(الصفحة 474)
لايمكن الاتيان به إلاّ قضاء، والمفروض أنّ المقام أيضاً كذلك.
وأمّا لو شكّ فيها وقد بقي من الوقت مقدار ركعة، ففي جريانها أيضاً وجهان:
1 ـ من إمكان الاتيان بالعمل في الوقت التنزيلي المستفاد من قاعدة من أدرك(1)، فلا مجال حينئذ لهذه القاعدة بعد اختصاصها بما إذا خرج الوقت.
2 ـ ومن أنّ مورد تلك القاعدة ما إذا كان عدم الاتيان بالعمل محرزاً، والمفروض هنا الشكّ في الاتيان فلا تنزيل هنا، ومع عدم ثبوت التنزيل تجري قاعدة الشكّ بعد الوقت، لعدم الفرق حينئذ بين مقدار الركعة وأقلّ منه.
ودعوى أنّه يمكن إحراز موضوع تلك القاعدة باستصحاب عدم الاتيان بالصلاة.
مدفوعة بأنّه مع جريان هذه القاعدة لا مجال للاستصحاب، لأنّها مجعولة في مورده.
وإن شئت قلت: إنّ الاستصحاب في الوقت ممّا لا يحتاج إليه كما عرفت، وفي خارج الوقت ملغى بسبب اعتبار هذه القاعدة، فلا موقع له في الوقت ولا في خارجه، وبدونه لا يمكن إحراز موضوع قاعدة «من أدرك» كما هو ظاهر.
والتحقيق في الصورتين أن يقال: إنّه لا مجال لهذه القاعدة فيهما، لأنّ مجراها ما إذا كان ظرف الشكّ بعد خروج الوقت، والمفروض بقاؤه وعدم انقضائه.
توضيحه: إنّ معنى كون زمان وقتاً لعمل ، عبارة عن صحّة ذلك العمل لو أتى به على نحو ينطبق أجزاؤه على أجزاء ذلك الزمان ، ولا يجب في اتصاف جزء منه بكونه وقتاً له أن يكون الجزء قابلاً لأن يقع ظرفاً لمجموع الفعل، كيف وهو من المستحيل، بداهة عدم إمكان تحقق العمل الذي يكون وجوده تدريجيّاً في آن واحد، وبعد ذلك يرجع معنى كون كلّ واحد من الآنات متّصفاً بأنّه وقت لذلك
- (1) الوسائل 4: 217 ـ 218. أبواب المواقيت ب30 .
(الصفحة 475)
العمل، إلى أنّه لو وقع ذلك الآن ظرفاً لوقوع جزء من العمل فقد وقع ذلك الجزء في وقته، وحينئذ ينقدح أنّه ما دام شيء من الوقت باقياً بحيث لو كان مشتغلاً به لوقع شيء من أجزائه فيه على نحو ينطبق آخر جزء من العمل على آخر الجزء من الوقت، يصدق أنّ الوقت باق ولو لم يمكن وقوعه ظرفاً لمجموع العمل.
وبالجملة: الوقت عبارة عن الزمان الذي جعل ظرفاً للعمل، بحيث لو وقع جزء منه فيه لم يلزم وقوعه في خارج الوقت، وهذا المعنى يصدق على ما إذا بقي من الوقت آن واحد، وحينئذ فيظهر أنّه لا مجال لهذه القاعدة في الصورتين المتقدّمتين بعد كون ظرف الشكّ فيهما هو الوقت لا خارجه، فيجب الإتيان بالعمل الذي شكّ في الإتيان به، ولو لم يبق مقدار الركعة أيضاً.
لأنّ المفروض بقاء الوقت حقيقة، ومفاد قاعدة «من أدرك» ليس التنزيل في نفس الوقت، بحيث صار مقدار الركعة الباقي وقتاً تنزيليّاً للصلاة، كيف وقد عرفت أنّه وقت لها حقيقة، بل مفادها تنزيل الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت منزلة الصلاة الواقعة بتمامها فيه كما لا يخفى.
