(الصفحة 441)
مبطليّتها، وإن كانت استفادتها من النصوص لا تخلو عن النظر بل المنع.
فاعلم أنّ موردها ما إذا تذكّر ذلك بعد رفع الرأس من الركوع الزائد، كما إذا شكّ في الركوع فركع ثمّ ذكر بعد رفع الرأس منه أنّه كان قد ركع، وأمّا إذا تذكّر في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه، فالمحكيّ عن جماعة من قدماء الأصحاب رضوان الله عليهم، كالشيخ، والكليني، وعلم الهدى، وابن إدريس، أنّهم قالوا: يرسل نفسه(1).
بل حكي عن الغنية دعوى الاجماع عليه(2)، وقوّاه الشهيد في محكيّ الذكرى. قال: وهو قوي لأنّ ذلك وإن كان بصورة الركوع ومنويّاً به الركوع إلاّ انّه في الحقيقة ليس بركوع لتبيّن خلافه، والهوي إلى السجود مشتمل عليه وهو واجب، فيتأدّى الهوي إلى السجود به فلا تتحقق الزيادة حينئذ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع، فإنّ الزيادة حينئذ متحققة، لافتقاره إلى هويّ إلى السجود(3). انتهى .
وحكي عن المدارك أنّه بعد نقل عبارة الذكرى، قال: ولا يخفى ضعف هذا التوجيه، نعم يمكن توجيهه بأنّ هذه الزيادة لم تقتض تغييراً لهيئة الصلاة ولا خروجاً من الترتيب الموظّف، فلا تكون مبطلة وإن تحقق مسمى الركوع، لانتفاء ما يدلّ على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نصّ أو إجماع(4)، انتهى.
وكيف كان، ففي المسألة وجهان: من أنّ حقيقة الركوع التي هي عبارة عن
- (1) المبسوط 1: 122. جمل العمل والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; الكافي3: 360; السرائر 1: 251; مدارك الاحكام4 : 223.
- (2) الغنية : 113 .
- (3) الذكرى 4 : 51 .
- (4) مدارك الاحكام4: 224.
(الصفحة 442)
الإنحناء إلى حدّ مخصوص قد تحققت بمجرد الوصول إلى ذلك الحدّ، والمفروض أيضاً تحقق القصد المعتبر في انصراف صورة الركوع المشتركة بين الركوع الصلاتي وغيره.
وبالجملة: فلا فرق بين هذا الركوع والركوع الأوّل إلاّ في مجرّد عدم إمكان كونه جزءً للصلاة، وهذا المعنى موجود في كلّ زيادة، ومن أنّه حيث يكون الهوي إلى السجود واجباً ومقدّمة للسجود، وهو يشتمل على هذا الانحناء الذي به يتحقق الركوع، خصوصاً فيما لو تذكر بمجرد وصوله إلى حدّ الراكع قبل أن تتحقق الطمأنينة المعتبرة فيه الراجعة إلى لزوم البقاء على حاله بقدر الذكر الواجب، فلم يتحقق منه فعل زائد، ومجرّد القصد لا يضرّ بعد كون الهوي إلى السجود من مقدّمات أفعال الصلاة، ولا يحتاج إلى القصد.
وبالجملة: فلم يتحقق هنا شيء زائد على أفعال الصلاة، ولا دليل على كون مجرّد القصد خصوصاً بعد انكشاف الخلاف مضرّاً، مضافاً إلى ما أفاده في المدارك في عبارته المتقدّمة من عدم الدليل على بطلان الصلاة بمثل هذه الزيادة، لأنّ العمدة كما عرفت في مستند مبطلية زيادة الركوع هو الإجماع، وهو لا يشمل مثل المقام خصوصاً مع دعوى الإجماع على خلافه كما عرفت من الغنية.
ولا يخفى ضعف هذا الوجه ، لأنّ ذلك لو لم يكن موجباً لزيادة الركوع لكان اللاّزم عدم تحققها فيما لو رفع الرأس منه أيضاً، ضرورة أنّ رفع الرأس لا مدخلية له في تحقق الركوع، بل إنّما هو أمر قد يتحقق متأخّراً عن الركوع.
وبالجملة: الركوع ليس إلاّ عبارة عن مجرّد الانحناء إلى الحدّ المعتبر فيه شرعاً، ورفع الرأس منه وعدمه خارجان عن حقيقته، فإذا سلّم تحقق الزيادة فيما لو رفع الرأس منه كما هو المتسالم فيه بينهم على الظاهر، فلابدّ من القول بتحققها أيضاً فيما لو لم يرفع رأسه منه، خصوصاً إذا كان مشتملاً على الطمأنينة المعتبرة فيه.
(الصفحة 443)
ومن هنا ينقدح الخلل في الوجهين المتقدّمين المذكورين: أحدهما في كلام الشهيد، والآخر في كلام صاحب المدارك، فإنّه يقال عليهما أنّ المقام إمّا أن يكون من قبيل زيادة الركوع أم لا.
