(الصفحة 72)
الصلاة ذات حزازة ومنقصة مع الاعتماد والاستناد .
هذا ، ولكن يمكن الجمع بوجه آخر ، وهو أن تحمل أخبار الجواز على الصلاة النافلة ، لكونها نصّاً فيها ، وروايتا المنع على الفريضة ، لكونهما نصّاً فيها أيضاً . ويؤيد ما ذكرنا من حمل أخبار الجواز على النافلة ، تقييد الصلاة بالفريضة في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، فيما سأله عن أخيه(عليه السلام) ثانياً ، حيث سأل عن الرجل يكون في صلاة فريضة . . . ، فإنّ هذا يشعر بكون المراد بالصلاة في السؤال الأول هي الصلاة النافلة ، ولا أقلّ من كونه موجباً لضعف دلالتها على الاطلاق كما لا يخفى .
ودعوى انّ الجواب عن السؤال الثاني الوارد في مورد صلاة الفريضة يكون دالاًّ على نفي البأس عن الاستعانة بشيء على القيام .
مندفعة بأنّ الاستقلال المعتبر في القيام إنما هو الاستقلال في حال الاشتغال بأجزاء الصلاة ، وأمّا الاستعانة بشيء في حال الإتيان بمقدّماتها ، من النهوض للقيام ونحوه ، فلا دليل على كونها مخلّة بصحتها كما لا يخفى .
ولكن هذا الجمع ليس جمعاً مقبولا عند العرف ، بل الظاهر في مقام الجمع هو الوجه الأول ، ولكن اعراض الأصحاب عن أدلة الجواز والفتوى بخلافها ، ربما يوهنها ويخرجها عن المقاومة في مقابل أخبار المنع .
فالظاهر ما ذهب إليه المشهور(1) ، وقد عرفت أنّ مقتضى صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة ، هو اعتبار الاستقلال في جميع حالات الصلاة ، من القيام والقعود والركوع والسجود ، ولا اختصاص لها بحال القيام أصلا ، وعلى تقديره فمدلولها هو اعتباره في الصلاة مستقلاً لا أنّه معتبر في القيام بحيث لا يتحقّق بدونه ، كما هو
- (1) من عدم جواز الاعتماد على شيء ; راجع 2 : 69.
(الصفحة 73)
ظاهر كلّ من جعل الاستقلال من الأمور المعتبرة في القيام ، خصوصاً مع دعوى اعتباره في مفهوم القيام ، أو انصراف أدلة القيام إليه .
هذا ، والظاهر بطلان هاتين الدعويين أيضاً ، فإنّه إذا قيل: زيد قائم لا يتبادر منه القيام مع عدم الاعتماد بشيء ، بحيث لو كان متوكّئاً على عصا ونحوه لكانت القضية كاذبة ، ومنه يظهر عدم الانصراف أيضاً .
الأمر الثاني : اعتبار الاستقرار في القيام
وهو ما يقابل المشي والحركة من مكان إلى مكان آخر ، إمّا بالأصالة أو بتبع مركوبه من الدابة والسفينة ونحوهما ، والاضطراب ولو لم يتحرّك من مكان إلى آخر ذاتاً أو تبعاً ، بأن كانت أعضائه متحرّكة ، أمّا اعتبار الاستقرار الذي يقابل المشي والحركة ، فممّا لا إشكال فيه ، لأنّ المنقول من فعل النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) هي الصلاة مع الوقوف .
وكذا استقرت على ذلك سيرة المتشرعة إلى يومنا هذا ، ويدلّ عليه في الجملة خبر السكوني ، حيث روى عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال في الرجل يصلّي في موضع ثم يريد أن يتقدّم، قال : يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد، ثم يقرأ»(1) .