هذا كلّه إذا كانت الصلاة التي شكّ فيها وقد بقي من الوقت مقدار ركعة أو أقلّ منها فاقدة للشريكة كصلاة الغداة، فيجب الاتيان بها لو شكّ فيها ولو لم يبق من الوقت إلاّ آن واحد.
وأمّا في مثل الصلاة التي لها شريكة كصلاة الظهر فيتصوّر وجوه: لأنّه تارة يشكّ في الإتيان بها مع القطع بالإتيان بالشريكة، وثانية يكون بالعكس، وثالثة يشكّ في الإتيان بإحداهما لا على التعيين، مع القطع بالإتيان بواحدة منهما، ورابعة يشكّ في الإتيان بهما، ويحتمل أنّه لم يأت بشيء منهما بعد.
ففيما إذا شكّ في كلتيهما، تارة يكون الشكّ في الوقت المختصّ بالشريكة التي هي العصر مثلاً، واُخرى يكون الشكّ قبله ولو بمقدار ركعة. فعلى الأوّل يكون
(الصفحة 476)
الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت، بناءً على القول المشهور، وهو اختصاص مقدار أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر وخروج وقت الظهر بذلك(1)، وأمّا بناءً على ما يقول به ابن بابويه(2) من الاشتراك في الوقت يكون الشكّ بالنسبة إلى كليهما شكّاً في الوقت.
وعلى الثاني فالمسألة مبتنية على ملاحظة الحكم فيما إذا علم بعدم الإتيان بشيء منهما، وقد بقي من الوقت مقدار خمس ركعات، فإن قلنا بأنّ الواجب عليه هناك، الإتيان بكلتا الصلاتين، فاللازم هنا أيضاً الجمع بينهما. وإن قلنا: بأنّ الواجب هناك الإتيان بصلاة العصر فقط في وقتها وعدم مزاحمة الظهر معها فالحكم هنا أيضاً كذلك بطريق أولى كما لا يخفى.
وقال بعض الأعاظم من المعاصرين ـ بعد تقسيمه هذه الصورة إلى قسمين لأنّه تارة يعلم بعدم التفكيك بينهما، واُخرى يحتمل التفكيك ـ ما ملخّصه في القسم الأوّل: إنّ الشكّ في الظهر يكون شكّاً بعد الوقت، فإنّ المفروض عدم بقاء أربع ركعات للظهر وأمّا الشكّ في العصر فيكون شكّاً فيها في وقتها ومقتضى ذلك الحكم بوجود الظهر وعدم الاتيان بالعصر، إلاّ أنّ الإشكال القطع بلغويّة العصر، لأنّه يعلم إجمالاً إمّا بوجودها سابقاً، وإمّا ببطلانها فعلاً من جهة الاخلال بالترتيب.
وحينئذ فهل يمكن أن يقال ببراءة الذمّة منهما ـ أمّا الظهر فلقاعدة الشكّ بعد الوقت وأمّاالعصر فللقطع باللغويّة ـ أويجب عليه العصر على نحو يقطع بفراغ ذمّته، وهو أن يأتي بالظهر مراعياً للترتيب المعتبر؟ والأظهر الثاني، لأنّه لو كانت ذمّته
- (1) المبسوط 1 : 72; المسائل الناصريات: 189; السرائر 1 : 195; المهذّب 1: 71; الغنية: 69; المراسم: 62; شرائع الاسلام 1: 50; رياض المسائل 3: 33; مدارك الاحكام 3: 35; مستند الشيعة 4: 22; جواهر الكلام 7: 75; كشف اللثام 3: 24; جامع المقاصد 2 : 24.
- (2) المقنع: 91 ; الهداية: 127; الفقيه 1 : 216 ح647.
(الصفحة 477)
مشغولة بالعصر واقعاً فلاتفرغ إلاّ بإتيان العصر مرتباً على الظهر، والمفروض اشتغال ذمّته بحكم القاعدة، فيجب عليه إتيان الظهر رجاءً مقدّمة لحصول الترتيب.
