(الصفحة 495)
ناقصة بركعتين يكون الجابر لها هو مجموع الصلاتين ، مع أنّه يلزم تحقق التسليم وتكبيرة الإحرام ونظائرهما في أثناء الصلاة ، فكلّ من القولين يحتاج إلى ورود التعبّد لأجل مخالفته للإعتبار من جهة ، فالأوّل من جهة تحقق الفصل ، والثاني من جهة التسليم وتكبيرة الإحرام ونظائرهما ، زائداً على ما يلزم ، بناءً على كلّ من القولين .
ثمّ إنّه أفتى العلاّمة(قدس سره) في القواعد بالتخيير للشاك في المقام بين أن يصلّي ركعتين قائماً وركعتين جالساً ، وبين أن يصلّي ثلاث ركعات من قيام بتسليمتين(1) ، ومرجع ذلك إلى أنّه لا يجب بعد الركعتين من قيام أن يصلّي ركعتين جالساً ، بل يتخيّر بينه وبين أن يصلّي ركعة قائماً .
بدعوى أنّ إيجاب الركعتين جالساً إنّما هو لأجل تدارك نقص الصلاة على تقدير كونها ثلاث ركعات ، كما أنّ إيجاب الركعتين قائماً إنّما هو لتدارك نقصها على تقدير كونها اثنتين . وحينئذ فلا فرق في جبر نقصان الركعة بين أن يصلّي ركعتين جالساً وبين أن يصلّي ركعة قائماً . كما أنّه في الشكّ بين الثلاث والأربع لا يتعيّن عليه خصوص الإتيان بركعتين جالساً بل يتخيّر بينه وبين ركعة قائماً على ما هو مقتضى النصوص الواردة فيه وسيأتي .
ولكن لا يخفى أنّه مع احتمال ثبوت الفرق بين المقام وبين تلك المسألة لا مجال لرفع اليد عمّا يدلّ عليه ظاهر النصوص المتقدّمة ، ومنشأ هذا الاحتمال أنّ في تلك المسألة تكون الركعة من قيام متصلة بالصلاة وكأنّها جزء لها ، فيمكن أن تكون جابرة للنقصان المحتمل .
وفي المقام يمكن أن تكون الصلاة ناقصة بركعة ، وحينئذ فالجابر لابدّ وأن
- (1) قواعد الأحكام 1 : 305 كتاب الصلاة ـ المطلب الرابع فيما يوجب السهو .
(الصفحة 496)
تكون بناءً عليه هي الركعة قائماً المأتيّ بها بعد الركعتين من قيام . وحينئذ فمن المحتمل أن لا تكون في هذا الحالة صالحة للجابرية ، بعد تحقق الفصل بينها وبين الصلاة ، خصوصاً مع أنّ الأصل في كلّ صلاة أن لا تكون أقلّ من ركعتين .
وإن شئت قلت : إنّ جابرية الركعة إنّما هي فيما إذا كانت متّصلة بالصلاة ، وأمّا مع الانفصال الذي يوجب كون اللاحق صلاة مستقلّة فاللاّزم أن يكون أقلّ من ركعتين بعد كونهما هما الأصل في كلّ صلاة ، بمعنى عدم ثبوت الأقلّ منهما ، فالأحوط لو لم يكن أقوى هو الإتيان بركعتين قائماً وركعتين جالساً .
ثالثها : الشكّ بين الأربع والخمس
قد ورد في حكمه روايات :
منها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثم سلّم بعدهما»(1) .
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا لم تدر خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثمّ سلّم بعدهما»(2) .
ومنها : رواية عبيدالله بن عليّ الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلّم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، وتتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(3) .
وغير ذلك ممّا يدلّ على وجوب البناء على الأربع ، ولزوم سجدتي السهو بعد
- (1) الكافي 3 : 355 ح3 ; التهذيب 2 : 195 ح767 الوسائل 8 : 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح1 .
- (2) الكافي 3 : 355 ح6 ; الوسائل 8 : 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح3 .
- (3) التهذيب 2 : 196 ح772; الاستبصار 1 : 380 ح 1441; الفقيه 1 : 230 ح1019; الوسائل 8 : 224 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب14 ح4 .
(الصفحة 497)
التسليم .
فالإشكال في أصل الحكم ممّا لا وجه له ، إنّما الإشكال في الرواية الأخيرة وفيما أُريد من قوله : «أم نقصت أم زدت» ، فإنّه يحتمل أن يكون المراد النقصان بالنسبة إلى الأربع ، والزيادة بالإضافة إلى الخمس ، بحيث كان المورد دوران الأمر بين الأربع والنقصان عنها والخمس والزيادة عليها .
ويحتمل أن يكون المراد بيان صورة أُخرى مغايرة لما دار الأمر فيه بين الأربع والخمس ، وهي ما دار الأمر فيه بين النقيصة والزيادة ، وعليه فيحتمل أن تكون النقيصة والزيادة ملحوظتين بالنسبة إلى الأربع التي هي المأمور بها ، فالنقصان نقصان عنها والزيادة زيادة عليها; ويحتمل أن تكونا ملحوظتين بما هما مستقلّتين بأن كان المراد دوران الأمر بين النقيصة والزيادة ، وإن كانت الزيادة منطبقة على المأمور به أو ناقصة عنه والنقيصة كذلك .
وهنا احتمال ثالث ، وهو أن يكون قوله : «أم نقصت» معطوفاً على الشرط وهو قوله : «لم تدر» ، فالمراد حينئذ صورة تيقّن الزيادة أو النقص ، فتدلّ الرواية حينئذ على ثبوت سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، كما هو مفاد مرسلة سفيان الواردة في سجود السهو(1) .
