(الصفحة 176)
(الناس مسلّطون على أموالهم) .
إلاّ أ نّ المرحوم الشيخ (قدس سره) يطرح طريقاً آخر وهو أ نّه من الممكن أن نقول: إنّ قاعدة (لا حرج) فيها حكومة على قاعدة (لا ضرر) ، فكما أنّ قاعدة (لا حرج) حاكمة على الأدلّة الأوّليّة فهي حاكمة أيضاً على قاعدة (لا ضرر) ، فلو فرضنا صحّة هذه الحكومة ، فإنّ قاعدة (لا حرج) تجري هنا ، ونسمح للمالك أن يحفر البالوعة .
إلاّ أنّ البحث أ نّه من أين جاء إحتمال الحكومة هذا؟ وما هو منشؤه؟ وهل بإمكاننا ـ حتّى كإحتمال ـ أن نجعل قاعدة (لا حرج) حاكمة على قاعدة (لا ضرر) ، أو أنّه لا يوجد أصلاً محلّ لمثل هذا الإحتمال؟ إذا فسّرنا (لا ضرر) كما فسّرها الشريعة الأصفهاني من أنّ (لا ضرر) مطروح بعنوان أ نّه دليل للحكم الأوّلي ، وأ نّ (لا ضرر في الإسلام) مثل (لا تشرب الخمر) يطرح كحكم أوّلي ، فإذن يصحّ لقائل أن يقول: إنّ قاعدة (لا حرج) كدليل حاكم على سائر الأدلّة الأوّليّة ، يتقدّم على قاعدة (لا ضرر) ، إلاّ أنّ الشيخ لايقول بهذا المبنى ، لأنّ (لا ضرر) و (لا حرج) في عرض واحد ، لا بتلك الكيفيّة التي طرحها المرحوم الشريعة الأصفهاني .
عندها نقول للشيخ: ما هو المنشأ لإحتمال حكومة (لا حرج) على (لا ضرر)؟ ليس بإمكاننا أن نذكر أيّ منشأ لهذا الإحتمال ، وإذا أردنا توضيحاً أكثر في هذا الخصوص نذكر كلام المرحوم المحقّق النائيني (الذي له أيضاً رسالة في موضوع «لا ضرر») وقد كتبها بنفسه ، بقلمه ظاهراً ، وفيها عندما يذكر خلاصة إشكاله على المرحوم الشيخ يقول: إنّ كلام الشيخ مبتن على مقدّمتين ، كلتاهما باطلتين وفاسدتين ، فإحدى المقدّمتين هي: أنّنا أصلاً لايمكننا أن نتصوّر التعارض بين قاعدة (لا حرج) و (لا ضرر) ، لماذا؟ يقول: لأنّ قاعدة (لا ضرر) تخبر عن نفي الحكم ، فإذا أراد شيء أن يعارض الدليل النافي ، فلابدّ أن يقوم هذا المعارض
(الصفحة 177)
بإثبات التكليف ، وأمّا إذا كان لسانهما معاً لسان النفي والعدم ، فكيف بإمكان العدمين أن يتعارضا؟
والمقدّمة الثانية: أن تكون قاعدة (لا حرج) متأخّرة عن قاعدة (لا ضرر) حتّى تكون ناظرة إليها وحاكمةً عليها ، كما أ نّها متأخّرة عن دليل وجوب الصوم ، لكونها ناظرة إليه وحاكمة عليه ، مع أ نّه لا يمكن أن يلتزم بأ نّ قاعدة لا حرج متأخّرة عن قاعدة لا ضرر ، بل كلتا القاعدتين حاكمتان على الأدلّة الأوّليّة في مرتبة واحدة وعرض واحد .
فيردّ على الشيخ أ نّه لا وجه لاحتمال حكومة قاعدة (لا حرج) على قاعدة (لا ضرر) .
جريان القاعدة فيما إذا تحقّق الموضوع من ناحية المكلّف
ثمّ إنّه لا شكّ في أنّ قاعدة لا حرج نافية للأحكام الحرجيّة الثابتة للشيء في حدّ نفسه ، إنّما الإشكال في ما إذا كان للشارع حكم شرعي ، ولكن موضوع ذلك الحكم إنّما يتحقّق من ناحية المكلّف ، بحيث إذا لم يمكن فعله اختياراً لم يترتّب عليه حكمٌ ، كما هو الحال في النذور ووجوب الوفاء به ، فإنّ وجوب الوفاء بالنذر وإن كان حكماً شرعيّاً ، إلاّ أ نّ موضوعه يتحقّق بيد المكلّف وباختياره ، فهل تجري قاعدة (لا حرج) في مثله إذا كان العمل بالنذر حرجيّاً ؟
الظاهر عدم جريان القاعدة في مثله ، لمّا تقدّم من صاحب الفصول في الجواب عن النقض بوجوب تمكين النفس للقصاص من أنّه إنّما نشأ الحرجيّة من نفس المكلّف واختياره لا من الحكم الشرعي .
إلى هنا تمّ ما أفاده دام ظلّه في قاعدة لا حرج ، وقد بحثه في شهر رمضان المبارك . والسلام
(الصفحة 178)
(الصفحة 179)
الفجر في الليالي المقمرة
(الصفحة 180)
|