(الصفحة 114)
سياق الآية يشعرنا أ نّ الدعاء قد استجيب . وأ نّ الله تبارك وتعالى لم يحمل الإصر . وهذا يعني أ نّ الجملة خبريّة وليست إنشائيّة .
من هنا نلّخص إلى هذه النتيجة ، وهي أ نّ الآيات الواردة في قاعدة لا حرج ، لايمكن أن نستفيد منها المفهوم الذي يستخلصه شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) من قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام .
هل يمكن الاستفادة من القرآن في الأحكام الولائية؟
ويتّضح رأي الإمام (قدس سره) في هذه المسألة من خلال وجهة نظره في خصوص قاعدة لا ضرر ، إذ أ نّ قاعدة لا حرج مستندة إلى القرآن الكريم ، أي أ نّها كلام الله ، بخلاف قاعدة لا ضرر التي لاتستند إلى أصل قرآني ، بل هي قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قضيّة سمرة بن جندب . ولو كانت قاعدة لا ضرر تستند إلى أصل قرآني لما اعتبرها السيّد الإمام (قدس سره) حكماً ولائيّاً .
إذن ، قاعدة نفي الحرج لاتشملها مقولة الإمام (قدس سره) في خصوص قاعدة لا ضرر ، لأن أدلّة قاعدة الحرج ، مأخوذة من في القرآن الكريم . وليست حكماً ولائيّاً كما هو الحال في قاعدة لاضرر . والحكم الولائي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لادليل عليه من القرآن إلاّ أ نّ القرآن الكريم قد يذكر حكماً ولائيّاً من باب الحكاية عنه . أي أ نّه قد يذكر بعض المسائل من قبيل الحكاية ، لا بمعنى أنه يتبنّى تلك المسائل بنفسه ، بناءً على ذلك لايمكن طرح أيّاً من مبنيي المرحوم شيخ الشّريعة الأصفهاني (قدس سره)والسيّد الإمام (قدس سره) الوارد في لا ضرر ، في قاعدة لا حرج .
وأمّا الرأي الآخر والذي يتبنّى على أساس أ نّ «لا» في لا ضرر هي نافية ، وعبرّ عنه ببيانين: أحدهما للشيخ الأنصاري أعلى الله مقامه ـ والآخر للمحقّق الخراساني (قدس سره) في كتاب الكفاية ، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يصدق كلا
(الصفحة 115)
المعينين في قاعدة لا حرج ، أو لا يصدق؟
نأتي للتفسير الذي طرحه الشيخ الأنصاري (قدس سره) في خصوص قاعدة لاضرر . يقول الشيخ: إنّ الضرر هنا هو صفة للحكم الإسلامي ، أي للوجوب وما يشابه الوجوب ، معنى قوله لا ضرر هو أ نّ الإسلام يشرع فيه حكم ينشأ منه . هل هذا المعنى ينطبق مع قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} .
يظهر لأوّل وهلة أ نّ هذا المعنى يمكن تطبيقه على قاعدة نفي الحرج ، ومطابقته لهذه القاعدة أجلى وأوضح من مطابقته على قاعدة لا ضرر . لأنّه بناءً على مبنى الشيخ (قدس سره) لابدّ وأن نلتزم بالحذف بأن نقول : هناك محذوف ، فلا ضرر يعني: لا حكم ينشأ منه الضرر ، أ مّا في {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} لا داعي للحذف . لإنّ قوله «ما جعل» يعني ما شرع لكم في الدين . ويستشعر من كلمة «في الدين» أ نّ المقصود هنا هو الوظائف والتكاليف العمليّة . صحيح أ نّ الدين هو مجموعة من اعتقادات وواجبات ، ولكن يفهم من السياق أ نّ هناك تأكيداً على الوظائف العمليّة خاصّة . بمعنى أنّ الله تبارك وتعالى لم يجعل عليكم فيما قرّره من التكاليف من حرج ، فواضح أ نّ المعنى مطابق لمنطوق الآية ، ولا يلزم أن نقدّر كلمة ، كأن تكون كلمة «حكم» مثلاً . أي أ نّ ما قاله الشيخ الأنصاري (قدس سره) في خصوص قاعدة لا ضرر تدلّ عليه الآية في قاعدة لا حرج بوضوح . فقد يجد من لايقبل بالمعنى الذي يطرحه الشيخ في خصوص قاعدة لا ضرر ، إلاّ أنه لايمكن أ نّ نتصوّر أن هناك أحداً يرفض الظهور الذي تدلّ عليه الآية في قاعدة لا حرج .
