(الصفحة 240)
إن قلت اقتصار الإمام (عليه السلام) في الجواب على ذكر هذه الطائفة إنّما هو بعنوان أنّها أحد موردي السؤال ، وإلاّ فالجواب عام شامل لكلا الموردين .
قلت : أوّلا هذا خلاف الظاهر جدّاً .
وثانياً أنّ هنا رواية تدل على أنّ الفرق بين عدّة ثلاثة أشهر وبين عدّة الموت أمر آخر ، وهي:
رواية عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): لأيّ علّة صارت عدّة المطلّقة ثلاثة أشهر وعدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً؟ قال: لأنّ حرقة المُطلّقة تسكن في ثلاثة أشهر ، وحرقة المتوفّى عنها زوجها لا تسكن إلاّ بعد أربعة أشهر وعشراً(1) .
2 ـ ورواية زرارة ـ وفي طريقها موسى بن بكر ـ قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدّت ، فتزوّجت ، فجاء زوجها الأوّل ، ففارقها ، وفارقها الآخر ، كم تعتدّ للناس ؟ قال : بثلاثة قروء ، وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء تحلّها للناس كلّهم .
قال زرارة: وذلك أنّ أناساً قالوا: تعتدّ عدّتين من كلّ واحدة عدّة ، فأبى ذلك أبو جعفر (عليه السلام) ، وقال: تعتدّ ثلاثة قروء ، فتحلّ للرّجال(2) .
ومن الواضح اختصاص قوله : «وإنّما يستبرأ رحمها بثلاثة قروء» بمن يكون لها الحيض ، كقوله تعالى :
{والمُطَلّقاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوء}(3) فلا يستفاد منها حكم من كانت عدّتها ثلاثة أشهر أصلا ، كما لا يخفى .
- (1) علل الشرائع: 508 ح2 ، الوسائل: 22 / 237 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب30 ح3 .
- (2) الكافي: 6 / 150 ح1 ، الوسائل: 22 / 254 ، كتاب الطلاق ،أبواب العدد ب38 ح1 .
- (3) سورة البقرة: 2 / 228 .
(الصفحة 241)
3 ـ وصحيحة أبي عبيدة قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن خصيّ تزوّج امرأة، وفرض لها صداقاً ، وهي تعلم أنّه خصيّ ، فقال : جائز ، فقيل : فإنّه مكث معها ما شاء الله ، ثم طلّقها ، هل عليها عدّة؟ قال : نعم أليس قد لذّ منها ، ولذّت منه؟ الحديث(1) .
إن قلت إنّ كون الرجل خصيّاً يلازم عدم إمكان الدخول ، وقد مرّ أنّه لا عدّة على من لم يدخل بها .
قلت نمنع استلزام كون الرجل خصيّاً; لعدم الدخول مطلقاً ، خصوصاً الدخول بالمقدار اللاّزم ، وهو الذي يعبّر عنه بالتقاء الختانين ، ويوجب الغسل والعدّة ، بل الظاهر كونه مانعاً عن تحقّق الدخول الموجب للحمل .
فقد انقدح أنّ هذه الروايات لا تكون في مقابلة الآية فقط ، بل هي مؤيّدة للآية الشريفة .
تكميل
نحن أثبتنا العدّة لمثل من أخرجت رحمها ولا تحيض ، مع كونها في سنّ من تحيض من طريق الأولويّة; نظراً إلى أنّ اليائسة المرتابة مع ثبوت الحيض لها إذا كانت لها عدّة ثلاثة أشهر ، فالمقام مع كونها في سن من تحيض قطعاً بطريق أولى .
ونحن نقول : إن لم يوجد في الروايات ما ينافي ظاهر الآية الشريفة فبها ، وإن فرض وجود طائفة منها ، بل طوائف على خلاف الآية الشريفة ، فطبعاً تكون مخالفة للأولوية المستفادة منها ، فبأيّ نحو يعامل معها بل بمنع الأولوية غير القابلة للمنع ، أو بمنع أصل دلالة الآية على حكم الأصل ، وهي غير قابلة للخدشة ، فاللاّزم المعاملة معها بنحو لا ينافي الآية الشريفة .
- (1) الكافي: 6 / 151 ح1 ، الوسائل: 22 / 255 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ب39 ح1 .
(الصفحة 242)مسألة 2 : يتحقّق الدخول بإيلاج تمام الحشفة قبلا أو دبراً وإن لم ينزل ، بل وإن كان مقطوع الاُ نثيين 1 .
نعم ، هنا بحث موضوعي وهو أنّ إخراج الرحم مع عدم ثبوت الإضطرار الشرعي إليه هل هو جائز أم لا؟ لكنّ الكلام في ثبوت الجواز وعدمه أمر ، وفي ثبوت العدّة عليها في صورة الطلاق مع الإخراج وعدمه أمر آخر ، إلى هنا تمّت الرسالة بحمد لله ربّ العالمين(1) .
- 1 - أقول: الذي يحصل من الأدلّة وجوب العدّة على العقيمة ، وذلك لصحيحة محمّد بن مسلم في الّتي لاتطمع في الولد ـ أي العقيمة ـ قلنا بدلالة الآية عليه أم لا ، كان العقم لمرض أو لإخراج الرحم . ولا تعارضها سائر الروايات; لأنّ ما دلّت على عدم العدّة لليائسة عامّ وهي خاصّ، وما دلّت على أنّ جعل العدّة لحفظ الأنساب وعدم اختلاط المياه ليست بصدد بيان العلّة المنحصرة ، بل بصدد بيان الحكمة ، والحكم لا تدور مدار الحكمة ، وما دلّت على كون الاعتداد بالأشهر مختصّ بمن لاتحيضومثلهاتحيض،كان مفهومهابقرينة سائرالأدلّة «مثلهاسنّاًتحيض»لامع حفظ جميع الخصوصيات. مضافاً إلى أنّها أوفق بالاحتياط وأقرب إلى حفظ الانساب الذي هو مورد توجّه جميع الأديان ، كما لا يخفى .
فما ذكره شيخنا الأستاذ متين جدّاً وإن خالفنا في كيفيّة الإستدلال ، والأمر لا ينحصر بإخراج الرحم بل يشمل جميع أنحاء إعقام المرأة وإفساد نطفة الرجل بالأجهزة الحديثة والأدوية العصريّة . ومع شكّ في ذلك كلّه كان المرجع عموم «إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدّة» وذيل صحيحة أبي عبيدة الواردة في ثبوت العدّة للخصيّ الدالّة على أنّ الموضوع بحسب الواقع هي الإلتذاذ بالدخول . (راجع باب 54 من أبواب المهور وباب 39 من أبواب العِدد) . «الكريمي القمّي»