(الصفحة 105)
يكون علّة لتعيّن وجوب الصوم في شهر رمضان على غير المريض والمسافر . أو أنّه علّة في وجوب الصوم في عدّة أيّام اُخر على المريض والمسافر ، أو أنّه يمكن أن يكون تعليلاً للموردين معاً ، أو أ نّ الصحيح هو أن نقول بأ نّ هذا القسم من الآية:
{وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} لا علاقة له بأصل الصوم ، وإنّما سيقت العبارة للتأكيد على
{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ} .
ونلاحظ أ نّ الآية بعد أن صرّحت بأ نّ المريض والمسافر عليهما أن يصوما في وقت آخر ، قالت:
{يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ الْيُسْرَ} . فالآية الكريمة ربطت بين اليسر وبين وجوب الصوم في الأ يّام الاُخر .
وسواء قلنا بأ نّ قوله تعالى:
{وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} ناظرة إلى وجوب الصوم مطلقاً في رمضان لغير المريض والمسافر ، وفي غير رمضان للمريض والمسافر ، أو أ نّ العبارة جاءت في خصوص وجوب الصوم على المريض والمسافر في عدّة من أ يّام اُخر ، فإنّ هذا القسم في الآية:
{يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ الْيُسْرَ} إنما جيء به للتعبير عن وجوب الصوم في شهر ما ، فهذا يسر في قبال العسر . فالعسر هنا هل يمكن أن يكون بمعنى غير معنى الضيق؟ وإذا قلنا ، ا نّ أقلّ صعوبة وشدّة تسمّى عسر ، فأين يتحقّق اليسر الذي تشير إليه الآية؟
بناءً على ذلك ، إذا أردنا أن نطرح مسألة العرف ونقول بأ نّ الآية ناظرة إلى العرف ، فلابدّ أن ندقّق لنرى في أيّ مورد صرف الله سبحانه وتعالى كلمة اليسر ، وجعل العسر في قبال اليسر؟ نقول:
أوّلاً إنّ نفس الآية تشير إلى ذلك المعنى ، حتّى لو لم يكن للّغة في هذا المجال أيّ رأي ، ولم تتعرّض إلى هذا المعنى ، بل إنّ نفس قوله تعالى:
{يُرِيدُ اللهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} كفيل بحلّ المسألة . فقد عبرّ عن وجوب الصوم في شهر رمضان باليسر، مع أ نّه أشكل وأعسر من حمل تسعين كيلو مع القدرة على حمل مائة كيلو.
(الصفحة 106)
ثانياً عرفنا في خلال الروايات واللغة أ نّ الحرج بمعنى الضيق ، وقوله تعالى:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} ، إنّما هو بصدد بيان مسألة الضيق . وبناءً على ما قيل من أ نّ العُسر أعمّ من الضيّق ، ، فإنّ الآية الكريمة
{وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} ناظرة إلى معنىً أوسع وأعمّ ، فيشمل الضيق ، كما أنه يشمل غيره من الموارد من مصاديق العسر . أي أ نّ عنوان نفي العسر ـ إن صحّ التعبير ـ أعمّ من عنوان نفي الحرج . وبناءً على ذلك قد يرى البعض وجاهة الرأي الذي أشار إليه المرحوم الميرزا الأشتياني (قدس سره) من أ نّ الآيتين لاتنافي بينهما . فكلا الآيتين جاءتا بصيغة النفي من دون أن تكن هناك منافاة بين الآيتين ، وكأ نّ الآيتين قد جاءتا بصيغة الإثبات .
كما أنّه لايمكن حمل أحدهما على الاُخرى ، لأنّه لاتوجّه هناك آية مقيّدة واُخرى مطلقة .
ولمّا لم يكن هناك تناف بين الآيتين ، أمكن أن نقول : إن آية:
{وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} أعمّ من الآية الاُخرى . وبعبارة اُخرى : إنّ قاعدة نفي العسر أعمّ من قاعدة نفي الحرج .
ولنا أن نقول: إنّه ليس ممكناً أن نتوصّل إلى هذه النتيجة . لأ نّ في بحث المطلق والمقيد ، عندما يكون هناك توافق من حيث الإثبات والنفي ، قال الأصحاب إنّه حتّى لو استفدنا وحدة الحكم من طريق وحدة السبب فهذا من قبيل حمل المطلق على المقيد . فمثلاً إذا كان هناك دليل مفاده: إن ظاهرت فأعتق رقبة ، ووجد دليل آخر فحواه: إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة . فهنا وحدة السبب ـ وهو الظهار ـ تكشف عن أنّ الحكم هنا واحد لا أكثر ، والحكم الواحد لايكون مقيّداً ومطلقاً في آن واحد .
