(الصفحة 230)
المكلّف مخيّراً بينه وبين القراءة ظاهراً ، بل هو أفضل الفردين فكيف تكون القراءة من المصحف التي تكون في طول القراءة ظاهراً ، بناءً على هذا القول ، مقدّمة على الائتمام الذي هو أفضل من القراءة عن ظهر القلب؟! فالحقّ ما ذكره في كشف اللثام ، من أنّه لا وجه لهذا التقديم(1) ، والذي يسهل الخطب ما عرفت من أنّ هذا الاختلاف إنما هو على القول بالمنع ، وقد نفينا البعد عن القول بالجواز .
(الصفحة 231)
الخامس من أفعال الصلاة : الركوع
اعتبار الركوع وجزئيته للصلاة ممّا لا شبهة فيه ، بل من الضروريات(1) ، كوجوب أصل الصلاة ، وهو من أعظم أجزائها ، ولذا سمّي كلّ ركعة من الصلاة المشتملة على جملة من أفعالها ركعة ، فإنّ الركعة بحسب اللغة عبارة عن الركوع مرّة ، ومن هنا احتملنا سابقاً أن يكون الركن من القيام هو القيام للركوع فراجع .
وقد أطلق الركوع في الكتاب العزيز على مجموع الصلاة في قوله تعالى :
{واركعوا مع الراكعين(2)} حيث إنّ المفسّرين اتّفقوا على أنّ المراد ، الصلاة مع المصلّين(3) ، وكيف كان فالظاهر أنّ الركوع قد استعمل في لسان الشرع على طبق معناه اللغوي ، وهو مطلق الانحناء ، ولم يكن للشارع في ذلك وضع مخصوص .
- (1) الغنية: 79; المعتبر 2: 191; تذكرة الفقهاء 3: 165; الذكرى 3: 363; جامع المقاصد 2: 283; جواهر الكلام 10: 69; مستند الشيعة 5 : 192; مفتاح الكرامة 2 : 414 ; مفاتيح الشرائع 1: 138; البحار 82 : 100 .
- (2) البقرة: 43 .
- (3) مجمع البيان 1: 190; تفسير الصافي 1: 125; الجامع لأحكام القرآن 1: 348; الدر المنثور 1: 155; تفسير الطبري 1: 366 .
(الصفحة 232)
ودعوى القطع به غير بعيدة ، ولا فرق في الانحناء الذي هو وضع خاصّ وكيفية مخصوصة ، كالقيام والقعود ، بين أن يكون مسبوقاً بالعدم ، بأن انتقل من القيام أو القعود إليه ، أو لا يكون كذلك ، كما إذا كان الشخص منحنياً بحسب الخلقة الأصلية ، فإنّه يصدق عليه أنّه راكع كما هو ظاهر .
مقدار الانحناء المعتبر في الركوع
إنّ الانحناء له مراتب ، فإنّه قد يكون يسيراً ، وقد يبلغ إلى مرتبة يمكن إيصال الكفّين إلى الركبتين ، وقد يكون أكثر من ذلك ، وقد اختلفت عبارات الأصحاب بحسب الظاهر في تحديد الانحناء المعتبر في الركوع الذي هو جزء للصلاة .
فعن المنتهى والذكرى إنّه يجب فيه الانحناء بقدر يتمكّن معه من بلوغ يديه على ركبتيه(1) ، وفي الثاني التعبير بعين الركبة ، وعن التذكرة وضع راحتيه على ركبتيه ، مدّعياً عليه إجماع أهل العلم كافّة ، ما عدا أبي حنيفة(2) ، وفي المعتبر إجماع أهل العلم كافّة على وصول كفّيه إليهما غير أبي حنيفة(3) .
وظاهر عبارتي المنتهى والذكرى هو الاكتفاء بوصول جزء من اليد إلى الركبة ، ولو كان رؤوس الأصابع، وقد نسب العلاّمة المجلسي الاكتفاء بهذا المقدار إلى المشهور ، وحمل عبارتي التذكرة والمعتبر على المسامحة في التعبير ، وتبعه صاحب الحدائق في ذلك (4)، ولكنّ المحكيّ عن الفاضل الخراساني في الذخيرة أنّه مال إلى أنّ التجوّز والمسامحة وقع في عبارتي المنتهى والذكرى(5) .
- (1) المنتهى 1 : 285; الذكرى 3 : 365 .
- (2) تذكرة الفقهاء 3 : 165 .
- (3) المعتبر 2 : 193 .
