(الصفحة 67)
يتعرض فيها لذكر السورة ، ثم يخص الملتفت بالذكر ، ويقول مثلا : أيّها الملتفت إقرأ السورة في صلاتك .
ومنها: أن يأمره بماعدا السورة بعنوان يعلم إنّه ملازم للنسيان ، كأن يقول مثلا: أيّها المسافر صلّ كذا، إذاعلم أنّ السفر ملازم لنسيان السورة ، وغيرهما من الطرق.
ثم قال : والحاصل إنّه لا استحالة في اختصاص وجوب السورة بمن ذكرها ، فعلى هذا لو كان دليل وجوب السورة لبياً ، بحيث لم يمكن الاستدلال باطلاقه لحال النسيان ، لا يثبت إلاّ جزئيتها في حال الذكر ، وأمّا بالنسبة إلى حال النسيان فيرجع إلى ما يقتضيه القواعد(1) . انتهى .
ولا يخفى أنّ الكلام قد يكون في إمكان الحكم بصحة عبادة الغافل عن بعض الأجزاء أو الشرائط ، وإنّه هل يمكن أن يدلّ الدليل على صحة عبادته وانطباق عنوان الصلاة مثلا على الصلاة الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشرائط بناءً على أن تكون موضوعة للصحيح كما هو الحقّ؟
وقد يكون في أنّ المقام ـ وهو ما إذا شكّ في ركنية بعض الأجزاء ـ هل يكون من مصاديق مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين حتى تجري فيه البراءة ، كما هو مقتضى التحقيق في تلك المسألة أوّلا؟
ولا يخفى أنّه لا يظهر من الشيخ عدم امكان الحكم بصحة عبادة الغافل ، غاية الأمر أنّه عبر بامكان أن تكون عبادته بدلا عمّا هو المأمور به ، إذا دلّ الدليل عليه ، ولكن الحكم بعدم جريان البراءة ليس مبتنياً على جعل عبادة الغافل بدلا عن الواقع ، بل يجري ولو قلنا بصحة عبادته كعبادة الملتفت ، بمعنى انطباق عنوان الصلاة الموضوعة للصحيح عليها ، كانطباقه على عبادة غيره .
- (1) تعليقة المحقّق الهمداني على الفرائد : 111 .
(الصفحة 68)
وبالجملة: فلا ينبغي الاشكال في إمكان الحكم بصحة عبادته ، ولكن نقول: إنّ مصداقية المقام لمسألة الأقل والأكثر الارتباطيين متوقّفة على أن يكون هنا أمر متعلّق بالمركّب من عدّة أمور شكّ فيها من حيث القلّة والكثرة ، مع أنّه ليس الأمر في المقام كذلك ، فإنّ المفروض تعلّق الأمر بالصلاة المركبة من عشرة أجزاء مثلا .
والغافل يكون الداعي له إلى العبادة إنما هو هذا الأمر المتعلّق بالمركّب من عشرة أجزاء ، ولا يشكّ في متعلّقه أصلا ، غاية الأمر إنّه عرضته الغفلة في الأثناء ، ومنعته عن الإتيان ببعض الأجزاء ففات منه ، وحينئذ فهذا الأمر الذي صار داعياً للغافل إلى الإتيان بمتعلّقه ، لا يكون متعلّقه مردّداً أصلا ، بل المعلوم تعلّقه بعشرة أجزاء وليس في البين أمر آخر، ولو كان كذلك لم يكن متعلّقه أيضاً مردّداً ، بل يعلم تعلّقه بما عدا الجزء المغفول عنه كما هو واضح .
والحاصل أنّ الحكم بصحة عبادة الغافل وإعلامه بذلك بدليل آخر دالّ عليها ممّا لا إشكال فيه ، ولا في أنّ ذلك ليس على سبيل البدلية عن الصلاة الواقعيّة المأمور بها ، كما ربما يظهر من الشيخ(قدس سره) ، بل الظاهر انطباق عنوان الصلاة على صلاة الغافل ، ولو قلنا بكونها موضوعة للصحيحة ، كما هو مقتضى التحقيق .