ويبعد هذا الاحتمال أنّ كون كلمة «أم» متّصلة ، وهي مشروطة بوقوعها بعد همزة التسوية ، أو بعد همزة تكون مغنية عن لفظة أيّ ، وهنا ليس كذلك ، ومنه يعلم بُعد الاحتمال الأوّل أيضاً ، فاللاّزم إمّا حمله على الاحتمال الثاني الذي يبتنى على كون «أم» منقطعة ، ومرجعها إلى الاضراب عن المطلب السابق ، وإمّا
- (1) التهذيب 2 : 155 ح608; الاستبصار 1 : 361 ح 1367; الوسائل 8 : 251 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح3 .
(الصفحة 498)
إستظهار كون الصادر هو الواو لا أم ، فعلى الأوّل يدلّ على ثبوت سجدتي السهو فيما إذا دار الأمر فيه بين الأربع والخمس ، وعلى الثاني تكون الرواية أجنبية عن المقام ، ولعلّه يجيء التكلّم في مفاد الرواية في بحث سجود السهو .
ثمّ الظاهر أنّ وجوب سجدتي السهو هنا ليس لجبران الزيادة المحتملة المانعة ، كما أنّه كانت صلاة الاحتياط في سائر الشكوك جابرة للنقص المحتمل ، بل الزيادة هنا منتفية ، بأنّ الأصل عدمها ، وإيجابهما إنّما هو لأجل مراعات حفظ ركعات الصلاة ، فهو عقوبة لمن لم يحفظ عدد ركعات صلاته لأجل مجرّد عدم الحفظ ، لا لأجل الزيادة المانعة المحتملة ، وحينئذ فالاخلال بالسجدتين عمداً أو سهواً لا يكون قادحاً في صحة الصلاة ، لأنّ المفروض خلوّها عن الزيادة بمقتضى الأصل ، غاية الأمر ثبوت الإثم لمخالفة تكليف وجوبيّ ، كما أنّه لو انكشف يقيناً عدم الزيادة لا يرتفع الوجوب عن عهدة المصلّي ، بل وجوب السجدتين باق بعد .
ثمّ إنّ للشكّ بين الأربع والخمس صوراً عديدة :
منها : ما إذا كان الشكّ بعد إكمال الركعة ، وهذا هو القدر المتيقّن من مورد النصوص والفتاوى بل الظاهر منهما .
ومنها : ما إذا كان الشكّ قبل الركوع من الركعة المردّدة بين الرابعة والخامسة ، وقد صرّح غير واحد في هذه الصورة بأنّه يجلس فينقلب شكّه الى الثلاث والأربع ، فيعمل عمل الشاك بينهما ويزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام(1) .
ولا يخفى أنّ الجلوس وهدم القيام ليس لأجل انقلاب شكّه الفعلي إلى شكّ آخر ، لعدم موجب له ولا مصحّح ، بل هو شاكّ حال القيام بين الثلاث والأربع
- (1) منهم صاحب الحدائق 9 : 248; وحكاه أيضاً عن الشيخ عبدالله البحراني; مستند الشيعة 7 : 159; جواهر الكلام 12 : 354 .
(الصفحة 499)
بالنسبة إلى الركعات التامّة ، فلا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً ، فيجب عليه هدم القيام لأجل حكم الشرع بالبناء على الأكثر فيها ، والاتمام عليه لكون القيام زيادة عليه ، بل يمكن أن يقال : إنّه شاك بين الثلاث والأربع حقيقة ، لأنّ معنى الركعة هو الركوع مرّة .
ومن المعلوم أنّه لم يتحقق منه يقيناً إلاّ ثلاثة ركوعات ، فهو شاك بين الثلاث والأربع حقيقة ، ويجب عليه البناء على الأربع بعد هدم القيام ، لأنّ هذا القيام لا يكون جزءً من الصلاة ، لأنّ القيام الواجب إنّما هو القيام للركوع لا مطلق القيام ، فمع خلوّه عن الركوع لا يكون من الصلاة كما هو ظاهر .
ومنها : ما إذا شكّ في حال الركوع أو بعده وقبل السجدتين أو فيهما أو بينهما أو بعدهما ، قبل أن يرفع الرأس من السجدة الثانية ، بناءً على اعتبار رفع الرأس في تماميّة الركعة ، وفي حكم هذه الصورة وجوه ثلاثة :
1 ـ الصحة ، ووجوب عمل الشاك بين الأربع والخمس ، بعد تمامية الركعة بالبناء على الأربع ، وإتمام ، الصلاة ثم الاتيان بسجدتي السهو .
2 ـ الصحّة ، ووجوب معاملة الشاك بين الثلاث والأربع ، لأنّ شكّه وإن كان بالنسبة إلى الركعة المتلبّس بها شكّاً بين الأربع والخمس ، إلاّ أنّه بالنسبة إلى الركعات التامّة شكّ بين الثلاث والأربع ، فيجب عليه البناء على الأربع بعد هدم الركوع والجلوس للتشهّد والتسليم ، ثم الإتيان بصلاة الاحتياط الجابرة لنقصان ركعة المحتمل .
3 ـ البطلان لعدم تمامية الوجهين المذكورين للصحة(1) .
أمّا عدم تمامية الوجه الأوّل ، فلأنّه إن كان المراد شمول النصوص الواردة
- (1) ذهب إليه العلاّمة في التحرير 1 : 50 .