نعم، يجوز على المبنى المتقدّم، التأخير إلى أن لا يبقى إلاّ مقدار أربع ركعات من الوقت، لفراغ ذمّته من الظهر بحكم القاعدة وعدم تضيّق الوقت بمقدار تأخيرها ركعة واحدة(1). انتهى .
هذا كلّه مبني على عدم جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت، فيما لو بقي من الوقت مقدار ركعة واحدة، وأمّا بناءً على ما حقّقناه آنفاً من الجريان لبقاء الوقت حقيقة، فالشكّ وقع في الوقت لا في خارجه، فلامجال لما أفاده(قدس سره)، لأنّه يجب عليه في الصورة المفروضة الإتيان بكلتا الصلاتين كما هو واضح.
ثمّ هذا كلّه فيما إذا شكّ في الظهرين معاً، وأمّا إذا شكّ في أحدهما مع العلم بإتيان الآخر، فتارة يشكّ في الوقت المشترك، واُخرى في الوقت المختصّ بالعصر، ففي الأوّل يكفي الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، من غير أن يعيّن كونه ظهراً أو عصراً، وفي الثاني يكون الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت وبالنسبة إلى العصر شكّاً فيه، فيجب الإتيان بأربع ركعات بعنوان العصر. وممّا ذكرنا يظهر حكم باقي الصور فتدبّر.
إعتبار الظنّ في الصلاة
ومن القواعد الأصليّة المستفادة من النصوص المذكورة في باب الخلل، قاعدة اعتبار الظن في الصلاة في الجملة وعدم ترتب أحكام الشكّ عليه، ووجوب البناء عليه وكونه كاليقين، وهي بنحو الاجمال ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال.
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 346.
(الصفحة 478)
نعم، قد وقع الخلاف في موضعين:
أحدهما: اعتباره في غير الركعتين الأخيرتين.
ثانيهما: اعتباره في الأفعال التي هي مقابل الركعات ومن أجزائها.
أمّا اعتباره في الركعتين الأوّلتين، فذهب إليه السيّد المرتضى(رحمه الله) حيث قال فيما حكي عنه: كلّ سهو يعرض والظنّ غالب فيه بشيء فالعمل بما غلب على الظنّ(1). وتبعه الشيخ(رحمه الله) في كثير من كتبه(2) وجماعة ممّن تأخّر عنه(3)، وربّما يترائى من كلمات جمع من القدماء، إختصاص اعتبار الوهم بالركعتين الأخيرتين(4).
والذي يشكل الأمر أنّه ليس في شيء من كلمات القدماء إشعار بأنّ المسألة ذات قولين فضلاً عن الدلالة، بل الظاهر من كلّ من الطائفتين أنّه لا يكون فيها إلاّ قول واحد، ويؤيّده أنّ ابن إدريس في كتاب السرائر جمع بين العبارتين، حيث صدّر باب السهو في كتابه بمثل ما حكى عن السيّد من العبارة المتقدّمة وقال في الضرب الثالث من السهو ما لفظه:
وأمّا الضرب الثالث من السهو وهو الذي يعمل فيه على غالب الظنّ، فهو كمن سها فلم يدر صلّى إثنتين أم ثلاثاً؟ وغلب على ظنّه أحد الأمرين، فالواجب العمل على ما غلب في ظنّه وإطراح الأمر الآخر، وكذلك إن كان شكّه بين الثلاث والأربع، أو الاثنين والأربع، أو غير ذلك من الأعداد، بعد أن يكون اليقين حاصلاً بالأوّلتين، فالواجب في جميع هذه الشكوك العمل على ما هو أقوى وأغلب في ظنّه وأرجح عنده(5). انتهى .
- (1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 35.
- (2) المبسوط 1: 123; النهاية: 90 ـ 91; الخلاف 1 : 445 مسألة 192.
- (3) الكافي في الفقه: 148; المهذّب 1 : 155; السرائر 1: 250; الجامع للشرائع: 84 .
- (4) الكافي 3: 359; الفقيه 1: 225; المقنعة: 145; الانتصار: 156، المختصر النافع: 44; المنتهى 1: 410.
- (5) السرائر 1: 250 .