(الصفحة 510)
الشروع فيما بعدها ، فلو شكّ وهو قائم قبل أن يركع فهو خارج عن مورد الروايات ولكنّ يمكن استفادة حكمه منها .
2 ـ الشكّ بين الخمس والستّ حال القيام ، ولا ريب في أنّه يجب عليه الجلوس ، ليصير الشكّ بين الأربع والخمس ، ولعلمه بزيادة هذا القيام يجب عليه هدمه فيهدمه وينقل شكّه إلى الشكّ بين الأربع والخمس ، وقد عرفت حكمه المستفاد من الروايات الواردة فيه .
3 ـ الشكّ بين الأربع والخمس قائماً ، وقد عرفت حكمه سابقاً في ضمن الصور المتصورة للشكّ بين الأربع والخمس ، وعرفت أنّه صرّح غير واحد بوجوب هدم القيام والجلوس ، فينقلب شكّه إلى الثلاث والأربع ، فيعمل عمل الشاك بينهما ، ويزيد مع ذلك سجدتي السهو لمكان القيام ، وقد عرفت ما فيه من الإشكال ، من أنّه لا موجب لهدم القيام ولا دليل عليه ، بل الظاهر أنّه حال القيام شاك بين الثلاث والأربع بالنسبة إلى الركعات التامّة ، فيجب عليه هدم القيام لأجل حكم الشرع بالبناء على الأكثر فيها لكونه زيادة عليها كما لا يخفى .
4 ـ الشكّ بين الثلاث والأربع والخمس في حال القيام .
5 ـ الشكّ بين الثلاث والخمس في حال القيام ، والحكم فيهما هو الحكم في سابقتهما من هدم القيام لملاحظة الركعات التامة ، ووجوب البناء على الأكثر .
ويمكن الحكم بالبطلان فيها جميعاً ، نظراً إلى الإشكال الذي ذكرنا سابقاً في الشكّ بين الأربع والخمس حال الركوع ، من أنّ هذا المصلّي قد أتى ببعض أجزاء الركعة مع قصد الجزئية ، فعلى فرض وقوعه في محلّه واتّصافه بالجزئية والصحة التأهلية لا معنى لسقوطه عنه ، وخروجه عن هذا الوصف بسبب هدم القيام أو قصد عدم الجزئية .
فحينئذ المحتمل إنّما هو نقص بعض الركعة لإتمامها ، ولا دليل على كون صلاة
(الصفحة 511)
الاحتياط جابرة للنقيصة المحتملة إذا كانت أقلّ من الركعة .
نعم لو كان المأتيّ به من الركعة مجرّد القيام ولم يزد عليه شيئاً من القراءة ونحوها ، يمكن أن يقال بعدم الإتيان بشيء من أجزاء الركعة ، نظراً إلى أنّ القيام الذي هو جزء للصلاة هو القيام في حال الذكر والقراءة لا مجرّده ، أو يقال بأنّ الجزء هو القيام للركعة أي الركوع على ما استظهرناه سابقاً في باب ركنية القيام ، فما لم يركع لا يكون قيامه متّصفاً بوصف الجزئية أصلاً . فانقدح من ذلك الإشكال في حكم هذه المسائل والاحتياط ممّا لا ينبغي تركه .
ثمّ إنّ هنا شكوكاً أُخر طارئة بعد تمامية الركعة ، ولكن لم يقع التعرّض لها في شيء من الروايات المتقدّمة ، كالشكّ بين الإثنتين والأربع والخمس بعد تمامية الركعة أو بين الثلاث والأربع والخمس كذلك ، أو بين الإثنتين والثلاث والأربع والخمس كذلك أيضاً ، وفيها وجهان :
الأوّل : الصحة ، نظراً إلى أنّ المستفاد من الروايات الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس أنّ احتمال الزيادة مدفوع بأصالة العدم الجارية في جميع موارد احتمال الزيادة ، وإيجاب سجود السهو إنّما هو للذهول والغفلة عن عدد ركعات الصلاة وبعد إلغاء احتمال الزيادة يتحقق المورد بالنسبة الى الروايات الاُخر غير الواردة في الشكّ بين الأربع والخمس .
الثاني : البطلان ، لعدم جريان شيء من الروايات هنا ، أمّا الروايات الواردة في غير الشكّ بين الأربع والخمس ، فلأنّ موردها ما إذا فرض انحصار الاحتمال في النقص ، وأمّا فيما وجد احتمال الزيادة أيضاً فلا يعلم بشمولها له ، وأمّا الروايات الواردة فيه فلأنّ موردها ما إذا فرض انحصار الاحتمال في الزيادة كما لا يخفى . هذا ، ولا يبعد الوجه الأوّل لما ذكر فيه .
(الصفحة 512)
كثير الشكّ
قد ورد في حكمه روايات :
منها: رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) ـ التي رواها المشايخ الثلاثة(رحمهم الله) ـ قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، فإنّه يوشكّ أن يدعك، إنّما هو من الشيطان»(1).
ومنها : رواية زرارة وأبي بصير قالا : قلنا له : الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه؟ قال : يعيد ، قلنا : فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ؟ قال : يمضي في شكّه ، ثمّ قال : «لا تعوِّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ولايكثرنّ نقض الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ ، قال زرارة : ثمّ قال : إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»(2) .
ومنها : مرسلة ابن سنان ـ والظاهر أنّه هو عبدالله بن سنان لرواية فضالة عنه ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»(3) .
