(الصفحة 74)
القول بأ نّ إمرار اليد نفسه له أصالة وموضوعيّة ، والشرط في المسح أن تكون يدك مرطوبة .
إذن نعود ونؤكّد بأ نّه لايصحّ أن نقول بأ نّ إمرار اليد هو مقدّمة في باب المسح ، لأ نّ هذا المعنى لايلائم مع حقيقة المسح ، ولا يلائم مع قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} لأ نّ نفس عمليّة إمرار اليد لها مدخليّة في ماهيّة المسح ، بخلاف ماهية الغسل والذي يتحقق بغسل المحلّ بأيّ نحو كان .
إذن هناك فرق بين المسح وبين الغسل ، وليس بمقدورنا أن نفرض موضوع إمرار اليد مقدّمة في باب المسح ، أي أ نّ الغرض ليس إيصال رطوبة من الوضوء إلى الرأس وإلى الرجلين ، وإنّما الهدف هو تحقّق عنوان المسح ، ومن هنا يتّضح صحّة بيان المرحوم الشيخ الأنصاري (قدس سره) في هذا الخصوص حيث يقول: إنّ الآية: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} يستفاد منها حكمان لزوميان .
أحدهما: إمرار اليد ، ويستفاد هذا المعنى من الروايات والقرائن الخارجيّة .
والثاني: أ نّ ذاك المحل يجب أن يكون على بشرة ، كأن يكون بشرة الرأس وبشرة الرجلين .
إذن بعد أن أصبح قيد البشرة مستلزماً للحرج ، لانقطاع الظفر ووجود المرارة على المحلّ حيث لايمكن أن نرفع المرارة ـ قطعة الضماد والدواء الموضوع على محلّ الحرج ـ فإنّ هذا القيد ينتفي بواسطة الآية الكريمة: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} ، وأمّا أصل قوله تعالى «إمسحوا» فيما يخّص الوضوء الذي تتحقّق فيه حقيقة المسح وهي إمرار اليد فهو أمرٌ باق .
والإشكال الآخر الذي يشكل به على هذه الرواية ويحتاج إلى بحث ومناقشة ، هو أ نّ المسح على الرجلين يختلف عن المسح على الرأس ، فبالنسبة للمسح على الرأس لايلزم الاستيعاب ، لا طولاً ولا عرضاً ، ويكفي في ذلك أن
(الصفحة 75)
يصدق مسمُى المسح ، أمّا بالنسبة لمسح الرجل تقول الآية: {وَأَرْجُلَكُمْ} . فهنا أرجلكم معطوفة على الجار والمجرور ، أيّ أ نّ حرف الجرّ وهو «الباء» لم يدخل على كلمة «أرجلكم» وكما قلنا فإنّ المسح على الرجل يختلف عن المسح على الرأس في استيعاب تمام الرجل طولاً عند المسح ، ولايكفي أن يمسح المكلّف على ظفره ، والاستيعاب عند المسح طولاً يتحقّق بأن يمسح إلى الكعبين ، أمّا بالنسبة للإستيعاب في المسح عرضاً فهو غير لازم وإن كان مستحبّاً ، فالمكلّف عليه أن يمسح من رأس أحد أظافره ـ ولنفرض أظفر الأصبع الإبهام ـ إلى الكعبين ليتحقّق الإستيعاب الطولي وأمّا بالنسبة لبقيّة الأظافر فلا يلزم أن يمسح عليها .
