(الصفحة 76)
استبدل حكمان .
أحدهما: الغسل حيث استبدل بالمسح .
والآخر: هو البشرة ، حيث استبدلت بالجبيرة ، فهنا تمّت إلغاء حكمين شرعيين نظراً للحرج: الغسل ، ولزوم كون الغسل على البشرة ، لأ نّه بعد أن نضع الضماد فإنّ غسل هذا الضماد تبعاً لوجوب غسل اليد يستلزم الحرج ، لذلك يتبدّل الغسل إلى المسح والبشرة إلى الجبيرة .
ولكن هذا التغيير للرواية يحوي الكثير من المبعّدات:
أوّلها: أ نّ التعثّر إنّما يتعلّق بالرجل لا باليد .
ثانياً: السؤال لم يتضمّن أيّة إشارة إلى هذا المعنى ، وكان لازماً على المجيب على الأقلّ أن يقول بأ نّ الرواية فيها إطلاق ، لا أن ويحملها على خصوص ظفر اليد .
وثالثاً: يظهر من قول الإمام (عليه السلام) «إمسح عليه» أنّه (عليه السلام) لايريد أن يحدث تبديلاً في الحكم ، فكلمة «عليه» فيها دلالة كبيرة على أن يكون المسح على المرارة بدلاً من المسح على البشرة ، أمّا أن تتضمن الرّواية على تغيّر حكمين ، أحدهما: حلول المسح بدلاً من الغسل ، والثاني: أن تكون المرارة محلاًّ للمسح بدلاً عن البشرة ، فهذا مستبعد ، وبالتالي فإنّ حمل الرواية على أ نّها ناظرة إلى ظفر اليد غير صحيح ومستبعد جدّاً .
قد يقال: ما هو الخلل في هذا المعنى ؟ أو ليس أ نّ الفقه يقرُّ هذه المسألة وهي أنه إذا جُرحت اليد ، فإنّ الوضوء حينئذ يسمّى بوضوء الجبيرة ، ويمسح على الجبيرة؟
فنقول: هذا صحيح ، لكن لا علاقة له بهذه الرواية ، لأ نّ الرواية تقول: يُعرف هذا وأشباهه من كتاب الله ، فبالنسبة لظفر اليد إذا انقطع ووضعت عليه مرارة ، فإنّ ما يعرف في هذه الحالة من كتاب الله هو أ نّ غسل هذه البشرة غير واجب ، لأ نّه
(الصفحة 77)
حرج وعسرٌ ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل ، فهذا مالا نستطيع أن نعرفه من كتاب الله ، فلولا هذه الرواية ، وكنّا نحن وآية الوضوء ، وآية نفي الحرج ، وانقطع ظفر يدنا ووضعنا عليه مرارة بحيث كان من الصعب أن نزيل المرارة ونغسلها حيث تسبّب لنا نوعاً من الحرج ، فهنا الوقوع في الحرج الحاصل من الغسل معناه أ نّ الغسل ليس بواجب ، أمّا وجوب المسح ، فهذا مالا نجدهُ في كتاب الله ، مهما دقّقنا وأمعنّا النظر .
وأقصى ما نجد في كتاب الله تعالى هو أ نّ الغسل والمسح حقيقتان مختلفان ، وليس المسح المرتبة النازلة من الغسل ، ولذلك عندما يسأل الفقيه في باب الوضوء ، عن حقيقة الوضوء ، فيقول: هو غسلتان ومسحتان ، فللمسح ماهيّة وللغسل ماهية اُخرى ، وليس المسح من مراتب الغسل ، ولمّا كان الغسل يوجب الحرج ، حينذاك يرتفع الغسل ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل فإنّه يطلب دليلاً خاصّاً ، ونحن قد استفدنا هذا المعنى من الروايات الاُخرى من غير روايات الحرج ، ومن دون أن نجمع بين آية الوضوء ودليل نفي الحرج . حيث توجد روايات خاصّة وحكم تعبديّ خاصّ فيما يخصّ ظفر اليد فهنا الغسل يتبدّل إلى المسح ، لا أ نّ التبّدل يعرف من كتاب الله ، فهذه المسألة لا يمكن أن نعرفها من كتاب الله .
إذن ، بناءً على قوله: (إمسح على المرارة) لايبقى هناك أدنى شكّ في أ نّ موضوع السؤال هو أظفار الرجل بالإضافة إلى ما قرأناه في أوّل الرواية ، حيث يقول الراوي : (عثرت) فمن خلال كلمة «عثرت» يتبادر إلى الذهن أ نّ المراد هو ظفر الرجل .
وهنا لقائل أن يقول: هذا المعنى نحصل عليه من خلال النظرة البدوية ، ولا دليل لدينا يدعم هذا المعنى .
(الصفحة 78)
نقول: دليلنا على ذلك هو قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» فهو قرينة على أ نّ الظفر ، ظفر الرجل .
إلاّ أنه كيف نواجه الإشكال هذا ، وهو إذا أنقطع ظفر واحد أو اثنين ، ووضعت على المحلّ مرارة ، فلماذا يكون المسح على المرارة ولا نمسح على بقيّة الأظفار؟
وفي معرض الرّد على هذا الإشكال نقول: إنّ علينا أن نحمل الرواية بلحاظ هذه القرينة الخارجيّة على أ نّ أظفار الرجل الواحدة قد أنقطعت أثر التعثّر ، بحيث لايمكن للمكلّف أن يمسح على أيّ أظفر ولا على بشرة أيّ من الأظافر ، وللعمل بالآية:
{فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} لابدّ للمكلّف من المسح على المرارة في الخارج .
وهذه النقطة هامّة ودقيقة تُرشدنا إلى تفسير الرواية بهذا المعنى .
