(الصفحة 464)
غير الشيء الذي شكّ في تحقّقه، سواء كان من أجزاء الصلاة أو من مقدّمات الجزء(1)، ويدلّ عليه إطلاق قوله(عليه السلام) في رواية زرارة: «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره»، فإنّ ظاهر كلمة «الغير» هو ما يغاير الشيء الذي شكّ فيه، والمغايرة بين الركوع وبين الهويّ إلى السجود متحقّقة، خصوصاً إذا جلس وانحنى بمقدار ركوع من يصلّي جالساً.
ويؤيّد هذا أنّ الملاك في عدم الاعتناء بالشكّ هو الدخول في الغير الذي كان من أجزاء الصلاة، والظاهر اعتبار وجود الإرادة الارتكازية المتعلقة بالإتيان بالمركب الناشئة منها إرادات اُخرى متعلّقة بأجزاء المركّب، فالاتيان بالشيء المشكوك عن إرادة متعلّقة به، موجود فيما لو لم يكن الغير من أجزاء الصلاة أيضاً.
هذا ، ولكن رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله تدلّ بظاهرها على التفصيل بين ما إذا شكّ في الركوع وقد أهوى إلى السجود فلا يعتني بشكّه، وبين ما إذا شكّ في السجود وقد نهض إلى القيام قبل أن يستوي قائماً فيعتني بشكّه ويرجع للسجود، حيث قال بعد السؤال عن حكم الصورة الاُولى والجواب عنه: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل رفع رأسه من السجود فشكّ قبل أن يستوي جالساً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد. قلت: رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»(2) ولكن الرواية معرض عنها عند الأصحاب.
نعم، قد عمل بها السيّد(قدس سره) في العروة في خصوص موردها، فحكم بوجوب الرجوع إلى السجود مع الشكّ فيه، وقد نهض إلى القيام ولما يقم بعد، وعدم
- (1) منهم: صاحب ذخيرة المعاد: 376 وجواهر الكلام 12: 316 ـ 318 ومدارك الأحكام 4: 249.
- (2) التهذيب 2 : 153 ح603; الإستبصار 1: 359 ح1371; الوسائل 6: 369. أبواب السجود ب15 ح6.
(الصفحة 465)
وجوب الرجوع للتشهد مع الشكّ فيه كذلك(1).
وأنت خبير بأنّ هذا مستبعد جدّاً، إذ لا خصوصية لمورد الرواية أصلاً; فالإنصاف أنّ الرواية مطروحة باعتبار إعراض الأصحاب عنها، حيث إنّهم لم يفصلوا بين المقامين، بل أفتوا بوجوب الرجوع والعود للتدارك فيهما معاً.
ويدلّ على مقالتهم رواية إسماعيل بن جابر المتقدّمة، حيث إنّ الظاهر كون الفرعين المذكورين أوّلاً توطئة للقاعدة الكلّية المقرّرة بقوله(عليه السلام): «كلّ شيء شكّ فيه...». وحينئذ فيظهر منه أنّ السجود والقيام حدّ للغير الذي يعتبر الدخول فيه، وأنّه لا غير أقرب من السجود بالنسبة إلى الركوع ومن القيام بالنسبة إلى السجود، لأنه لو كان الهويّ إلى السجود كافياً في عدم الاعتناء بالشكّ في الركوع، والنهوض للقيام كافياً عند الشكّ في السجود، لكان أخذ السجود والقيام في مقام التوطئة مستهجناً جدّاً كما هو ظاهر.
فالرواية ظاهرة في أنّ الهويّ إلى السجود والنهوض للقيام لا يتحقق بشيء منهما الدخول في الغير الذي يوجب عدم الاعتناء بالشكّ. هذا، والظاهر أنّ الشهرة حيث كانت في المسائل الفرعيّة لا المسائل الأصليّة التي تكشف الشهرة فيها عن وجود نصّ معتبر في البين، فلا مانع من مخالفتها، لعدم كونها كاشفة حينئذ عن النصّ، والرواية قد عرفت أنّها معرض عنها، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يكون المراد بالهويّ إلى السجود البلوغ إلى حدّ السجود، فلا دلالة لها على التفصيل بين الصورتين.
وكيف كان، فالظاهر إطلاق كلمة الغير وشمولها لمقدّمات الأجزاء أيضاً، خصوصاً بعدما عرفت من وجود الملاك فيما إذا دخل في مقدّمات الأجزاء أيضاً،
- (1) العروة الوثقى1: 650. احكام الشكوك مسألة 10.
(الصفحة 466)
مضافاً إلى أنّه من البعيد الفرق بين من أهوى إلى السجود ولمّا يبلغ حدّه، وبين من هوى إليه وبلغ حدّه، وهكذا بالنسبة إلى الناهض للقيام، ولمّا يبلغ حدّه والناهض له المستوي قائماً.
نعم، يمكن الفرق بين الصورتين ـ كما في رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله المتقدّمة ـ بأنّ من أهوى إلى السجود ولم يبلغ حدّه يصدق عليه أنّه جاوز عن محلّ الركوع ودخل في غيره، وأمّا من كان ناهضاً للقيام وكان في حالة بين حالتي الجلوس والقيام، فمرجع شكّه في أنّه سجد أم لم يسجد إلى أنّ هذه الحالة التي هو فيها هل هي الحالة المسبوقة بالجلوس للسجود أو الحالة المسبوقة بالقيام بعد الركوع، وأنّه مهو من القيام إلى السجود.