والإشكال هو أ نّ عبد الأعلى لمّا قال: انقطع ظفري ، فهل يقصد جميع أظافر رجله؟ الواقع أ نّ ظهور الرواية لايعطي هذا المعنى ، أضف إلى ذلك أ نّ الإنسان عندما يعثر ويسقط على الأرض ، قد ينقطع له ظفر واحد أو ظفرين ، لا كلّ أظافره ، وبعد أن انقطع ظفرٌ أو ظفران من رجله ووضع عليه المرارة ، لماذا أمرهُ الإمام (عليه السلام)بأن يمسح على المرارة ولم يأمره بأن يمسح على بقية أظافره؟ فإنّ المسح بالنسبة لبقيّة الأظافر يمكن أن يتحقّق بتمام معناه ، كما أ نّه لا يشكل على المكلّف أيّ نوع من الحرج ، فإذا قلنا بأنّ الرواية تشير إلى انقطاع جميع أظافر الرجل ممّا أدّى أن تضمد المنطقة كلّها ، فهذا خلاف الظاهر ، مضافاً إلى ذلك أ نّ العثرة والسقوط على الأرض عادة لا تستوجب ذلك ، وإذا قلنا بأ نّ ظاهر الرواية يدلّ على أ نّ بعض أظافر رجله قد انقطعت وليس كلّها ، فالحكم الشرعي هو أن يمسح على بقيّة أظافره ، وهو بوسعه أن يفعل ذلك ، وليس فيه أيّ نوع من الحرج .
قد يقال في مقام الجواب إن الرّواية غير ناظرة إلى أظفار الرجل، بل موضوعها هو أظفار اليد ، حيث يلزم في غسل اليد استيعاب تمام الأجزاء من المرفق وحتّى أطراف الأصابع ، أي أ نّ في قول الإمام (عليه السلام) «إمسح عليه»
(الصفحة 76)
استبدل حكمان .
أحدهما: الغسل حيث استبدل بالمسح .
والآخر: هو البشرة ، حيث استبدلت بالجبيرة ، فهنا تمّت إلغاء حكمين شرعيين نظراً للحرج: الغسل ، ولزوم كون الغسل على البشرة ، لأ نّه بعد أن نضع الضماد فإنّ غسل هذا الضماد تبعاً لوجوب غسل اليد يستلزم الحرج ، لذلك يتبدّل الغسل إلى المسح والبشرة إلى الجبيرة .
ولكن هذا التغيير للرواية يحوي الكثير من المبعّدات:
أوّلها: أ نّ التعثّر إنّما يتعلّق بالرجل لا باليد .
ثانياً: السؤال لم يتضمّن أيّة إشارة إلى هذا المعنى ، وكان لازماً على المجيب على الأقلّ أن يقول بأ نّ الرواية فيها إطلاق ، لا أن ويحملها على خصوص ظفر اليد .
وثالثاً: يظهر من قول الإمام (عليه السلام) «إمسح عليه» أنّه (عليه السلام) لايريد أن يحدث تبديلاً في الحكم ، فكلمة «عليه» فيها دلالة كبيرة على أن يكون المسح على المرارة بدلاً من المسح على البشرة ، أمّا أن تتضمن الرّواية على تغيّر حكمين ، أحدهما: حلول المسح بدلاً من الغسل ، والثاني: أن تكون المرارة محلاًّ للمسح بدلاً عن البشرة ، فهذا مستبعد ، وبالتالي فإنّ حمل الرواية على أ نّها ناظرة إلى ظفر اليد غير صحيح ومستبعد جدّاً .
قد يقال: ما هو الخلل في هذا المعنى ؟ أو ليس أ نّ الفقه يقرُّ هذه المسألة وهي أنه إذا جُرحت اليد ، فإنّ الوضوء حينئذ يسمّى بوضوء الجبيرة ، ويمسح على الجبيرة؟
فنقول: هذا صحيح ، لكن لا علاقة له بهذه الرواية ، لأ نّ الرواية تقول: يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ، فبالنسبة لظفر اليد إذا انقطع ووضعت عليه مرارة ، فإنّ ما يعرف في هذه الحالة من كتاب الله هو أ نّ غسل هذه البشرة غير واجب ، لأ نّه
(الصفحة 77)
حرج وعسرٌ ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل ، فهذا مالا نستطيع أن نعرفه من كتاب الله ، فلولا هذه الرواية ، وكنّا نحن وآية الوضوء ، وآية نفي الحرج ، وانقطع ظفر يدنا ووضعنا عليه مرارة بحيث كان من الصعب أن نزيل المرارة ونغسلها حيث تسبّب لنا نوعاً من الحرج ، فهنا الوقوع في الحرج الحاصل من الغسل معناه أ نّ الغسل ليس بواجب ، أمّا وجوب المسح ، فهذا مالا نجدهُ في كتاب الله ، مهما دقّقنا وأمعنّا النظر .
