(الصفحة 143)
فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»(1) .
ومنها : خبر سماعة قال : «من قرأ
{إقرأ باسم ربك} فإذا ختمها فليسجد، فاذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع»، قال : «وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع ولا تقرأ في الفريضة إقرأ في التطوّع»(2) وذيله قرينة على أنّ مورد الصدر هي النافلة وقوله(عليه السلام) : «وإن ابتليت بها . . .» ، لا ينافي حرمة قراءة إقرأ في الفريضة ، نظراً إلى أنّ مورد الجماعة هي الفريضة ، وذلك لأنّ المراد بالإمام هو الإمام المخالف كما هو ظاهر ، فلا بأس في حمله على ما إذا اقتدى في النافلة به تقية .
ومنها : خبر عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام)، عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، فقال : «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها وإن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها». وعن الرجل يصلّي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلّي لنفسه وربما قرؤوا آية من العزيمة فلا يسجدون فيها فكيف يصنع؟ قال : «لايسجد»(3) .
وظاهر الرواية جواز التبعيض والقران ، وقد عرفت أنّ الأول مخالف لفتوى الأصحاب ، فتكون الرواية شاذّة غير معمول بها .
ومنها : خبر عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى(عليه السلام) عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة «النجم» أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : «يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة
- (1) الكافي 3 : 318 ح6; التهذيب 2 : 96 ح361; الوسائل 6 : 105. أبواب القراءة في الصلاة ب40 ح1.
- (2) التهذيب 2: 292 ح1174، الإستبصار 1: 320 ح1191، الوسائل 6: 102 و105. أبواب القراءة في الصلاة ب37 ح2 وب40 ح2.
- (3) التهذيب 2 : 293 ح1177; الوسائل 6 : 105 . أبواب القراءة في الصلاة ب40 ح3 وص103 ب38 ح2 .
(الصفحة 144)
بسجدة»(1) . ولا يخفى التهافت والمناقضة بين صدر الرواية الدالّ على جواز قراءة «سورة النجم» في الفريضة ، وذيلها الدالّ على أنّ ذلك زيادة فيها ، وعلى النهي عن العود إلى مثلها ، فالعمدة في المقام هي رواية زرارة ، ولابدّ من التكلّم في مدلولها.
فنقول : يجري في معناها احتمالات كثيرة :
1 ـ أن يكون النهي عن القراءة فيها إرشاداً إلى مانعية قراءة شيء من العزائم للصلاة ، بمعنى أنّه لا يترتب الأثر المترقّب من الصلاة عليها مع قراءة شيء من العزائم فيها ، نظير سائر النواهي التي تتعلّق بإيجاد شيء في المأمور به ، كالنهي عن التكلّم في الصلاة ونظائره ، ولازم هذا الاحتمال بطلان الصلاة بمجرّد قراءة سورة منها .
2 ـ أن يكون النهي دالاًّ على أنّ وظيفة المصلّي ـ أي وجوب قراءة سورة من القرآن ـ بعد قراءة الفاتحة ، وقبل الركوع لا يتحقّق بقراءة شيء من العزائم بعد الفاتحة ، بل أداؤها إنما يتوقّف على قراءة سورة من القرآن ، غير سور العزائم ، ولازم هذا الاحتمال صحة الصلاة لو جمع بينها وبين سورة اُخرى ، لأداء وظيفته بقراءة سورة اُخرى ، إلاّ أن يستشكل في ذلك من جهة القِران بين السورتين ، كما أنّ البطلان فيما لو اقتصر على قراءة شيء من سور العزائم ، يكون مستنداً إلى فقد بعض الأجزاء الواجبة كما هو واضح .