إذن ، ما بيّنه الشيخ سابقاً ممكن تصوّره بسهولة وأوضح من ذي قبل في قاعدة لا حرج .
(الصفحة 116)النفي الإدّعائي وقاعدة نفي الحرج
وأمّا على أساس مبنى المحقق الخراساني (قدس سره) الذي كان يرى أ نّ «لا ضرر» على نحو نفي الحقيقة ، فكلمة الضرر اخذ فيها لحاظ الماهيّة ، و «لا» تدلّ على النفي أي تنفي هذه الحقيقة . ولكن المرحوم اعتبر في نفي الحقيقة لحاظين: فتارةً يكون نفي الحقيقة على نحو الحقيقة ، وتارةً على نحو الادّعاء ، فهو يعتبر «لا ضرر» تفيد نفي الحقيقة ، ولكن لا على نحو الحقيقة ، وإنّما على نحو الإدّعاء . إذن ، لا ضرر يعني لا وضوء مع الضرر ، أي أ نّ آثار الوضوء كالوجوب والمقدّمية تنتفي ، فلا يكون واجباً ولا يكون مقدّمة للصلاة ، بل ينتقل إلى التيمّم .
من هنا يتبيّن لدينا أ نّ نقطة الإرتكاز في كلام الآخوند (قدس سره) هي نفي الحقيقة ادّعاءاً ، والآية لاتفيد نفياً للحقيقة من الأساس ، وفرضاً لو أخذنا بكلام المحقق الخراساني (قدس سره) في خصوص لا ضرر ، فهل بالإمكان أن نطبق كلامه هذا في خصوص قاعدة لا حرج؟
والجواب: كلاّ ، لأ نّ محلّ الكلام هنا مباين لما هو عليه من قاعدة لا ضرر ، والتعبير هناك في قاعدة لا ضرر يبتني على أساس نفي الحقيقة ، وأمّا هذه القاعدة فتفيد الإخبار عن عدم الحكم . والإخبار عن عدم الحكم هو من مهامّ الله تبارك وتعالى ، كما أ نّ ثبوت الحكم أيضاً هو من مهامّ الباري عزّوجلّ . وهذا بخلاف مالو اُريد طرح موضوع من المواضيع على نحو نفي الحقيقة ، فيأتي الكلام فيه: هل هذا النفي للحقيقة على نحو الحقيقة ، أو على نحو المجاز والمسامحة؟ والكلام في قاعدة لا حرج يلحظ فيه نفي الحقيقة من الأساس . والحاصل أ نّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا بعدم الجعل .
ويظهر من خلال ذلك أ نّ رأياً واحداً من مجموع الأربعة الآراء التي استعرضناها يمكن أن ينطبق على قاعدة لا حرج بطريق أولى وأوضح من إنطباقه
(الصفحة 117)
على قاعدة لا ضرر ، وبناءً على هذا الرأي ، أمكن القول أ نّ مفاد {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} أن الله تبارك وتعالى لم يقرّ جعلاً ينشأ منه الحرج .
الثمرة على اختلاف المباني:
هنا لابدّ في التوقّف عند نقطتين:
النقطة الاُوّلى: هي أ نّنا لو فرضنا أ نّ المعنى الذي أشار إليه المحقّق الخراساني (قدس سره)في خصوص قاعدة لا ضرر يمكن أن يصدق هنا أيضاً ، فقوله «ما جعل» على أنها تفيد نفي الحقيقة . وكأ نّ آية: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} هي بمعنى: ليس في الدين وضوء حرجي . فإذا حملناها على هذا المعنى ، فهل هناك ثمرة بين هذا المعنى والمعنى الظاهري .
