(الصفحة 421)
نسي القراءة في الأوّلتين فذكرها في الأخيرتين، فقال: «يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأوّلتين، ولا شيء عليه»(1).
ومنها : رواية حسين بن حمّاد المتقدّم، فإنّها تدلّ بصدرها على ذلك.
ومنها : رواية معاوية بن عمار عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوّلتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنّه لم يقرأ قال: أتمّ الركوع والسجود؟ قلت: نعم. قال: «إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها»(2). وهذه الرواية تعارض الأوليين والترجيح معها.
ومورد الطائفة الثالثة ، هو نسيان خصوص الفاتحة في إحدى الركعتين الأوّلتين والتذكّر قبل الركوع أو بعده.
ومن جملة هذه الطائفة: رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل نسي أمّ القرآن؟ قال: «إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن»(3).
ورواية سماعة، قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب؟ قال: فليقل: «أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنّ الله هو السميع العليم، ثم ليقرأها ما دام لم يركع، فإنّه لا صلاة له حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات، فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء الله»(4).
ورواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام)، المروية في قرب الإسناد قال: سألته عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثمّ ذكر بعدما فرغ من السورة؟ قال: «يمضي في صلاته ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل»(5)، وهذه
- (1) الفقيه 1: 227 ح1003; الوسائل 6: 94. أبواب القراءة في الصلاة ب30 ح6.
- (2) التهذيب 2: 146 ح 571; السرائر 3: 605; الوسائل 6: 92. أبواب القراءة في الصلاة ب30 ح1.
- (3) الكافي 3: 347 ح2; الوسائل 6: 88 . أبواب القراءة في الصلاة ب28 ح1.
- (4) التهذيب 2: 147ح 574; الوسائل 6: 89 . أبواب القراءة في الصلاة ب28 ح2.
- (5) قرب الإسناد: 170 ح748; الوسائل 6: 89 . أبواب القراءة في الصلاة ب28 ح4.
(الصفحة 422)
الرواية تعارض الأوليين ولكنّهما متقدّمتان عليها، لأنّها مضافاً إلى ضعف سندها معرض عنها أيضاً.
ثمّ إنّه يمكن أن يستفاد من رواية أبي بصير باعتبار التعبير بالإعادة لزوم إعادة السورة أيضاً كما أنّ رواية سماعة ظاهرة في ذلك ، وحينئذ فيظهر أنّ السورة القابلة للوقوع جزءً للصلاة، هي السورة الواقعة عقيب قراءة الفاتحة، وإلاّ فلو لم تكن السورة القابلة له مقيّدة بهذه الخصوصية وكانت متصفة بالصحة التأهلية مطلقاً، لكان محلّ القراءة فائتاً بذلك، لأنّ محلّها قبل السورة ولا يمكن تداركها.
تنبيهان:
الأوّل: المراد بالسجود المستثنى في حديث «لا تعاد»، يحتمل أن يكون السجود المعتبر في الصلاة وهو السجدتان، ويحتمل أن يكون هو طبيعة السجود ، فعلى الأوّل يكون مقتضى إطلاق الحديث ثبوت الإعادة من جهة الإخلال بسجدة واحدة أيضاً، لأنّ الاخلال بالسجدتين كما يتحقق بعدم السجود رأساً، كذلك يتحقق بإتيان سجدة واحدة وترك الاُخرى.
وحينئذ فلابدّ إمّا من تقييد إطلاقه بالأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بنسيان سجدةواحدة ووجوب قضائها بعد الصلاة، وإمّا من القول بأنّه بعد وجوب قضاء السجدة المنسية بعد الصلاة لا يتحقق إخلال بالسجدتين، لأنّ المفروض الإتيان بهما معاً، غاية الأمر وقوع إحداهما أداءً والاُخرى قضاءً.
وعلى الثاني ينطبق الحديث على تلك الأخبار ويرتفع الاختلاف بينهما. هذا، ولكنّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل.
(الصفحة 423)
الثاني: إنّه لا خفاء في أنّ الاخلال بالذكر المعتبر في الركوع أو السجود لايكون من الإخلال بنفس الركوع أو السجود حتّى يوجب الإعادة، وذلك لخروجه عن حقيقتهما، فهو خارج عن المستثنى وداخل في المستثنى منه. وأمّا الإخلال بالطمأنينة المعتبرة فيهما التي مرجعها إلى استمرار هيئة الركوع والسجود بمقدار الذكر الواجب فيهما لا استقرار الأعضاء ، ففي كونه إخلالاً بالركوع أو السجود إشكال.