3 ـ أن يكون النهي إرشاداً إلى أنّه لو قرأ المصلّي شيئاً منها ، ليقع في محذور مخالفة أحد التكليفين المتزاحمين ، لأنّه إمّا أن يسجد بعد قراءة آية السجدة ، وإمّا أن لا يسجد ، فعلى الأول يقع في محذور مخالفة حرمة قطع الصلاة وإبطالها ، لأنّ السجود زيادة مبطلة ، وعلى الثاني يقع في محذور مخالفة وجوب السجدة عند قراءة
- (1) قرب الإسناد : 172 ح762; مسائل عليّ بن جعفر: 185 ح366; الوسائل 6: 106. أبواب القراءة في الصلاة ب40 ح4.
(الصفحة 145)
آيتها ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون التكليفان مختلفين من حيث الأهمية ، أو متساويين ، لأنّ المكلّف يوقع نفسه اختياراً في مخالفة أحدهما، ويبتلي نفسه بهما .
4 ـ أن يكون ذلك أي الابتلاء بالتكليفين المتزاحمين ، والوقوع في مخالفة أحدهما حكمة لتعلّق النهي التحريمي بنفس قراءة شيء منها .
5 ـ أن يكون النهي عن القراءة باعتبار السجود الذي يعدّ بنظر العرف جزءً للسورة ، أو باعتبار كونه لازماً شرعياً لقراءة آية السجدة ، فيصير معنى الرواية إنّه لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم ، لأنّها موجبة للسجدة شرعاً ، والسجود زيادة في الفريضة، والزيادة العمدية مبطلة لها ، فتكون المقدّمة الأولى والأخيرة مطويّتين في الرواية .
هذا ، ولا يخفى أنّ الاحتمالين الأوّلين لا يناسب شيء منهما ، مع التعليل الوارد في الرواية كما هو ظاهر ، وأمّا الاحتمال الثالث والرابع فهما أيضاً خلاف ظاهر الرواية ، لأنّ غرضها أنّه لا تنطبق طبيعة الصلاة المأمور بها التي يجب على كلّ مكلّف الإتيان بها ، وامتثال أمرها بإيجادها في الخارج ، على الصلاة التي قرأ فيها شيء من العزائم ، فلا يتحقّق الامتثال الموجب لسقوط الأمر ، بإتيان الصلاة المشتملة على قراءة شيء منها ، ولا تعرّض في الرواية لحرمة قطع الصلاة وإبطالها المتوجهة إلى المكلّف بعد الشروع فيها .
وبالجملة: هنا تكليفان :
أحدهما : الأمر بطبيعة الصلاة ووجوبها .
وثانيهما : وجوب الاتمام بعد الشروع وحرمة القطع والابطال . ولا ارتباط لأحدهما بالآخر ، لأنّ المكلّف قد يقع في محذور مخالفة الثاني دون الأول ، كما إذا قطع صلاته عمداً ثم شرع في صلاة اُخرى وأتمّها ، فإنّه امتثل الأمر المتعلّق بطبيعة الصلاة ، وخالف الأمر بالاتمام ، والنهي عن الإبطال .
(الصفحة 146)
ومن المعلوم أنّ الرواية ناظرة إلى الأمر الأول وأنّه لا يسقط بالإتيان بالصلاة المشتملة على سورة العزيمة ، ولا تعرّض لها إلى الأمر الثاني أصلا .
وأمّا الاحتمال الأخير فشقه الأول الراجع إلى أنّ النهي إنما هو باعتبار السجود الذي يكون بنظر العرف جزءً ، فهو أيضاً خلاف الظاهر ، لأنّ العرف لا يفرق بين السجدات الواجبة والمندوبة من هذه الجهة أصلا ، فالتعبير بالعزائم الدالّ على أنّ وجوب السجود له مدخلية في الحكم ينفي ذلك ، فينحصر المراد من الرواية في الشقّ الأخير الراجع إلى أنّ النهي إنما هو باعتبار وجوب السجود الذي يكون لازماً شرعيّاً لقراءة آية السجدة التي تشتمل عليها السورة .
