(الصفحة 469)
وكذا إرادة خصوص الثاني إلاّ أنّه لا يلزم من إرادة الشكّ في الوجود أن يكون المراد بالخروج والتجاوز هو الخروج والتجاوز عن المحل; لأنّ هذه التعبيرات إنّما هي باعتبار اعتقاد المصلّي حيث إنّه لا يدخل في الجزء اللاحق إلاّ بعد اعتقاد إتيان الجزء السابق، فبدخوله فيه يتحقق الخروج عن الجزء السابق والتجاوز عنه حسب اعتقاد المصلّي.
وحينئذ فلا يبقى للتكلّم في الموضع الثاني مجال أصلاً ، لأنّه متفرّع على كون المراد بالخروج هو الخروج عن المحل، وقد ظهر بطلانه وأن المراد به هو الخروج عن نفس الشيء على اعتقاد المصلّي.
وأمّا ما أفاده في الموضع الثالث فيبتني على اتحاد القاعدتين، وقد عرفت سابقاً أنّ هنا قاعدتين مستقلتين:
1 ـ قاعدة التجاوز الجارية في خصوص الصلاة، والروايات الدالة على اعتبارها ظاهرة في اعتبار الدخول في الغير فيها، وقد مرّ أنّ الظاهر إطلاق الغير وشموله لمقدّمات الأجزاء أيضاً.
2 ـ قاعدة الفراغ الجارية في جميع العبادات بل المعاملات، وأدلّة اعتبارها لا تدلّ على أزيد من اعتبار مجرّد الفراغ كما مرّ.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الطهارات الثلاث التي ادّعى الاجماع على عدم جريان قاعدة التجاوزفيها،لاتكون مشمولة لأدلّة اعتبار تلك القاعدة حتّى يكون الاجماع مخصصاً لها، لأنّ أدلّة اعتبارها تختص بباب الصلاة ولا تجري في غيرها فتدبّر.
ثمَّ إنّه لا فرق في جريان قاعدة الفراغ بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسياناً أو تركه عمداً ، كما أفاده الشيخ(رحمه الله) في ضمن الموضع السابع(1) من المواضع السبعة.
(الصفحة 470)
لأنّ التعليل بقوله(عليه السلام) : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»(1)، لا يختصّ بصورة السهو، لأنّ مرجعه إلى إلغاء الشكّ الطارئ الذي حصل بعد زمان الاشتغال بالمأمور به.
ومن المعلوم أنّ احتمال ترك الجزء عمداً أبعد من احتمال تركه سهواً لو لم نقل بعدم إمكان تحقّقه من المقاصد للإمتثال، العالم بأجزاء المأمور به وشرائطه. مضافاً إلى أنّ قوله(عليه السلام) : «فامضه كما هو»(2)، يدلّ على عدم الاعتناء بالشكّ الطارئ، وترك الماضي كما هو، وظاهره عدم الفرق بين كون المحتمِل ترك الجزء نسياناً أو تركه عمداً.
- (1) الوسائل 1: 471. أبواب الوضوء ب42 ح7 .
- (2) الوسائل 8 : 237. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح3.
(الصفحة 471)
الشكّ بعد الوقت
هذه القاعدة أيضاً من القواعد التي تستفاد من السنّة، ويظهر من الشيخ(قدس سره) في الرسالة أنّها ليست قاعدة مستقلّة، بل هي مع قاعدتي التجاوز والفراغ مندرجة تحت قاعدة واحدة، حيث أورد الرواية الدالة على عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت في ضمن الأخبار الدالة على قاعدتي الفراغ والتجاوز، وقد مرّت الإشارة إليه سابقاً.
كما أنّه يظهر من بعض المحقّقين من المعاصرين في كتابه في الصلاة، أنّ هذه القاعدة من مصاديق قاعدة التجاوز، حيث استند في إثباتها إلى الأخبار الخاصّة، والعمومات الدالة على أنّ الشكّ في وجود الشيء بعد انقضاء محله ليس بشيء(1). ولكنك عرفت تغاير قاعدتي الفراغ والتجاوز، وفاقاً لما اختاره شيخنا العلاّمة الخراساني في التعليقة على الرسائل(2).