إذن لابدّ لنا أن نحمل المطلق على المقيّد . وحتّى لو استفدنا وحدة الحكم من
(الصفحة 107)
الخارج ، فهذا لايغيّر حكم المسألة .
وبناءً على ما تقدّم في باب المطلق والمقيّد نقول: إنّ القرآن الكريم يستعمل تعبيرات شتّى في بيان مقصوده ، وهذا ما نجده في الآيات التي استعرضناها سابقاً والتي تشكّل محور بحثنا هذا . وهي قوله تعالى:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} و
{وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} و
{وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} فجميع هذه الآيات تستهدف معنى واحد ، وبناءاً على ذلك وحتّى لو سلّمنا بأ نّ العسر أعمّ من الضيق ، لابدّ وأن نأخذ بالمقيّد ، لأ نّنا نعلم أ نّه لاتوجد لدينا مسألتان ، مسألة نفي العسر ومسألة نفي الحرج ، وإنّما هناك مسألة واحدة عبرّ عنها بتعبيرات مختلفة . ومن هنا يتعيّن علينا أن نأخذ بالقدر المتيقّن ، وهو الحرج والضيق . فالقاعدة سواء عبّرت عنها بقاعدة الحرج ، أو نفي العسر ، أو قاعدة نفي الإصر ـ عبرّ عنها بما شئت ـ إنّما مدار البحث فيها هو الضيق .
نسبة قاعدة لا حرج إلى (قاعدة لا ضرر):
بعدما تبيّن ثبوت قاعدة «لا حرج» في الجملة والمراد من العناوين المذكورة في خطاباتها لابدّ لنا من البحث في مفاد القاعدة وأ نّه هل يجري فيها الاختلاف الواقع في مفاد قاعدة لا ضرر أو لا يجري ونقايس بين قاعدة لا حرج وقاعدة لا ضرر . خاصّة إذا عرفنا أ نّ هناك احتمالات متعدّدة تطرح في قاعدة لا ضرر ، لنرى هل أ نّ قاعدة لا حرج هي مثل قاعدة لا ضرر . أي أ نّها غير محدّدة المعنى . أو أ نّ قاعدة لا حرج لها معنىً محدّد ، ولا تحتمل وجوه وإحتمالات متعدّدة كما هو الحال بالنسبة لقاعدة لا ضرر؟!
ولكي تتّضح عمليّة المقايسة بين القاعدتين لابدّ من إشارة سريعة للمعاني المختلفة في قاعدة لا ضرر .
(الصفحة 108)الآراء الأربعة في مدلول «لا ضرر»
توجد هناك أربعة آراء مهمّة في خصوص هذه القاعدة . وتبحث هذه الآراء في كلمة «لا» الموجودة في العبارة «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» هل هي «لا» نافية ، أو هي ناهية؟ هناك رأيان من هذه الأربعة يذهبان إلى أ نّ «لا» هذه تفيد النفي ، أحد هذين الرأيين هو للشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه(1) ، والآخر للمرحوم المحقّق الخراساني (قدس سره) في كتاب الكفاية(2) .
وأمّا الرأيان الآخران فمفادهما: أ نّ «لا» تفيد النهي . أحدهما للمرحوم شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) والآخر لسيّدنا الاُستاذ الإمام الخميني (قدس سره) ، وهناك أراء اُخرى في هذا المضمار ليست ذات أهميّة .
يقول الشيخ الأنصاري (قدس سره) في كتابه الرسائل: إنّ عبارة «لا ضرر» تفيد الإخبار «ذلك لأ نّ النفي يفيد الإخبار» ومعناها أ نّه لا ضرر في الإسلام . فالمعنى أ نّه لم يجعل في الإسلام حكمٌ يوجب تحقّق الضرر ، بل إنّ الشيخ يتوسّع في ذلك فيقول: إنّ عبارة «لا ضرر» تفيد عدم الحكم أيضاً ، وتخبر عنه في حال كون عدم الحكم موجباً للضرر أو يساعد على الضرر . أي أنها تنفي عدم الحكم . ومثال ذلك لو فرضنا أن الوضوء أصبح مضرّاً بتمام معنى الضرر . ولنفرض أ نّ فيه ضررٌ مالي ، كأن يقال لشخص ما: أعطنا مليون تومان لنعطيك ماءً تتوضّأ به ، فلو باع جميع ما لديه لما تمكّن من أن يوفّر هذا القدر في المال . فيلزم وجوب الوضوء على هذا الشخص الضرر التّام .
وأمّا المثال على عدم الحكم ، فيفرض الشيخ الأنصاري (قدس سره) هذا الفرض ، وهو أ نّه لو لم يكن هناك في الإسلام خيار بإسم خيار الغبن ، فإنّ عدم جعل الخيار هذا
- 1 . فرائد الاصول 2 : 460 .
- 2 . كفاية الاصول : 381 .