فإنّه كيف يعقل صدوره مع الغفلة عنه بل صدوره عنه مسبّب عن الإرادة، ومنشأ إيجاده هي الغفلة عن كونه في الصلاة أم لا؟ وجهان مبنيّان على أنّ حذف المستثنى منه وكون الاستثناء مفرغاً هل يستفاد منه العموم لكلّ ما يمكن أن يصير موجباً للإعادة تركاً أو فعلاً، أو أنّ كون المستثنيات الخمسة المذكورة في الحديث من سنخ ما يكون وجوده معتبراً في الصلاة جزءً أو شرطاً يقتضي أن يكون المستثنى منه المحذوف أيضاً من قبيلها؟ لايبعد الثاني.
رابعها: حديث الرفع من جهة اشتماله على رفع النسيان، وتوضيح مفاد الحديث بنحو الاجمال أن يقال: إنّ الظاهر من الحديث هو كون الاُمور المذكورة فيه مرفوعة تشريعاً لا تكويناً، فهو في مقام رفع ما يتعلّق باُمّة النبي(صلى الله عليه وآله) ممّا يكون موضوعه أفعال المكلّفين من التكليف وغيره، وحينئذ فلا مجال لتقدير المؤاخذة بعد كونها من الاُمور التكوينيّة.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ تعلّق الرفع بالاُمور التسعة المذكورة في الحديث ليس على نحو واحد، فلابدّ من ملاحظة كلّ واحد منها مستقلاًّ، فنقول: الظاهر أنّ المراد بكلمة الموصول في: «ما لا يعلمون» هو كلّ ما لا يعلم من الحكم أو الموضوع، ولا دليل على الاختصاص بالثاني خصوصاً بعد ملاحظة ما حقّقناه في الاُصول من أنّ المبهمات كأسماء الإشارة والضمائر والموصولات موضوعة للإشارة، والاختلاف بينها إنّما هو في المشار إليه(1).
فالموضوع له في باب الموصولات هو الإشارة إلى كلّ ما ثبت له الصلة، وحينئذ فلا وجه لجعل الموصول في المقام إشارة إلى بعض أفراد الموصول مع ثبوت الصلة لغيره أيضاً، فالموصول فيما لا يعلمون عام للحكم والموضوع.
- (1) نهاية الاُصول: 25 ـ 26 .
(الصفحة 401)
وأمّا الموصول في: «ما اضطرّوا إليه وما استكرهوا عليه» فالظاهر أنّ المراد به هو الشيء الذي أوجده المكلّف في الخارج عن اضطرّار أو إكراه، ومعنى رفعه هو فرضه كأن لم يوجد، بمعنى عدم ترتّب الأثر على وجوده، وحينئذ فيختصّ بالفعل المحرّم الصادر عن إكراه أو اضطرّار، ومرجع رفعه إلى عدم كونه محرّماً في هذا الظرف، وأمّا تعميمه لما إذا ترك الواجب عن واحد منهما فبعيد، بعد عدم جواز إسناد الرفع إلى العدم، كما لا يخفى.
فالموصول في هذين الأمرين يراد به خصوص الفعل المحرّم الصادر عن إضطرار أو إكراه.
وأمّا في: «ما لا يطيقون» فالمراد به هو الماهيّة المتعلّقة للتكليف الوجوبي التي لا يقدر المكلّف على إيجادها في الخارج، فالمرفوع فيه ليس هو الأمر الموجود في الخارج كما في الأمرين السابقين، بل الماهيّة الملحوظة التي يجب أن توجد، وإسناد الرفع إليها باعتبار حكمها المتعلّق بها، فمرجعه إلى عدم وجوب إيجادها في الخارج مع عدم القدرة والطاقة، فالشيء الذي يكون خارجاً عن القدرة مرفوع قبل تحصلّه، ورفعه إنّما هو برفع حكمه الشرعي الذي هو الوجوب كما عرفت.
وأمّا رفع النسيان فليس المراد به هو رفعه تكويناً أو رفع الآثار المترتّبة على نفس عنوانه، بل المراد به هو رفع الآثار المترتّبة على الشيء بعنوانه الأوّلي فيما إذا صدر عن نسيان، والأمر الصادر عن نسيان وإن لم يكن قابلاً لتعلّق التكليف به، إلاّ أنّ إسناد الرفع إليه إنّما هو بملاحظة كونه مقتضياً لذلك، ومرجعه إلى عدم إيجاب التحفّظ.
وبالجملة: فرفع النسيان يراد به رفع الاُمور التي صار النسيان موجباً لفعلها أو تركها وحينئذ فنقول: إذا صار النسيان سبباً لترك واجب نفسي مستقلّ فلا خفاء في أنّ مقتضى رفع النسيان هو خروجه عن الوجوب لأجل النسيان، كما أنّه إذا
(الصفحة 402)
صار موجباً لفعل محرّم نفسيّ، لا بمعنى أن يكون النسيان والغفلة عن الفعل موجباً وعلّة لصدور الفعل، كيف وهو ممّا لا يعقل.
فإنّ الفعل الإرادي يصدر عن الفاعل بالإرادة ومباديها من التصوّر وغيره، فلابدّ في صدوره عن اختيار من الإلتفات والتوجّه إليه وهو لا يجامع مع الغفلة والذهول، بل بمعنى النسيان عن عنوان الفعل وهو كونه شرب الخمر مثلاً، أو عن الحكم المتعلّق به، وحينئذ فإذا صدر الفعل المحرّم عن نسيان يكون مقتضى الحديث أيضاً رفع الحرمة المتعلّقة به في ظرف النسيان.
وأمّا إذا صار موجباً لترك واجب ضمنيّ أو غيريّ كالجزء أو الشرط أو لفعل مانع من الموانع، فهل مقتضى الحديث رفع الجزئية والشرطية والمانعية، فيقع المأمور به الفاقد للجزء أو الشرط المنسيّ، أو الواجد للمانع تمام المأمور به حينئذ، أو أنّ مقتضاه رفع الوجوب المتعلّق بالكلّ أو المشروط أو الممنوع؟ وتظهر الثمرة فيما لو ترك الجزء أو الشرط، أو فعل المانع في الوقت الموسّع، بحيث يقدر على إعادة المأمور به بتمام أجزائه وشرائطه، فاقداً للموانع.
فلو قلنا: بأنّ معنى رفع الجزء هو رفع الكلّ بما له من الأثر الشرعي لأنّ عدم الجزء هو بعينه عدم الكلّ فلا يستفاد حينئذ من الحديث عدم وجوب الإعادة، لأنّ نسيان الكلّ إنّما يوجب رفع الأثر المترتّب عليه إذا صار سبباً لتركه في جميع وقته الموسّع وأمّا إذا صار سبباً لتركه في بعض الوقت فلا يصدق نسيان الواجب حتى يوجب رفع أثره.
وأمّا إذا قلنا: بأنّ معناه هو رفع وجوبه الضمني، فمقتضاه كون المأتيّ به فاقداً للجزء المنسيّ هو تمام المأمور به، ومع الإتيان بتمام المأمور به لا يبقى مجال للحكم بوجوب الإعادة كما هو ظاهر.
ويمكن التفصيل بين الجزء والشرط وبين المانع بالقول بعدم دلالة الحديث