ذكر المرحوم البجنوردي (قدس سره) في كتابة القواعد الفقهية في قاعدة لا حرج ، ثمرة علمية مبتنية على أساس كلام المرحوم الشيخ الأنصاري (قدس سره) المحقق الخراساني (قدس سره) إذا أردنا تطبيق كلامهما على قاعدة لا حرج . والثمرة هي أن المرحوم الآخوند (قدس سره) في الكفاية في بعض الموارد استفاد من قاعدة لا حرج في إبطال وجوب الاحتياط العقلي .
بعبارة اُخرى: هناك بعض الموارد التي مع فرض عدم وجود قاعدة لا حرج ، يحكم العقل فيها بالاحتياط . ومن هذه الموارد الشبهات غير المحصورة .
ونعني بالشبهات غير المحصورة إنّك لو علمت علماً إجماليّاً بأ نّ أحد أفراد الخبز في المدينة طبخ من طحين نجس ولنفرض أن الطحين كان يحوي على فضلة فأر ، وتعلمون أ نّ في الشبهة المحصورة يحكم العقل بوجوب الاحتياط ، وبالتالي بوجوب الإجتناب في جميع أطراف العلم الإجمالي . والشبهات غير المحصورة حكمها الأوّلي هو نفس هذا الحكم . إذ أ نّ العلم الإجمالي لايختلف عن العلم
(الصفحة 118)
التفصيلي من حيث منجزيّته . فكما أ نّ العلم التفصيلي منجزّ ، العلم الإجمالي هو أيضاً منجّز ، فلو تحقّق العلم الإجمالي بالحرمة ، فإنّ العقل يحكم بلزوم الإجتناب إذا كانت أطراف العلم الإجمالي محصورة ، ويحكم بلزوم الإحتياط إذا كانت أطراف العلم الإجمالي غير محصورة ، إلاّ أ نّ المرحوم المحقق الخراساني (قدس سره) يقول بأ نّه من الممكن أن نرفع اليد عن لزوم الاحتياط بقاعدة نفي العسر والحرج .
ومن هنا وجد التباين بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة . لأ نّ لزوم الاحتياط في الشبهات المحصورة لايستلزم العسر والحرج . أمّا في الشبهات غير المحصورة فإنّ لزوم الاحتياط يسلتزم العسر والحرج . ولذلك نرفع اليد عن هذا اللزوم . ونقول: لايلزم عليك أن تحتاط . وأمّا القدر الذي يمكن أن يرتفع ، فهذا خارج عن دائرة البحث ، بل إنّ المرحوم الخراساني (قدس سره)يذهب إلى أكثر من ذلك ، وهو أ نّنا لانرفع اليد عن لزوم الاحتياط إستناداً إلى قاعدة نفي الحرج فحسب ، بل نجعل هذا المعنى هو الملاك في الشبهة غير المحصورة .
إذن ، المرحوم المحقق الخراساني (قدس سره) يرفع لزوم الاحتياط في الشبهة غير المحصورة بقاعدة العسر والحرج .
وهنا يُطرح هذا السؤال على المرحوم الخراساني (قدس سره): ما هو التعريف الذي عرفت به قاعدة نفي العسر والحرج والذي يمكن من خلاله رفع اليد عن لزوم الاحتياط العقلي مع كونه حكماً عقلياً بالتمسّك بقاعدة نفي الحرج؟
من وجهة نظرنا فإنّ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} غير خارجة عن دائرة الأحكام الشرعيّة . فالفعل «جعل» فاعله هو «الله» أي: ما جعل الله عليكم في الدين من حرج ، وقاعدة لا حرج تقول: إنّ الحكم الشرعي إذا استلزم الحرج فإنّ هذا الحكم حينئذ غير مجعول من قبل الباري عزّوجلّ .
ومن هنا في الشبهات غير المحصورة نسأل الآخوند (قدس سره) عن رأيه في قاعدة لا
|