- (1) كتاب الصلاة للمحقق الحائري: 343 .
- (2) التعليقة على فرائد الاصول: 237 .
(الصفحة 472)
والظاهر أنّ قاعدة الشكّ بعد الوقت قاعدة ثالثة، والعمومات الواردة في قاعدة التجاوز لا تدلّ عليها، لأنّه لا يمكن أن يكون المراد من قوله(عليه السلام) : «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى...»(1)، أعم ممّا قد مضى نفسه أو محلّه أو وقته كما هو واضح.
وأمّا الأخبار الخاصّة فلا يخفى أنّه ليس هنا إلاّ خبران:
1 ـ ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة والفضيل، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، وإن شككت بعدما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت». ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله(2).
2 ـ ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبدالله، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين ويقضي الحائل والشكّ جميعاً، فإن شكّ في الظهر فيما بينه وبين أن يصلّي العصر قضاها، وإن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلاّ أن يستيقن، لأنّ العصر حائل فيما بينه وبين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلاّ بيقين»(3).
والرواية الثانية مضافاً إلى اضطرّاب متنها ـ لأنّ الظاهر أنّ قوله(عليه السلام): «ويقضي الحائل والشكّ جميعاً» جزاء للشرط غير المذكور، وهو ما إذا شكّ بعد الحائل، ولا يمكن أن يكون عطفاً على الجزاء في الشرطية الاُولى، لأنّ المفروض فيها صورة
- (1) الوسائل 8 : 237. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح3.
- (2) الكافي 3: 294 ح10; التهذيب 2: 276 ح 8 109; الوسائل 4: 82 2.أبواب المواقيت ب60 ح1.
- (3) السرائر 3: 588 ; الوسائل 4 : 283 . أبواب المواقيت ب60 ح2 .
(الصفحة 473)
اليقين بعدم الاتيان ـ ومضافاً إلى كونها مخالفة لفتوى الأصحاب ـ حيث إنّهم يوجبون الإعادة فيما لو شكّ في الظهر بعد الاتيان بالعصر قبل خروج الوقت ـ لا دلالة لها على هذه القاعدة ـ أي قاعدة عدم الاعتناء بالشكّ بعد خروج الوقت ـ لأنّ مفادها عدم الاعتناء بالشكّ في الظهر لأجل حيلولة العصر، لا لأجل خروج وقت الظهر كما هو غير خفي.
وبالجملة: فالرواية لا يمكن الاستناد إليها والاعتماد بها أصلاً، فلم يبق في البين إلاّ الرواية الاُولى الظاهرة في هذه القاعدة، لأنّ الظاهر أنّ قوله: «وقد دخل حائل»، ليس قيداً آخر، بل المراد به ليس إلاّ خروج الوقت، والحكم بوجوب الصلاة مع الشكّ في وقتها ليس حكماً مجعولاً شرعيّاً في قبال عدم الاعتناء بالشك بعد خروج الوقت، بل الظاهر أنّه حكم عقليّ موضوعه مجرّد الشكّ في إتيان المأمور به، جيء به توطئة للحكم المذكور بعده، ومن هنا يعلم أنّه لا يحتاج في وجوب الاتيان بالصلاة مع الشكّ في وقتها إلى استصحاب عدم الاتيان بها، لأنّ هذا الحكم مترتّب على نفس الشكّ، ولا حاجة إلى إحراز عدم الاتيان.
ثمّ الظاهر أنّ هذه القاعدة جارية في خصوص الصلاة لاختصاص ظاهر دليلها بها ولا تجري في سائر الفرائض الموقّتة.
الشكّ في الصلاة مع بقاء الوقت بمقدار ركعة
إذا شكّ في الصلاة وقد بقي من الوقت مقدار أقلّ من ركعة واحدة، ففي جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت وجهان:
1 ـ من أنّ مجراها ما إذا خرج الوقت المضروب للعمل بتمامه، والمفروض أنّ مقداراً منه باق.
2 ـ ومن أنّ الملاك في جريانها هو عدم إمكان وقوع العمل في وقته، بحيث