وأقصى ما نجد في كتاب الله تعالى هو أ نّ الغسل والمسح حقيقتان مختلفان ، وليس المسح المرتبة النازلة من الغسل ، ولذلك عندما يسأل الفقيه في باب الوضوء ، عن حقيقة الوضوء ، فيقول: هو غسلتان ومسحتان ، فللمسح ماهيّة وللغسل ماهية اُخرى ، وليس المسح من مراتب الغسل ، ولمّا كان الغسل يوجب الحرج ، حينذاك يرتفع الغسل ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل فإنّه يطلب دليلاً خاصّاً ، ونحن قد استفدنا هذا المعنى من الروايات الاُخرى من غير روايات الحرج ، ومن دون أن نجمع بين آية الوضوء ودليل نفي الحرج . حيث توجد روايات خاصّة وحكم تعبديّ خاصّ فيما يخصّ ظفر اليد فهنا الغسل يتبدّل إلى المسح ، لا أ نّ التبّدل يعرف من كتاب الله ، فهذه المسألة لا يمكن أن نعرفها من كتاب الله .
إذن ، بناءً على قوله: (إمسح على المرارة) لايبقى هناك أدنى شكّ في أ نّ موضوع السؤال هو أظفار الرجل بالإضافة إلى ما قرأناه في أوّل الرواية ، حيث يقول الراوي : (عثرت) فمن خلال كلمة «عثرت» يتبادر إلى الذهن أ نّ المراد هو ظفر الرجل .
وهنا لقائل أن يقول: هذا المعنى نحصل عليه من خلال النظرة البدوية ، ولا دليل لدينا يدعم هذا المعنى .
(الصفحة 78)
نقول: دليلنا على ذلك هو قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» فهو قرينة على أ نّ الظفر ، ظفر الرجل .
إلاّ أنه كيف نواجه الإشكال هذا ، وهو إذا أنقطع ظفر واحد أو اثنين ، ووضعت على المحلّ مرارة ، فلماذا يكون المسح على المرارة ولا نمسح على بقيّة الأظفار؟
وفي معرض الرّد على هذا الإشكال نقول: إنّ علينا أن نحمل الرواية بلحاظ هذه القرينة الخارجيّة على أ نّ أظفار الرجل الواحدة قد أنقطعت أثر التعثّر ، بحيث لايمكن للمكلّف أن يمسح على أيّ أظفر ولا على بشرة أيّ من الأظافر ، وللعمل بالآية: {فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} لابدّ للمكلّف من المسح على المرارة في الخارج .
وهذه النقطة هامّة ودقيقة تُرشدنا إلى تفسير الرواية بهذا المعنى .
وهنا نورد مؤيّداً آخر على أ نّ المراد هو ظفر الرجل لأظفر اليد ، وذلك برفع اشكال آخر يرد على الرواية ، فقد أشكل البعض بأ نّ الرواية عندما تصرّح بـ«إمسح على المرارة» فإنّ مورد الرواية هذا ليس فيه خصوصيّة معيّنة ، ويلزم عن هذه أمرٌ لايلتزم به أحدٌ من الناس ، فلو كان الإنسان مريضاً ، بحيث يضرّ الماء به ، فما المانع من أن يتوضّأ على القميص ، ويمسح عليه ، فهل يوجد هناك فقيه يفتي بذلك ، يعني إذا أضرَّ الماء بشخص فلماذا ينتقل من فرض الوضوء إلى فرض التيمّم ، لماذا لا يتوضّأ على القميص كما قال الإمام (عليه السلام) إمسح على المرارة . هنا أيضاً يكون الفرض أن يمسح على اليد ، لأنّه ما الفرق بين أن يمسح على المرارة وعلى القميص ، ألم يكن حكم الظفر هو وجوب الغسل؟ ألم يتوجب في بادئ الأمر غسل البشرة ، وقد انتقل الحكم إلى المسح على المرارة؟ إذن بالنسبة لهذا الفرض ، لماذا لايصحّ لنا أن نأمر المكلّف بأن يمسح على القميص؟ فما الفرق بين المسح على المرارة
|