ومن المعلوم أنّه مع هذا الشكّ لا يتحقق عنوان التجاوز أصلاً، كمن شكّ في حال القيام في أنّ قيامه هل هو القيام المسبوق بالركوع، أو القيام الذي يجب له أن يركع بعده؟.
وبعبارة أُخرى: شكّ في أنّ هذا القيام هل هو القيام للركوع أو القيام عن الركوع؟
فإنّه لا شبهة في أنّه يجب عليه أن يركع ولا يعتني باحتمال كون هذا القيام مسبوقاً بالركوع، وحينئذ فلا تكون الرواية مخالفة للروايات المتقدّمة الواردة في قاعدة التجاوز. هذا كلّه في قاعدة التجاوز.
قاعدة الفراغ:
أمّا قاعدة الفراغ فمقتضى أكثر الروايات الواردة فيها، أنّ مجريها هو مجرّد الفراغ والانصراف من العمل الذي كان مشتغلاً به، مثل ما رواه عليّ بن رئاب عن
(الصفحة 467)
محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)(1)، فإنّ ظاهره اعتبار مجرّد الفراغ من الصلاة. وما رواه أبو أيّوب الخزّاز عنه، عن أبي عبدالله(عليه السلام)(2)، فإنّ ظاهره اعتبار مجرّد الانصراف عنها، وما رواه ابن أبي عمير عنه(3)، وظاهره أيضاً اعتبار مجرّد الفراغ من الصلاة; وما رواه عبدالله بن بكير عنه(4)، فإنّ ظاهره اعتبار مضي الصلاة والطهور، بناءً على أن تكون لفظة «من» فيه للتبيين لا للتبعيض ; وكذا ما رواه الصدوق بإسناده عنه(5).
هذا، ولكن صحيحة زرارة الواردة في باب الوضوء ظاهرة في اعتبار الفراغ منه، والصيرورة في حال اُخرى من صلاة وغيرها، وكذا موثّقة ابن أبي يعفور بناءً على أن يكون مرجع الضمير فيها هو نفس الوضوء، فإنّها ظاهرة في اعتبار الدخول في الغير.
والظاهر أنّ المراد «بحال أُخرى» ليس إلاّ مجرّد الفراغ، ضرورة أنّه بالفراغ يتغيّر حاله، وينقلب حال اشتغاله بالوضوء إلى حال اُخرى، سواء شرع في الصلاة أم لا. وأمّا الموثّقة فذيلها يدلّ على أنّ المراد بالدخول في الغير ليس إلاّ التجاوز المتحقق بالفراغ كما هو غير خفيّ.
ثمّ إنّه يترائى من الشيخ(قدس سره) في الرسالة أنّ مرجع القاعدتين إلى قاعدة واحدة، وأنّ المستفاد من أخبار الباب ليس إلاّ قاعدة واحدة مسمّـاة بقاعدة التجاوز، حيث إنّه بعد إيراد سبع من الروايات الدالة على القاعدة الواردة بعضها في قاعدة
- (1) الوسائل 8 : 246.أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب27 ح2 .
- (2) الوسائل 8 : 246.أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب27 ح1 .
- (3) الوسائل 1: 470.أبواب الوضوء ب42 ح5 .
- (4) الوسائل 1: 471.أبواب الوضوء ب42 ح6 .
- (5) الوسائل 6: 246. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب27 ح3 .
(الصفحة 468)
الفراغ، وبعضها في قاعدة التجاوز، وبعضها في الشكّ بعد خروج الوقت، قد تكلّم في مواضع سبعة عمدتها الموضع الأوّل والثاني والثالث.
وأمّا سائر المواضع فإنّما يتعلّق ببعض فروعات المسألة; وقد أفاد في الموضع الأوّل أنّ الشكّ في الشيء ظاهر لغة وعرفاً في الشكّ في وجوده، لكنّ التقييد في الروايات بالخروج عنه ومضيّه، والتجاوز عنه ربّما يصير قرينة على إرادة كون أصل وجود الشيء مفروغاً عنه.
نعم، لو اُريد الخروج والتجاوز عن محلّه أمكن إرادة المعنى الظاهر من الشكّ في الشيء وهذا هو المتعيّن، لأنّ إرادة الأعمّ من الشكّ في وجود الشيء والشكّ الواقع في الشيء الموجود في استعمال واحد غير صحيح، وكذا إرادة خصوص الثاني، لأنّ مورد غير واحد من تلك الأخبار هو الأوّل.
وتكلّم(رحمه الله) أيضاً في الموضع الثاني في المراد من محلّ الفعل المشكوك وجوده، وأنّ المراد به هي المرتبة المقرّرة له بحكم العقل، أو بوضع الشارع، أو غيره، ولو كان نفس المكلّف من جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحل.
وقال في الموضع الثالث في اعتبار الدخول في الغير وعدمه: إن كان الدخول في غير المشكوك محقّقاً للتجاوز، فلا إشكال في اعتباره. وإلاّ فظاهر الصحيحتين إعتباره وظاهر إطلاق موثّقة ابن مسلم عدم اعتباره; ثم قال: ويمكن حمل التقييد في الصحيحين على الغالب، خصوصاً في أفعال الصلاة، ويحتمل ورود المطلق على الغالب، فلا يحكم بالإطلاق(1).
ويرد على ما أفاده في الموضع الأول: إنّ إرادة الأعم من الشكّ في وجود الشيء والشكّ الواقع في الشيء الموجود في استعمال واحد وإن كان غير صحيح،
- (1) فرائد الاصول: 410 ـ 411 .