(الصفحة 77)
حرج وعسرٌ ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل ، فهذا مالا نستطيع أن نعرفه من كتاب الله ، فلولا هذه الرواية ، وكنّا نحن وآية الوضوء ، وآية نفي الحرج ، وانقطع ظفر يدنا ووضعنا عليه مرارة بحيث كان من الصعب أن نزيل المرارة ونغسلها حيث تسبّب لنا نوعاً من الحرج ، فهنا الوقوع في الحرج الحاصل من الغسل معناه أ نّ الغسل ليس بواجب ، أمّا وجوب المسح ، فهذا مالا نجدهُ في كتاب الله ، مهما دقّقنا وأمعنّا النظر .
وأقصى ما نجد في كتاب الله تعالى هو أ نّ الغسل والمسح حقيقتان مختلفان ، وليس المسح المرتبة النازلة من الغسل ، ولذلك عندما يسأل الفقيه في باب الوضوء ، عن حقيقة الوضوء ، فيقول: هو غسلتان ومسحتان ، فللمسح ماهيّة وللغسل ماهية اُخرى ، وليس المسح من مراتب الغسل ، ولمّا كان الغسل يوجب الحرج ، حينذاك يرتفع الغسل ، أمّا أن يحلّ المسح محلّ الغسل فإنّه يطلب دليلاً خاصّاً ، ونحن قد استفدنا هذا المعنى من الروايات الاُخرى من غير روايات الحرج ، ومن دون أن نجمع بين آية الوضوء ودليل نفي الحرج . حيث توجد روايات خاصّة وحكم تعبديّ خاصّ فيما يخصّ ظفر اليد فهنا الغسل يتبدّل إلى المسح ، لا أ نّ التبّدل يعرف من كتاب الله ، فهذه المسألة لا يمكن أن نعرفها من كتاب الله .
إذن ، بناءً على قوله: (إمسح على المرارة) لايبقى هناك أدنى شكّ في أ نّ موضوع السؤال هو أظفار الرجل بالإضافة إلى ما قرأناه في أوّل الرواية ، حيث يقول الراوي : (عثرت) فمن خلال كلمة «عثرت» يتبادر إلى الذهن أ نّ المراد هو ظفر الرجل .
وهنا لقائل أن يقول: هذا المعنى نحصل عليه من خلال النظرة البدوية ، ولا دليل لدينا يدعم هذا المعنى .
(الصفحة 78)
نقول: دليلنا على ذلك هو قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» فهو قرينة على أ نّ الظفر ، ظفر الرجل .
إلاّ أنه كيف نواجه الإشكال هذا ، وهو إذا أنقطع ظفر واحد أو اثنين ، ووضعت على المحلّ مرارة ، فلماذا يكون المسح على المرارة ولا نمسح على بقيّة الأظفار؟
وفي معرض الرّد على هذا الإشكال نقول: إنّ علينا أن نحمل الرواية بلحاظ هذه القرينة الخارجيّة على أ نّ أظفار الرجل الواحدة قد أنقطعت أثر التعثّر ، بحيث لايمكن للمكلّف أن يمسح على أيّ أظفر ولا على بشرة أيّ من الأظافر ، وللعمل بالآية:
{فَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} لابدّ للمكلّف من المسح على المرارة في الخارج .
وهذه النقطة هامّة ودقيقة تُرشدنا إلى تفسير الرواية بهذا المعنى .
وهنا نورد مؤيّداً آخر على أ نّ المراد هو ظفر الرجل لأظفر اليد ، وذلك برفع اشكال آخر يرد على الرواية ، فقد أشكل البعض بأ نّ الرواية عندما تصرّح بـ«إمسح على المرارة» فإنّ مورد الرواية هذا ليس فيه خصوصيّة معيّنة ، ويلزم عن هذه أمرٌ لايلتزم به أحدٌ من الناس ، فلو كان الإنسان مريضاً ، بحيث يضرّ الماء به ، فما المانع من أن يتوضّأ على القميص ، ويمسح عليه ، فهل يوجد هناك فقيه يفتي بذلك ، يعني إذا أضرَّ الماء بشخص فلماذا ينتقل من فرض الوضوء إلى فرض التيمّم ، لماذا لا يتوضّأ على القميص كما قال الإمام (عليه السلام) إمسح على المرارة . هنا أيضاً يكون الفرض أن يمسح على اليد ، لأنّه ما الفرق بين أن يمسح على المرارة وعلى القميص ، ألم يكن حكم الظفر هو وجوب الغسل؟ ألم يتوجب في بادئ الأمر غسل البشرة ، وقد انتقل الحكم إلى المسح على المرارة؟ إذن بالنسبة لهذا الفرض ، لماذا لايصحّ لنا أن نأمر المكلّف بأن يمسح على القميص؟ فما الفرق بين المسح على المرارة
(الصفحة 79)
أو المسح على القميص؟
والجواب: هو أ نّ قوله (عليه السلام) «إمسح على المرارة» فسّرت بشكل مغلوط ، حيث إنّ الأمر بالمسح على المرارة لم يكن بالنسبة لظفر اليد ، فلو كان بخصوص ظفر اليد ، لكان للإشكال هذا مدخليّة ، لأ نّه لا فرق بين أن يقال للمكلّف : «إمسح على المرارة» أو «إمسح على القميص» ، لأ نّ الغسل على البشرة فيه حرجٌ .