فعلى الأوّل لا وجه لعدم كونها مبطلة بعد كون القاعدة الأولية في باب الركوع زيادة الركوع هو الإبطال.
وعلى الثاني لا فرق بينه وبين ما إذا رفع الرأس من الركوع، فإذا صدقت الزيادة في الثاني صدقت في الأوّل أيضاً.
وعلى ذلك، فتطبيق الحكم على القاعدة ممّا لا يمكن، نعم الظاهر أنّ مستند الشيخ وعلم الهدى وغيرهما من القدماء ـ الذين أفتوا بذلك ـ وجود نصّ دالّ على عدم البطلان، ووجوب إرسال النفس إلى السجود وكونه مخصّصاً للقاعدة الأولية الدالة على بطلان الصلاة بزيادة الركوع.
ويؤيّد فتوى الكليني بذلك، مع أنّه لم يكن من أهل الإفتاء والاجتهاد والاستنباط، وكذلك دعوى ابن زهرة في الغنية الاجماع عليه(1)، فإنّ الظاهر أنّ مراده من الاجماع هو النصّ المعتبر كما نبّهنا على ذلك مراراً، لا الإجماع المصطلح بين المتأخّرين.
ويؤيّده أيضاً أنّ المحقّق في الشرائع بعد حكاية هذا القول، قال: إنّ القول الأوّل وهو البطلان ، ووجوب الإعادة أشبه(2)، ومراده أنّ هذا القول أشبه بالقواعد، والوجه في عدم اختياره للقول الآخر إمّا عدم كون تلك الفتاوى بنظره كاشفة عن وجود النص، وإمّا عدم ثبوت كون النصّ المستكشف واجداً لشرائط الحجية.
- (1) الكافي 3: 360; الغنية: 113 .
- (2) شرائع الاسلام 1: 104 .
(الصفحة 444)
وبالجملة: فالمدرك لهذه الفتاوى هو النصّ الموجود بينهم، غاية الأمر أنّ الشيخ(قدس سره) فصلّ بين الركعتين الأوّلتين والأخيرتين بوجوب الإعادة في الأوّل ووجوب الإرسال في الثاني، بناءً على مذهبه من عدم تحمّل الركعتين الأوّلتين للسهو كما مرّ.
الركعتان الاُوليان لا تحتملان السهو
هذه القاعدة ـ وهي عدم تحمّل الركعتين الأوّلتين للسهو، وكذا صلاة الغداة وركعات المغرب ـ من القواعد العامّة التي دلّت عليها النصوص الكثيرة وتفرّدت الإمامية بها(1). والروايات الواردة في هذا الباب الدالة بظاهرها على هذه القاعدة كثيرة:
منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات، وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهمٌ ـ يعني سهواً ـ فزاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبعاً، وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم». ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبدالله، عن زرارة وزاد: وإنّما فرض الله كلّ صلاة ركعتين، وزاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبعاً، وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة»(2).
ومنها : رواية عامر بن جذاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا سلمت الركعتان
- (1) راجع الانتصار: 155 .
- (2) الفقيه 1: 128 ح 605 ; السرائر 3: 588 ; الوسائل 8 : 187 ـ 188 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح1 و2.
(الصفحة 445)
الأوّلتان سلمت الصلاة»(1).
ومنها : ما رواه إبراهيم بن هاشم في نوادره عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو»(2).
ومنها : مرسلة يونس عن رجل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو»(3).
ومنها : رواية عبدالله بن سليمان عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لمّا عرج برسول الله(صلى الله عليه وآله) نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين، فلمّا ولد الحسن والحسين(عليهما السلام) زاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبع ركعات ـ إلى أن قال: ـ وإنّما يجب السهو فيما زاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فمن شكّ في أصل الفرض الركعتين الأوّلتين إستقبل صلاته»(4).
ومنها : رواية الحسن بن عليّ الوشاء قال: قال لي أبو الحسن الرضا(عليه السلام): «الإعادة في الركعتين الأوّلتين، والسهو في الركعتين الأخيرتين»(5).
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما حتّى تثبتهما»(6).
إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المقام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ السهو كما عرفت في أوّل مبحث الخلل ، عبارة عن
- (1) الفقيه 1: 228 ح1010 ; الوسائل 8 : 188 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح3.
- (2) الفقيه 1: 231 ح1028; الوسائل 8 : 188 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح4.
- (3) الكافي 3: 358 ح5; التهذيب 3: 54 ح 187 ; الوسائل 8 : 189 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح 8 .
- (4) الكافي 3: 487 ح2 ; الوسائل 8 : 189 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح9 .
- (5) الكافي 3: 350 ح4; التهذيب 2: 177 ح709; الاستبصار1: 364 ح 1386; الوسائل 8 : 190. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح10.
- (6) التهذيب 2: 177 ح706; الاستبصار1: 364 ح 83 13; الوسائل 8 : 191. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح15 .