(الصفحة 524)
المسألة ، وإن كان التعجّب لا يكاد ينقضي من جهة عدم تعرّض كثير من القدماء له أصلاً مع كونه ممّا يعمّ به البلوى ، لما عرفت من أنّه لم يتعرّض له إلاّ الشيخ(قدس سره)(1) .
ثمّ إنّه لا إشكال في رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر إذا كان الراجع شاكّاً والمرجوع إليه قاطعاً ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون المأموم واحداً أو متعدّداً ، رجلاً أو امرأة ، بل وإن كان صبيّاً مميّزاً بناءً على شرعيّة عبادة الصبي كما هو الحق ، لإطلاق قوله : «من خلفه» ، الشامل لجميع من ذكر كما هو ظاهر .
إنّما الإشكال في رجوع الشاكّ إلى الظانّ وكذا رجوع الظانّ إلى القاطع ، ظاهر عبارة السيّد(رحمه الله) في عروته رجوع الظانّ إلى المتيقّن وعدم رجوع الشاكّ إلى الظانّ إذا لم يحصل له الظنّ(2) ، ولكنّ الظاهر أنّ العكس لا يخلو من قوّة ، فإنّ دليل اعتبار الظنّ ـ مطلقاً أو في الجملة ـ في الصلاة يجعل الظانّ بحكم القاطع ، فلا وجه لرجوعه إليه .
نعم ظاهر مرسلة يونس المتقدّمة اعتبار كون الحفظ على طريق اليقين بناءً على أن يكون الصادر هي كلمة «بإيقان» ولكنّه لم يثبت ، فيحتمل أن يكون الصادر هي كلمة «باتّفاق» كما في بعض النسخ .
ثمّ إنّه إذا كان الإمام شاكّاً والمأمومون مختلفين من حيث الاعتقاد ، بأن اعتقد بعضهم أنّه صلّى الركعة الرابعة مثلاً ، وبعضهم أنّه لم يصلّها بعد ، فالظاهر بمقتضى المرسلة غيرها أنّه لا يرجع إليهم أصلاً إلاّ إذا حصل له الظنّ ، فيعمل على طبق ظنّه لأدلّة اعتباره . نعم إذا كان بعض المأمومين متيقّناً وبعضهم الآخر شاكّاً ، فالظاهر أنّ الإمام يرجع إلى الحافظ منهم وإن كان ظاهر
- (1) راجع 2 : 518 .
- (2) العروة الوثقى 1 : 82 6 مسألة 6 .
(الصفحة 525)
المرسلة ، ـ بناءً على أن يكون الصادر هي كلمة «باتّفاق» ـ وكذا ظاهر ذيلها هو عدم جواز الرجوع ، إلاّ أنّ هذه الكلمة لم يثبت صدورها ، والذيل محتمل لأن يكون المراد بالاختلاف فيه هو الاختلاف في الاعتقاد كما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّه مجمل لا يمكن التشبّث به . وكيف كان فالظاهر جواز رجوع الإمام إلى الحافظ منهم إلاّ أنّ رجوع الشاكّ منهم إلى الامام إذا لم يحصل الظنّ له ولا لهم فمورد تردّد وإشكال ، والأحوط الإعادة .
ثمّ إنّه إذا كان كلّ من الإمام والمأموم شاكّاً ، فتارة يكون شكّهم متّحداً ، كما إذا شكّ الجميع بين الثلاث والأربع مثلاً ، واُخرى يختلف شكّ الإمام مع شكّ المأموم ، وفي هذه الصورة قد يكون بين الشكّين قدر مشترك وقد لا يكون كذلك ، لا إشكال في الصورة الاُولى في وجوب معاملة كلّ منهما عمل ذلك الشاك ، كما أنّه لا إشكال في الصورة الثالثة فيوجوب معاملة كلّ منهما عمل شكّه المختصّ به .
وأمّا الصورة الثانية كما إذا شكّ الإمام بين الثنتين والثلاث والمأموم بين الثلاث والأربع ، فقد يقال فيها كما قيل : برجوع كلّ منهما إلى القدر المشترك الذي هي الثلاث في المثال ، لأنّ الإمام حافظ بالنسبة إلى عدم الزيادة على الثلاث ، فيجب أن يرجع المأموم إليه ويلغي شكّه بالنسبة إلى الأربع ، والمأموم حافظ بالنسبة إلى عدم النقصان عن الثلاث ، فيجب أن يرجع الإمام إليه ويلغي احتمال الإثنتين ، وإذا لغى احتمال الأربع والإثنتين يبقى القدر المشترك في البين .
هذا ، ولكنّ الظاهر يقتضي العدم ، لأنّ كلاًّ منهما في نفسه لا يكون حافظاً أصلاً ، بل متردّداً وشاكّاً ، فلا معنى لرجوع الآخر إليه ، بل في هذه الصورة أيضاً كالصورة الثالثة يجب أن يعمل كلّ منهما عمل شكّه المختصّ به .
ثمّ إنّه إذا كان أحدهما كثير الشكّ والآخر حافظاً ، فهل يعمل من كثر شكّه
(الصفحة 526)
عمل كثير السهو ، أو يرجع إلى حفظ الآخر؟ وجهان ، والظاهر هو الوجه الثاني ، لأنّ لسان الأدلة الدالة على رجوع غير الحافظ إليه نفي السهو عن غير الحافظ ، وأنّه لا يكون له سهو ، والموضوع في أدلّة كثير السهو هو من كثر سهوه ومع حفظ الآخر لا يكون في البين سهو أصلاً . وإن شئت قلت : إنّ دليل كثير الشكّ المقتضي لعدم الاعتناء بشكّه إنّما هو من قبيل الأصول العملية ، ومقتضى ظاهر الأدلة الواردة هنا طريقية حفظ الحافظ لغيره ، ومن المعلوم أنّه لا مجال للأصل مع وجود الأمارة ، فتدبّر .
require("baknext.php");
?>