إذن يرد هذا الإشكال إذا قلنا بأ نّ موضوع الرواية هو أظفار اليد ، وأمّا إذا أرجعنا قول المعصوم (عليه السلام) «إمسح على المرارة» إلى ظفر الرجل ، فإن عمليّة المسح باقية بقوّتها ، وإنما الّذي يتخصّص به الحرج هو المباشرة وإمرار اليد على البشرة لما فيها من الحرج .
وأمّا إذا قررّنا أ نّ قوله (عليه السلام)
«إمسح على المرارة» هو في خصوص ظفر الرجل ، فهل هذا يستلزم أن نقول بالمسح على القميص أيضاً ؟ فالملاك في إمسح على المرارة بالنسبة لظفر الرجل والمسح على القميص في غسل اليد واحد ، أو أ نّ في المسح على المرارة بدل الظفر هناك حكم واحد قد تغيّر ، وهو المسح على البشرة ، أمّا ماهيّة المسح فهي باقية .
ولقائل أن يقول: بغضّ النظر عن الرواية ، فإن أيّ شخص إذا انقطع ظفره ووضعت عليه المرارة يكون صدور الحكم بالمسح على المرارة هو حكم خاصّ ، وله روايات خاصّة ، وهناك روايات خاصّة في المسح على الجبيرة ، وهذه الرّوايات الخاصّة لاتفيد بأ نّ المريض يمكنه أن يمسح على القميص ، ولكن في خصوص هذه الرواية ، أي رواية عبد الأعلى مولى آل سام يمكننا أن نُسند هذا المعنى إليها . فالرواية تفيد العموم ، لأ نّها لم تذكر خصوصيّة معينّة لظفر اليد ، وإنّما قالت: يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله .
وهكذا ، فإن رواية عبد الأعلى مولى آل سام وإن لم نستطع أن نحرز جانب
(الصفحة 80)
السند فيها ، لكنّها من حيث الدلالة والمعنى رواية واضحة ومعتبرة ، وتتفرّد هذه الرواية عن غيرها من الروايات بميزة وهي قول الإمام بأنّه: لا حاجة لمثل هذا السؤال: لأ نّكم بإمكانكم أن تستفيدوا هذه المسألة من آية نفي الحرج ، وهذا أبلغ وأرفع درجة من مجرّد استشهاد الإمام بآية نفي الحرج .
وفي هذا المجال توجد هناك عدّة روايات نستشهد بواحدة منها في خصوص معنى الحرج والتي نحتاج إليها فيما بعد .
رواية قرب الإسناد
عبدالله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الإسناد ـ وكتاب قرب الإسناد ، كتاب صغير ، وقد طبع هذا الكتاب في زمن المرحوم السيّد البروجردي (قدس سره) ، والسبب بتسميته بـ«قرب الإسناد» هو أ نّ رواته قليلون ـ عن مسعدة بن زياد وهذا الراوي من الثقات .
قال مسعدة . . . عن جعفر عن أبيه عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال:
«مما أعطى الله أمتي وفضّلهم على سائر الاُمم ، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطهم إلاّ نبيّ . . . .»(1)وفي بعض النسخ وردت العبارة بصورة مغلوطة ، وهي: لم يعطها الأنبياء ، والصحيح: لم يعطها إلاّ الأنبياء ، أو لم يعطها إلاّ نبيّاً . أحد هذه الخصال هو رفع الحرج ، وذلك أ نّ الله تبارك وتعالى ، كان إذا بعث نبيّاً قال له: اجتهد في دينك ولا حرج عليك ، أيّ أن الإجتهاد يجب أن لايوقعك في حرج ومشقّة ، وهذه من خصائص الأنبياء السابقين . ولكن بالنسبة إلى اُمم هؤلاء الأنبياء كان هناك حرج في التكليف ومشقّة .
(الصفحة 81)
وكما أشرنا سابقاً فان الآية الشريفة:
{وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} ، تفيدنا أ نّ الإصر كان محمّلاً على الاُمم السّابقة ، وكانت الاُمم مكلّفة بما فيه الحرج والمشقّة ، وقد استعرضنا بعض هذه التكاليف سابقاً .
نعود للرواية . يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في تتمّة قوله: إنّ الله تبارك وتعالى أعطى ذلك أمَّتي حيث يقول:
{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} وكما قلنا فإنّ الهدف من إستعراض هذه الرواية هو أ نّ هذه الرواية تفسّر لنا الآية حيث يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في هذه الرواية «من ضيق» وقول الرسول هذا ناظرٌ إلى الآية
{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} يعني من ضيق ، وسنصل في ما بعد إلى معاني هذه المفردات ، منها كلمة الحرج ، وكلمة العسر ، والإصر ، وتضاف إلى هذه المفردات كلمة الضيق هذه والتي جاء مفسّرة للآية «من حرج» .
إذن هذه الرواية لها دلالة تامّة على هذا المعنى ، كما أ نّها تبيّن الإمتنان الإلهي والعناية الرّبانيّة على هذه الاُمّة حيث رفع عنها الحرج .
الرواية الثالثة:
من الروايات التي تدخل في هذا المضار ، هي الرواية التي ينقلها صاحب الوسائل في أبواب الماء المطلق ، وهي رواية موثّقة يرويها أبو بصير(1) .
قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام):
«إننا نسافر فربّما بُلينا من الغدير من المطر كان إلى جانب القرية» وقوله
«بُلينا» بلحاظ العبارة التي تأتي بعدها وهي «فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدّابة وتروث؟
فقال الإمام الصادق (عليه السلام):
«إن عرض في قلبك شيء فقل هكذا ، أو فافعل
- 1 . الوسائل 1: 163 ، الباب 9 من أبواب الماء المطلق ، الحديث 9 .