وأمّا اعتبار الاستقرار بمعنى السكون والاطمئنان المقابل للاضطراب ، فيدلّ عليه أيضاً جريان السيرة عليه ، نعم لا يبعد أن لا تكون الحركة اليسيرة مضرة ، كما إذا حرّك يده مثلا بحيث لم يخرج عن صدق الاستقرار بنظر العرف ، ولا يخفى أنّ الاستقرار أيضاً معتبر في الصلاة مستقلاً ، لا أنّه معتبر في القيام ، كما يظهر ممّن جعله
- (1) الكافي 3 : 316 ح24; التهذيب 2 : 290 ح1165; الوسائل : 6 / 98. أبواب القراءة في الصلاة ب34 ح1 .
(الصفحة 74)
من الأمور المعتبرة في القيام(1) ، فلو أخلّ به في شيء من أحوال الصلاة ولو في غير حال القيام تبطل .
ثم إنّه يمكن استفادة اعتبار الاستقرار في الفرائض من الأخبار الدالة على صحة الصلاة النافلة على الدابة والسفينة ونحوهما ، وقد تقدّم بعضها في مبحث القبلة(2) ، وطريق الاستفادة ظاهر ، فإنّ التقييد بالنافلة يدلّ على اختصاص الحكم بها ، بل يظهر من بعضها أنّ عدم الجواز في الفريضة كان أمراً ضرورياً كما لايخفى .
فإذا ثبت بطلان الفريضة على الدابة والسفينة ونحوهما فبطلانها في حال المشي والحركة من مكان إلى آخر بالأصالة بطريق أولى ، بل يمكن استفادة اعتبار الاستقرار المقابل للاضطراب منها أيضاً ، فإنّ الراكب على الدابة ربما يكون اضطرابه أقل من اضطراب المتحرك بأعضائه .
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ عدم جواز الصلاة في السفينة ونحوها ، ليس إلاّ لأنّ الركوب عليها يستلزم الاخلال ببعض الأمور المعتبرة في الصلاة كالقيام والاستقبال ونحوهما كما هو الغالب ، وأمّا لو فرض في مورد عدم الاخلال بشيء من تلك الأمور أصلا ، غاية الأمر إنّه يلزم الانتقال من مكان إلى مكان آخر تبعاً لحركة السفينة ونحوها .
فالظاهر عدم الدليل على كونه بمجرّده مبطلا للصلاة ، بحيث تكون وحدة المكان أيضاً من الأمور المعتبرة في الصلاة لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، كما يظهر بالتتبع في الأخبار ، كخبر السكوني المتقدّم ، وما ورد في مشي النبي(صلى الله عليه وآله) (3) كما أشار إليه السيد(قدس سره) في منظومته حيث قال :
- (1) الذكرى 3: 268; رياض المسائل 3: 369.
- (2) الوسائل : 4 / 324. أبواب القبلة ، ب13 ح17 وص328 ب15 .
- (3) الفقيه : 1 / 180 ح849 ; الوسائل : 5 / 191 أبواب مكان المصلّي ب44 ح4 .
(الصفحة 75)
-
ومشي خير الخلق بابن طاب(1)
ومشي خير الخلق بابن طاب(1)
-
يفتح منه أكثر الأبواب(2)
يفتح منه أكثر الأبواب(2)
وغيرهما من الأخبار التي يمكن استفادة هذا المعنى منه .
وبالجملة: فالظاهر عدم الدليل على اعتبار اتحاد مكان المصلّي ، وعدم انتقاله من موضع إلى آخر ، والأخبار الدالة على المنع من الصلاة في السفينة(3) لا يستفاد منها ذلك ، لأنّ السفن التي كانت متداولة في ذلك العصر لم تكن مراعاة جميع الأمور المعتبرة في الصلاة ممكنة فيها، بخلاف السفن البخارية الجديدة ، في هذه الأعصار، كما لا يخفى .
ثم إنّه حكي عن العلاّمة(قدس سره) في بعض كتبه ، والشهيد(قدس سره) وجماعة بطلان الصلاة على السفينة ، وإن كانت واقفة غير متحرّكة(4) ، وعن الفخر(5) الاستدلال له بالنبوي الشريف : «جعلت لي الأرض مسجداً»(6) ، بتقريب أنّ مفاده اعتبار كون العبادة على الأرض لا غير .