إنما الإشكال في أنّه هل يمكن للأمر أن يتوصّل إلى ذلك ـ أي تفهيم الغافل وإعلامه بالاكتفاء بصلاته الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشرائط عن غفلة ، بمجرّد توجيه الأمر المتعلّق بعشرة أجزاء مثلا ـ أو لا يمكن له ذلك؟
وقد عرفت أنّه لا يبعد دعوى عدم الامكان ، لأنّ الأمر الداعي للغافل إلى الإتيان بالعبادة إنما هو ذلك الأمر المتعلّق بعشرة أجزاء ، وهو يعتقد أيضاً أنّه يجب عليه الإتيان بما يجب على غيره ، غاية الأمر أنّه في الأثناء عرضته الغفلة من غير التفات إليها ، ومنعته عن الإتيان ببعض الأجزاء .
وقد عرفت أيضاً أنّه ليس هنا أمر كان متعلّقه مردّداً بين الأقل والأكثر حتى
(الصفحة 69)
تجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر ، فالظاهر في موارد الشك في الركنية ، مع عدم الدليل في البين على أحد الطرفين ، وجوب الإعادة أو القضاء مع الاخلال بالجزء سهواً، فتأمّل جيّداً .
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه لا إشكال في اعتبار القيام في الفرائض مع القدرة ، بل هو ضروري بين المسلمين كما عرفت(1) ، ولكنّ الإشكال في أنّه هل هو جزء مستقل للصلاة أو شرط لما هو الجزء من الأفعال والأقوال؟ وعليه فيكون القيام عند تكبيرة الاحرام شرطاً لهذا القول ، والقيام في حال القراءة شرطاً لها ، والقيام المتصل بالركوع شرطاً شرعياً لتحققه ، بحيث يكون البطلان في موارد الاخلال به مستنداً إلى ترك هذه الأمور لا إلى ترك القيام .
فيه وجهان ، الظاهر هو الوجه الأول ، لدلالة قوله تعالى :
{وقوموا لله قانتين}(2) ، على اعتبار القيام بنفسه في حال القنوت ، أي الإطاعة ، وأمّا سائر الآيات(3) التي تدلّ على اعتباره ، فلا يستفاد منها الجزئية بنحو الاستقلال ، ويؤيد ما ذكرنا من أنّ الظاهر اعتبار القيام بنفسه ، إنّه لا إشكال في اعتباره بعد الركوع مع أنّه ليس بعده فعل واجب ، أو قول كذلك ، حتّى يكون القيام شرطاً له .
ثم إنّه يعتبر في القيام أمران :
الأمر الأول : اعتبار الاستقلال في القيام
بأن لا يعتمد على شيء ولا يستند إليه من حائط أو غيره كما هو المشهور(4) ،
- (1) راجع 2 : 61.
- (2) البقرة : 238 .
- (3) آل عمران : 191 ، النساء: 103 .
- (4) المنتهى 1: 265; تذكرة الفقهاء 3: 90 مسألة 190; مستند الشيعة 5 : 40; مفتاح الكرامة 2 : 306; كشف اللثام 3 : 398 ; رياض المسائل 3: 369.
(الصفحة 70)
والمحكيّ عن أبي الصلاح الحلبي أنّه نفى البأس عنه(1) ، ويظهر من المحقّق في الشرائع التردّد ، حيث أنّه بعد الحكم بوجوب القيام مستقلاً مع الامكان ، وبوجوب الاعتماد على ما يتمكن معه من القيام مع عدمه ، قال : وروي جواز الاعتماد على الحائط مع القدرة(2) ، بل يمكن أن يستفاد من ذلك اختيار الجواز نظراً إلى أنّ الحكم أولاً بوجوب القيام مستقلاً إنما هو لنقل الفتوى الذي تلقاه من السلف إلى الخلف ، لا لاختياره ذلك ، وكونه موافقاً لفتواه .