- (4) بحار الأنوار 82 : 119 ـ 120، الحدائق 8 : 236 .
- (5) الذخيرة : 281.
(الصفحة 233)
والمسألة تكون حينئذ ذات قولين:
أحدهما : كفاية الانحناء بقدر ما يتمكّن معه من إيصال رؤوس الأصابع إلى الركبة .
ثانيهما : لزوم الانحناء إلى مقدار تصل الراحتان أو الكفّان إلى الركبة ، فلابدّ من ملاحظة أخبار المسألة ، فنقول :
منها : صحيحة زرارة المشتملة على قوله(عليه السلام) : «بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة، وفرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتك، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحب إليّ إن تمكن كفيك من ركبتيك، فتجعل أصابعك في عين الركبة . . .»(1) .
ومنها : ما نقله المحقّق في محكيّ المعتبر عن معاوية بن عمّار وابن مسلم والحلبي قالوا : «وبلّغ بأطراف أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك وأحبّ إن تمكّن كفّيك من ركبتيك . . .»(2) .
قال صاحب الحدائق بعد حكاية الرواية عن المعتبر : والظاهر أنّ هذه الرواية قد نقلها المحقّق من الأصول التي عنده ، ولم تصل إلينا إلاّ منه(قدس سره) وكفى به ناقلا(3) . وكيف كان، فهل المراد بأطراف الأصابع هو رؤوسها أو الأطراف التي تلي الكفّ؟ وجهان ، والمحكيّ عن جامع المقاصد إنّه حملها على الوجه الثاني ، ونفى الاختلاف بين العبارات بذلك(4) ، ولكنّه بعيد جدّاً ، لوضوح أنّ المراد بأطراف الأصابع هو منتهى الأصابع ورؤوسها، كما يظهر بمراجعة الاستعمالات .
- (1) الكافي 3 : 334 ح1; التهذيب 2: 83 ح308; الوسائل 5 : 461 . أبواب أفعال الصلاة ب1 ح3.
- (2) المعتبر 2: 193; الوسائل 6: 335. أبواب الركوع ب28 ح2.
- (3) الحدائق 8 : 237 .
- (4) جامع المقاصد 2 : 283 .
(الصفحة 234)
نعم يقع الكلام حينئذ في أنّ المراد بالأصابع ، هل هو جميعها الذي منها الابهام ، أو أنّ المراد بها أكثرها، أو فرضت كالشيء الواحد ، فيصدق بلوغها ببلوغ واحد منها كما هو الشأن في المركبات؟
لا سبيل إلى الأخيرين لمخالفتهما لظاهر الرواية ، ضرورة أنّ ظاهرها هو بلوغ الجميع ، وحينئذ يقع الإشكال في أنّ بلوغ رأس الابهام لايجتمع مع بلوغ رؤوس سائر الأصابع ، لعدم كونهما في عرض واحد ، ضرورة أنّ بلوغ رأس الابهام لا يتحقّق إلاّ مع بلوغ ما يقرب من الراحة من سائر الأصابع وحينئذ فيصير التعبير ببلوغ الجميع لغواً .
والتحقيق أن يقال : إنّ المذكور في الروايتين المتقدّمتين هو عين الركبة لا نفسها ، والمراد بها هي النقرة التي في مقدّمها عند الساق ، كما في لسان العرب(1) أو النقرتان في أسفل الركبة ، كما في أقرب الموارد(2) ، وقال في الأول إنّ لكلّ ركبة عينين ، وهما نقرتان في مقدّمها عند الساق .
وحكي عن علماء التشريح أنّ في المفصل بين الساق والركبة عظماً يشبه الدائرة ، متّصلا بعين الركبة ، وهي الحفرة في مقدمها ، وحينئذ فإذا بلغت أطراف الأصابع إلى عين الركبة يقع الكفّ والراحة على نفس الركبة ، فيصير مدلول الرواية ما يدلّ عليه عبارتا المعتبر والتذكرة ، لكن في دلالة الرواية على وجوب هذا المقدار إشكال ، فإنّ فيها احتمالين :
أحدهما : أن يكون المراد بقوله(عليه السلام) : «فان وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك» هو وصولها إلى عين الركبة المذكورة في الجملة التي هي قبل هذه الجملة ، لا الوصول إلى نفسها الصادق بالوصول إلى أعلاها ،
- (1) لسان العرب 9 : 507 .
- (2) أقرب الموارد 2 : 856 .