وهنا نورد مؤيّداً آخر على أ نّ المراد هو ظفر الرجل لأظفر اليد ، وذلك برفع اشكال آخر يرد على الرواية ، فقد أشكل البعض بأ نّ الرواية عندما تصرّح بـ«إمسح على المرارة» فإنّ مورد الرواية هذا ليس فيه خصوصيّة معيّنة ، ويلزم عن هذه أمرٌ لايلتزم به أحدٌ من الناس ، فلو كان الإنسان مريضاً ، بحيث يضرّ الماء به ، فما المانع من أن يتوضّأ على القميص ، ويمسح عليه ، فهل يوجد هناك فقيه يفتي بذلك ، يعني إذا أضرَّ الماء بشخص فلماذا ينتقل من فرض الوضوء إلى فرض التيمّم ، لماذا لا يتوضّأ على القميص كما قال الإمام (عليه السلام) إمسح على المرارة . هنا أيضاً يكون الفرض أن يمسح على اليد ، لأنّه ما الفرق بين أن يمسح على المرارة وعلى القميص ، ألم يكن حكم الظفر هو وجوب الغسل؟ ألم يتوجب في بادئ الأمر غسل البشرة ، وقد انتقل الحكم إلى المسح على المرارة؟ إذن بالنسبة لهذا الفرض ، لماذا لايصحّ لنا أن نأمر المكلّف بأن يمسح على القميص؟ فما الفرق بين المسح على المرارة
(الصفحة 79)
أو المسح على القميص؟
والجواب: هو أ نّ قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» فسّرت بشكل مغلوط ، حيث إنّ الأمر بالمسح على المرارة لم يكن بالنسبة لظفر اليد ، فلو كان بخصوص ظفر اليد ، لكان للإشكال هذا مدخليّة ، لأ نّه لا فرق بين أن يقال للمكلّف : «إمسح على المرارة» أو «إمسح على القميص» ، لأ نّ الغسل على البشرة فيه حرجٌ .
إذن يرد هذا الإشكال إذا قلنا بأ نّ موضوع الرواية هو أظفار اليد ، وأمّا إذا أرجعنا قول المعصوم (عليه السلام) «إمسح على المرارة» إلى ظفر الرجل ، فإن عمليّة المسح باقية بقوّتها ، وإنما الّذي يتخصّص به الحرج هو المباشرة وإمرار اليد على البشرة لما فيها من الحرج .
وأمّا إذا قررّنا أ نّ قوله (عليه السلام)
«إمسح على المرارة» هو في خصوص ظفر الرجل ، فهل هذا يستلزم أن نقول بالمسح على القميص أيضاً ؟ فالملاك في إمسح على المرارة بالنسبة لظفر الرجل والمسح على القميص في غسل اليد واحد ، أو أ نّ في المسح على المرارة بدل الظفر هناك حكم واحد قد تغيّر ، وهو المسح على البشرة ، أمّا ماهيّة المسح فهي باقية .
ولقائل أن يقول: بغضّ النظر عن الرواية ، فإن أيّ شخص إذا انقطع ظفره ووضعت عليه المرارة يكون صدور الحكم بالمسح على المرارة هو حكم خاصّ ، وله روايات خاصّة ، وهناك روايات خاصّة في المسح على الجبيرة ، وهذه الرّوايات الخاصّة لاتفيد بأ نّ المريض يمكنه أن يمسح على القميص ، ولكن في خصوص هذه الرواية ، أي رواية عبد الأعلى مولى آل سام يمكننا أن نُسند هذا المعنى إليها . فالرواية تفيد العموم ، لأ نّها لم تذكر خصوصيّة معينّة لظفر اليد ، وإنّما قالت: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله .
وهكذا ، فإن رواية عبد الأعلى مولى آل سام وإن لم نستطع أن نحرز جانب
(الصفحة 80)
السند فيها ، لكنّها من حيث الدلالة والمعنى رواية واضحة ومعتبرة ، وتتفرّد هذه الرواية عن غيرها من الروايات بميزة وهي قول الإمام بأنّه: لا حاجة لمثل هذا السؤال: لأ نّكم بإمكانكم أن تستفيدوا هذه المسألة من آية نفي الحرج ، وهذا أبلغ وأرفع درجة من مجرّد استشهاد الإمام بآية نفي الحرج .
وفي هذا المجال توجد هناك عدّة روايات نستشهد بواحدة منها في خصوص معنى الحرج والتي نحتاج إليها فيما بعد .
رواية قرب الإسناد
عبدالله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد ـ وكتاب قرب الإسناد ، كتاب صغير ، وقد طبع هذا الكتاب في زمن المرحوم السيّد البروجردي (قدس سره) ، والسبب بتسميته بـ«قرب الإسناد» هو أ نّ رواته قليلون ـ عن مسعدة بن زياد وهذا الراوي من الثقات .
قال مسعدة . . . عن جعفر عن أبيه عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال:
«مما أعطى الله أمتي وفضّلهم على سائر الاُمم ، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطهم إلاّ نبيّ . . . .»(1)وفي بعض النسخ وردت العبارة بصورة مغلوطة ، وهي: لم يعطها الأنبياء ، والصحيح: لم يعطها إلاّ الأنبياء ، أو لم يعطها إلاّ نبيّاً . أحد هذه الخصال هو رفع الحرج ، وذلك أ نّ الله تبارك وتعالى ، كان إذا بعث نبيّاً قال له: اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، أيّ أن الإجتهاد يجب أن لايوقعك في حرج ومشقّة ، وهذه من خصائص الأنبياء السابقين . ولكن بالنسبة إلى اُمم هؤلاء الأنبياء كان هناك حرج في التكليف ومشقّة .