وهكذا الكلام في الإخلال بالحدّ المعتبر في الركوع والسجود شرعاً، كأن انحنى إلى مقدار لا تصل يداه إلى ركبتيه أو هوى إلى السجود ووضع جبهته على موضع مرتفع بأزيد من لبنة، بحيث تحقق الركوع والسجود العرفيّان، ولكن لم يتحقق الحد المعتبر فيهما شرعاً، فهل يستفاد من الحديث وجوب الإعادة لذلك أم لا؟
يمكن أن يقال: بعدم جواز التمسّك بإطلاق المستثينات المذكورة في الحديث، لأنّ مساقه إنّما هو بيان نفي وجوب الإعادة في غير المستثنيات ـ ناظراً إلى الأدلة الواقعية الأولية الدالة على اعتبار الأجزاء والشرائط ، وأنّها لا تقتضي الإعادة فيما لو ترك شيء منها نسياناً، وإن كان مقتضاها ـ لولا الحديث ـ لزوم الإعادة، لعدم الاتيان بالمأمور به المركّب أو المشروط.
وأمّا وجوب الإعادة في المستثنيات فلا يكون الحديث بصدد بيانه، بل المرجع فيها هو نفس الأدلة الدالة على اعتبارها، ومن الواضح أنّ مقتضاها بطلان الصلاة في الموردين خصوصاً المورد الثاني فتدبّر.
كان هذا كلّه حكم النقيصة في الصلاة، وأما حكم الزيادة ففيما يلي:
(الصفحة 424)
حكم الزيادة في الصلاة
إعلم أنّ مقتضى القاعدة في الزيادة عدم كونها مبطلة، لأنّ معنى جزئية شيء لشيء، عدم تحقّقه بدون ذلك الجزء، لكونه دخيلاً في قوامه وحقيقته، وأمّا كون وجوده الثانوي مانعاً عن تحقق ذلك الشيء فلا يستفاد من مجرّد جزئيته ولو كان الجزء ركناً، لأنّ مرجع كونه ركناً، شدّة احتياج الكلّ إليه، وهذا لا يستلزم مانعية وجوده ثانياً، فلابدّ في ذلك من قيام الدليل عليه، وأنّ الجزء هو طبيعة الجزء بوجودها الأوّلى، فمقتضى الأصل عدم كون الزيادة مبطلة.
نعم قد ورد في حكمها روايات:
منها : خبر أبي بصير قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(1).
ومنها : ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن زرارة وبكير بن أعين، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها، واستقبل صلاته إستقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً». قال في الوسائل بعد ذلك: محمّد بن الحسن بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله(2).
ولكن حكى في المصباح عن المدارك وغيره أنّه رواه عن الشيخ في الحسن
- (1) الكافي 3: 355 ح5; التهذيب 2 : 194 ح 764; الاستبصار 1: 376 ح 1429، الوسائل 8 : 231 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب19 ح2.
- (2) الكافي 3: 354 ح2; التهذيب 2 : 194 ح 763; الاستبصار 1: 376 ح 8 142، الوسائل 8 : 231 .أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب19 ح1.
(الصفحة 425)
عن زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر(عليه السلام)(1) من دون لفظة ركعة . ولا يخفى أنّه رواه في الكافي في موضعين: أحدهما: باب السهو في الركوع، الخبر الثالث منه، مع اشتماله على كلمة ركعة وانتهاء السند إلى زرارة فقط. والآخر باب من سهى في الأربع والخمس ولم يدر زاد أو نقص، أو استيقن أنّه زاد(2)، فإنّه رواه فيه بانتهاء السند إلى زرارة وبكير بن أعين مع خلوّه عن كلمة ركعة.
ومنها : رواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة؟ قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة»(3).
ومنها : رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اُخرى ثم استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا والله، لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، وقال: «لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة»(4).
والظاهر أنّ المراد بالركعة في الأخيرتين هو الركوع كما يشهد بذلك مقابلتها بالسجدة الظاهرة في السجدة الواحدة، ويدلّ عليه أنّ معنى الركعة بحسب اللغة أيضاً هو الركوع الواحد، وتسمية المجموع المركّب منه ومن السجديتن والقراءة ركعة، إنّما هو باعتبار اشتماله على الركوع. ومن هنا يمكن أن يقال: بأنّ المراد من الركعة الواردة في رواية زرارة المتقدّمة المروية في الكافي في باب السهو في الركوع أيضاً ذلك.
وكيف كان، فرواية أبي بصير المتقدّمة أشمل الروايات الواردة في هذا الباب،
- (1) مدارك الاحكام 4: 220; مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 535 .
- (2) الكافي 3: 8 34 ح3; وص 354 ح2.
- (3) الفقيه 1 : 228 ح1009; التهذيب 2: 156 ح 610 ; الوسائل 6: 319 .أبواب الركوع ب14 ح2.
- (4) التهذيب 2: 156 ح611; الوسائل 6: 319 .أبواب الركوع ب14 ح3.