وكيف كان فذهب جماعة من المتأخّرين إلى الجواز(3) ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب ، لأنّ بعضها يدلّ على المنع ، كصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لا تمسك بخَمَرك(4) وأنت تصلّي، ولا تستند إلى جدار وأنت تصلّي إلاّ أن تكون مريضاً»(5) .
والخمر بالخاء المعجمة والميم المفتوحتين ـ على ما في الحدائق وغيره(6) ـ ما واراك من شجر أو بناء أو نحوه ، ودلالتها على المنع ظاهرة ، ولكن لا اختصاص لها بحال القيام ، بل يعمّ جميع الحالات من القيام والجلوس والركوع والسجود كما لايخفى .
وخبر عبدالله بن بكير المرويّ في قرب الإسناد قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن الصلاة قاعداً أو متوكّئاً على عصا أو حائط؟ فقال : «لا، ما شأن أبيك وشأن هذا؟
- (1) الكافي في الفقه : 125 . ونقل هذا القول في المستند 5 : 41 عن جماعة ; منهم: صاحب الحدائق 8 : 62 .
- (2) شرائع الاسلام 1 : 70 .
- (3) منهم: صاحب الحدائق 8: 62; ومدارك الأحكام 3 : 328; ورياض المسائل 3: 369.
- (4) الخَمَر «بفتح الخاء والميم» ما واراك من شجر وغيره (القاموس المحيط 2: 23) وما واراك من الشجر والجبال ونحوها (لسان العرب 4: 212).
- (5) التهذيب 3 : 176 ح394; الوسائل 5 : 500. أبواب القيام ب10 ح2 .
- (6) الحدائق 8 : 61 ، القاموس المحيط 2 : 23; لسان العرب 4: 212.
(الصفحة 71)
ما بلغ أبوك هذا بعد»(1) ، ولا يخفى ما في الجواب من عدم مطابقته مع السؤال ، فإنّه لم يسأل السائل عن صلاة أبيه ، فلا يجوز الاعتماد على هذه الرواية .
وأمّا أخبار الجواز:
فمنها : صحيحة عليّ بن جعفر(عليه السلام) عن أخيه موسى(عليه السلام) أنّه سأله عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلّي، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علّة؟ فقال : «لا بأس». وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الاُوليين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علّة؟ فقال : «لا بأس به»(2) .
ومنها : موثّقة ابن بكير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي متوكّئاً على عصا أو على حائط؟ قال : «لا بأس بالتوكّأ على عصا والاتّكاء على الحائط»(3) .
ومنها : خبر سعيد بن يسار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن التكاءة في الصلاة على الحائط يميناً وشمالا؟ فقال : «لا بأس»(4) .
وقد يجمع بين هذه الأخبار وبين الخبرين الأول ين الدالّين على المنع ، كما عن القائلين بالجواز بحملهما على الكراهة ، لظهورهما في النهي الارشادي التحريمي ، الراجع إلى بطلان الصلاة وفسادها ، ونصوصية تلك الأخبار في الجواز الراجع إلى صحة الصلاة ، فيحملان على النهي الارشادي التنزيهي الراجع إلى صيرورة
- (1) قرب الاسناد : 148 ح613; الوسائل 5: 487. أبواب القيام ب1 ح20.
- (2) قرب الإسناد: 174 ح778 وص175 ح784 ; الفقيه 1: 237 ح1045; التهذيب 2: 236 ح1339; الوسائل 5: 499. أبواب القيام ب10 ح1.
- (3) التهذيب 2 : 327 ح1341 ; قرب الإسناد: 149 ح613; الوسائل 5 : 500. أبواب القيام ب10 ح4.
- (4) التهذيب 2: 327 ح1340; الوسائل 5: 500. أبواب القيام ب10 ح3.