وفيه: إنّ الظاهر كونه في مقام الامتنان على أُمّة النبي(صلى الله عليه وآله) ، وأنّ التضييق الذي كان في الأمم السابقة باعتبار لزوم وقوع عباداتهم في خصوص المساجد والمعابد ، مرفوع عن هذه الأمة ، فلا يستفاد منه الحصر أصلا ، كيف ولازمه عدم جواز الصلاة على السرير وأمثاله أيضاً ، ولا يقول به أحد .
- (1) باب من أبواب مسجد النبي (صلى الله عليه وآله). (منه) قال ابن الأثير: ابن طاب: نوع من أنواع تمر المدينة، منسوب إلى ابن طاب ـ رجل من أهلها ـ النهاية 3: 149.
- (2) الدرّة النجفيّة : 166 .
- (3) راجع الوسائل 4: 320 ب13 .
- (4) الكافي في الفقه: 147; الغنية: 92; السرائر 1: 336; الدروس 1: 161; الذكرى 3: 191; مسالك الافهام 1: 159; ولم نعثر على المحكي عن العلاّمة في بعض كتبه.
- (5) إيضاح الفوائد 1 : 79 .
- (6) الفقيه 1 : 155 ح724; الخصال: 201 و292 ح14 و56; الوسائل 3 : 350. أبواب التيمم ب7 ح2 ـ 4 .
(الصفحة 76)من لم يستطع أن يصلّي قائماً
ثم إنّك عرفت أنّ اعتبار القيام في الفرائض إنما هو مع التمكّن منه والقدرة عليه ، فلو كان مريضاً ولم يتمكّن منه ، يصلّي جالساً ، بلا خلاف بين المسلمين نصّاً وفتوى(1) ، ولو عجز عن القعود أيضاً صلّى مضطجعاً على جانبه الأيمن ، ثم على جانبه الأيسر ، ولو عجز عن الاضطجاع بقسميه صلّى مستلقياً على قفاه ، بحيث يكون رجلاه إلى القبلة ، كالمحتضر والميّت في المغتسل ونحوهما ، فإن لم يقدر عليه أيضاً يصلّي كيف ما تيسّر له .
هذا هو المشهور بين الأصحاب(2) ، ويدلّ عليه قوله تعالى :
{الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم}(3) ، مع ما ورد في تفسيره ، وهو ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(عليه السلام)أنّه قال في معنى الآية : الصحيح يصلّي قائماً وقعوداً والمريض يصلّي جالساً وعلى جنوبهم الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالساً»(4) .
وروي من طريق العامة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) بعد تلاوة الآية الشريفة لعمران بن حصين قال له : «صلّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنبك»(5) ، وروي من طريقهم أيضاً عن عليّ(عليه السلام) أنّه قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «يصلّي المريض
- (1) المبسوط 1: 100; المعتبر 2: 159; تذكرة الفقهاء 3: 91 مسألة 192; مستند الشيعة 5 : 49 المسألة السادسة; جواهر الكلام 9 : 257; مفتاح الكرامة 2 : 308 ; الوسائل 5: 481. أبواب القيام ب1.
- (2) المعتبر 2: 160; المنتهى 1: 265; مدارك الأحكام 3: 330; الحدائق 8 : 75; مستند الشيعة : 5 / 55 المسألة السابعة وص58 المسألة الثامنة; جواهر الكلام 9 : 264 ـ 265; كشف اللثام 2 : 311 ـ 312 .
- (3) آل عمران : 191 .
- (4) الكافي 3 : 411 ح11; التهذيب 2: 169 ح672 وج3: 176 ح396; الوسائل 5 : 481. أبواب القيام ، ب1 ح1.
- (5) الجامع لأحكام القرآن4: 312; صحيح البخاري2: 51، ب19،ح1117; سنن الدارقطني1:298ب58 ح1410.