ولا يخفى أنّ الرواية بناءً على هذا أيضاً لا تكون ناظرة إلى أنّ السجود زيادة ، والزيادة مبطلة ، والإبطال حرام شرعاً ، بل المقصود منها بطلان الصلاة بسبب السجود ، فلا تصلح للامتثال ، لعدم انطباق طبيعة الصلاة المأمور بها عليها مع زيادة السجدة ، فتكون ناظرة إلى الأمر المتعلّق بالطبيعة ، لا الأمر بالاتمام والنهي عن القطع ، وحرمة الابطال بعد الشروع فيها .
ثم إنّه بناءً على هذا الاحتمال الذي هو ظاهر الرواية ، يمكن أن يكون النهي عن قراءة سورة العزيمة إرشاداً إلى أنّها موجبة للسجود المفسد للصلاة ، لكونها زيادة عمدية ، وعليه فلا تكون نفس قراءة السورة من حيث هي محرمة أصلا ، فلو قرأ شيئاً من العزائم ونسي السجدة ، أو تركها عصياناً ، لا يكون ذلك مضرّاً بصحة صلاته أصلا ، لأنّ المفروض أنّ السجدة الموجبة للبطلان لم يتحقّق منه ، وقراءة السورة بنفسها لم تكن محرّمة حتّى تؤثر في البطلان .
غاية الأمر استحقاقه للعقوبة ، من حيث مخالفته لوجوب السجود عند قراءة آية السجدة ، وهذا لا ارتباط له ببطلان الصلاة أصلا كما هو ظاهر ، ويمكن أن يكون النهي عن قراءة السورة نهياً تحريمياً ، ويكون الوجه فيه كونها موجبة
(الصفحة 147)
للسجود شرعاً ، وهو زيادة مبطلة .
ويظهر هذا من بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب صلاته ، وفرّع عليه أنّه يستفاد من الرواية حرمة كلّ ما يوجب السجود مثل الاستماع بل السماع ، إذا كان قادراً على محافظة سمعه ، من أن يقرعه صوت من يقرأ آية السجدة . نعم من سمع قهراً ، أو قرأ سهواً ، لم يرتكب المحرّم ، وإن كانا أيضاً موجبين لوجوب السجود .
ثم قال ما ملخّصه : إنّه يتفرّع على ذلك أنّ غير القراءة العمدية لا يكون مبطلا للصلاة ، ما لم يسجد به ، سواء كان محرّماً كالاستماع أم لا ، كالسماع غير الاختياري ، وأمّا قراءة العزيمة عمداً فهي مبطلة ، لأنّ الكلام المحرّم في الصلاة وإن كان ذاتاً من الأذكار ، أو الأجزاء يوجب بطلانها ، لكونه ماحياً لصورتها عند المتشرّعة ، مضافاً إلى دعوى الاجماع على ذلك ، وأمّا الموجبات الاُخر غير القراءة ، أو القراءة غير المحرّمة ، فلا تبطل الصلاة ، نعم لو سجد بعدها تبطل بالزيادة العمدية ، لا بتلك الموجبات (1). انتهى .
ولا يخفى أنّ ما ذكره مبنيّ على أن يكون النهي عن قراءة شيء من سور العزائم ، نهياً تحريمياً دالاًّ على حرمة نفس قراءة السورة ، والظاهر خلاف ذلك ، لأنّ النواهي المتعلّقة بكيفيات العبادات إرشادات غالباً إلى فسادها ، مع تلك الكيفيّة المنهي عنها ، وأنّه لا يترتب الأثر المترقّب من العبادة عليها مع هذه الكيفية .
وحينئذ فالنهي في المقام أيضاً للإرشاد إلى فساد العبادة المشتملة على متعلّق النهي ، غاية الأمر إنّه لو لم تكن الرواية مشتملة على التعليل المذكور ، لقلنا ببطلان
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري(رحمه الله): 164 ـ 165 .