ومنها : رواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا؟ ويشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟
- (1) الكافي 3 : 359 و8 35 ح8 و2; التهذيب 2 : 343 ح 1424; الفقيه 1 : 224 ح989; الوسائل 8 : 227 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح1 .
- (2) الكافي 3 : 358 ح2 ; التهذيب 2 : 188 ح747; الإستبصار 1 : 374 ح1422; الوسائل 8 : 228 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح2 .
- (3) التهذيب 2 : 343 ح 1423; الوسائل 8 : 228 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح3 .
(الصفحة 513)
فقال : «لا يسجد ولا يركع ويمضي في صلاته حتى يستيقن يقيناً . . .»(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الرضا(عليه السلام) : «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك ولا تعد»(2) .
ثمّ إنّ المراد بالسهو المأخوذ في الروايات هل هو خصوص الشكّ أو الأعم منه ومن السهو المصطلح؟ وجهان ، بل قولان : وقد حكي نسبة القول الأوّل إلى الشهرة عن العلاّمة المجلسي ، كما أنّه حكي عن ظاهر المعتبر وأكثر كتب العلاّمة وصريح كشف الرموز والبيان والدروس وغيرها من الكتب الكثيرة للمتأخّرين(3) ، وحكي الثاني عن شرح الألفية وفوائد الشرائع وتعليق الإرشاد وأكثر كتب الشهيد الثاني وبعض آخر(4) .
والظاهر هو القول الأوّل ، توضيحه : إنّا قد حقّقنا في أوّل مبحث الخلل أنّ السهو بحسب معناه اللغوي عبارة عن مطلق الذهول والغفلة عن الواقع ، سواء كان الذاهل ملتفتاً حين ذهوله الى كونه ذاهلاً ومستوراً عنه الواقع ـ ولا محالة يكون حينئذ متردّداً فيه وشاكّاً ـ أم لم يكن متوجّهاً إلى ذهوله ، بل كان غافلاً عنه أيضاً ، ولا محالة يكون معتقداً لخلاف الواقع ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد بالسهو المأخوذ في الأخبار هنا هو الشكّ المقابل للسهو بالمعنى المصطلح بينهم ، وذلك لأنّ
- (1) التهذيب 2 : 153 ح 604; الاستبصار 1 : 326 ح 1372; الوسائل 8 : 229 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح5 .
- (2) الفقيه 1 : 224 ح 988; الوسائل 8 : 229 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب16 ح6 .
- (3) بحار الأنوار 85 : 276; المعتبر 2 : 393; نهاية الأحكام 1 : 533; تذكرة الفقهاء 3 : 322; المنتهى 1 : 411; كشف الرموز 1 : 203; البيان : 151; الدروس 1 : 200; الموجز الحاوي (الرسائل العشر) : 108; مدارك الأحكام 4 : 271; ذخيرة المعاد : 367; مفاتيح الشرائع; 180; مفتاح الكرامة 3 : 333 .
- (4) الخلاف 1 : 465 مسألة 210; الغنية : 112 ـ 113; السرائر 1 : 245; جامع المقاصد 3 : 135; روض الجنان : 343; الروضية البهيّة 1 : 339; مسالك الأفهام 1 : 296; مفتاح الكرامة 3 : 333 .
(الصفحة 514)
الظاهر أنّ هذه الروايات مسوقة لبيان نفي الأحكام المترتّبة على السهو في صورة الكثرة إمتناناً وتفضّلاً .
وحينئذ نقول : إنّ السهو قد يصير سبباً لترك جزء أو شرط ، وقد يصير موجباً لفعل مانع ، وعلى التقديرين قد يكون الجزء والشرط والمانع جزءً ، أو شرطاً ، أو مانعاً مطلقاً ـ أي في حالتي العمد والسهو ـ وقد لا يكون إلاّ جزءً ، أو شرطاً ، أو مانعاً في خصوص حال العمد والاختيار .
ففيما إذا كان جزءً مثلاً مطلقاً يكون بطلان الصلاة عند تركه مسبباً عن الإخلال به ، ولا مدخل للسهو فيه أصلاً ، فإنّ بطلان الصلاة عند فقدانها للركوع سهواً ليس لأجل السهو عن الركوع ، بل لأجل كونها فاقدة له وهو من الأجزاء الركنية ، ولا مدخلية للسهو في هذه الجهة أصلاً ، وكذلك إيجاد المانع مطلقاً سهواً .
فإنّ الاستدبار السهوي يبطل الصلاة بما أنّه استدبار لا بما أنّه وقع سهواً ، وهذا واضح جدّاً ، ففي هذه الصورة لا يكون للسهو بما هو سهو حكم حتّى يرتفع عند الكثرة .
وأمّا الصورة الثانية فالسهو فيها وإن كان له دخل في الحكم إلاّ أنّ الحكم المترتّب عليه هي الصحة والتمامية ، إذ المفروض اختصاص الجزئية والشرطية والمانعية بحال الاختيار ، ورفع الصحة مع الكثرة مناف للإمتنان الذي سيقت الأخبار لإفادته .
ودعوى أنّ المراد بهذه الأخبار نفي وجوب سجدتي السهو مع الكثرة عند حصول موجبهما ، بمعنى أنّ ما يترتّب عليه سجدتا السهو من الأفعال والأقوال السهوية ، إذا صدر عمّن يسهو كثيراً لا يترتّب عليه شيء حينئذ .
مدفوعة ـ مضافاً إلى أنّه من البعيد تنزيل الإطلاقات الكثيرة على إرادة هذا