(الصفحة 200)
انشقاق الفجر .
امّا في القسم الأوّل فروايات استدلّ بها على موضوعية التبيّن ووجوب تأخير الصلاة والإمساك .
منها: صحيحة علي بن عطية عن أبي عبدالله (عليه السلام): انّه قال: الصبح (الفجر) هو الذي إذا رأيته كان معترضاً كأنّه بياض نهر سوراء(1) .
رواها المشائخ الثلاثة ، الصدوق والطوسي والكليني ، وفي نسخة الوافي(2)للمحدّث الكاشاني بدل «بياض سوراء» «نباض سورى» بالألف المقصورة لا الممدودة والنباض من نبض أيّ سال الماء وجرى فبناء على البياض ، مراده بياض نهر سوري وبناءً على النباض سيلان هذا النهر قال في الوافي «سورى» بالمقصورة
- 1 . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 27 ، ح 2 ، قال في التنقيح: «وقد يناقش في سندها بأنّ علي بن عطية الراوي لها وإن كان ثقة ، وثّقه النجاشي في ترجمة أخيه الحسن إلاّ أنّ في طريق الصدوق إليه علي ابن حسان وهو مردّد بين الواسطي الثقة ، والهاشمي الضعيف وقد قال النجاشي في حقّه: علي بن حسان الكبير الهاشمي . . . ضعيف جداً ذكره بعض أصحابنا في الغلاة فاسد الاعتقاد ، له كتاب تفسير الباطن ، تخليط كلّه وعن ابن فضال انّه كذاب وقال العلاّمة ، انّ له كتاباً سمّاه كتاب تفسير الباطن لا يتعلق من الإسلام بسبب هذا .
- والصحيح انّ طريق الصدوق إلى الرجل صحيح ، إذ الظاهر انّ علي بن حسان الواقع فيه هو الواسطي الثقة ، لأن الصدوق (قدس سره) روى في الفقيه عن علي بن حسان عن علي بن عطية ، وليس هذا إلاّ الواسطي فإنّ الهاشمي لا يروي إلاّ عن عمّه عبد الرحمن بن كثير ولم يعلم له أية رواية عن علي بن عطية أو غيره .
- على انّ الرواية رواها كلّ من الكليني والشيخ (قدس سرهما) بطريق صحيح أو حسن ـ باعتبار إبراهيم بن هاشم ـ إذاً فالرواية غير قابلة للمناقشة من حيث السند» (التنقيح ، كتاب الصلاة ، ج 1 ، ص 281) .
- 2 . وقال صاحب الوافي: «النباض بالنون والباء الموحّدة من نبض الماء إذا سال وربما قرأ بالموحّدة ثمّ الياء المثناة من تحت (البياض) وسوري على وزن بُشرى موضع بالعراق والمراد بنباضها أو بياضها، نهرها كما دلّ عليه خبر هشام بن الهذيل «حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سورى» وقال الطريحي في مجمع البحرين في مادة نبض «يقال نبض العِرق بالكسر ينبض نبضاً ونبضاناً إذا تحرك» وقال في مادة «سور» (سورى كطوري وقد تمد (سوراء) بلدة بالعراق من أرض بابل من بلاد السريانيين وفي الحديث «وقد سأل عن الفجر قال إذا رأيته معترضاً كأنّه بياض نهر سوري» ويريد الفرات).
(الصفحة 201)
كبشرى موضع بالعراق وفي هذا الموضع نهر يسمى بنهر سورى وهذا النهر بالاحتمال القوي منشعب من الفرات وخصوصيته انّ جريان الماء وسيلانه في هذا النهر محسوس بخلاف الدجلة والفرات كان جريان الماء فيهما لايحس بالمشاهدة ويشبه بالماء الراكد وكأنه لايحسّ جريانه إلاّ من دخل فيهما ولذا شبّه الفجر بنهر سورى لا بالدجلة والفرات ولمّا كان سيلانه كان محسوساً لذا يقال «نباض سورى» أيّ سيلان مائها ويقال «بياض سورى» بلحاظ مقايسته بطرفي النهر .
والفجر يجلب النظر من وجهين:
الأوّل: الخيط الأبيض وكونه محفوفاً .
الثاني: سيلان ضوء الفجر بالنسبة إلى السواد الذي في طرفيه .
واستدلّ بهذه الرواية لموضوعية التبيّن حيث قال الإمام (عليه السلام) في الرواية: «إذا رأيته كان معترضاً كأنّه بياض نهر سوراء» فللرؤية دخل في ماهية الفجر وانّ الفجر ما رأيته معترضاً وفيه إنّ ظاهر الرواية إنّ للفجر حالتين: مرئياً وغير مرئي وإذا كان مرئياً ، رأيته بنحو المعترض كأنه بياض نهر سوراء ، لا إنّ الفجر هو ما كان مرئياً وانّ للرؤية دخل في ماهيته .
ومنها رواية هشام بن الهذيل عن أبي الحسن الماضي قال: سألته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سوراء(1) .
وفي سند هذه الرواية هشام بن الهذيل وليس له توثيق عام ـ كأن يكون في طريق أسناد كامل الزيارات أو في طريق أسناد تفسير علي بن إبراهيم ـ ولا توثيق خاص ولا تدلّ على موضوعيّة التبين وظاهرها مثل الصحيحة السابقة في انّ للفجر حالتين وإذا كان مرئياً رأيته بهذا النحو لا أنّ للرؤية دخل في الفجر وقلنا في
- 1 . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 27 ، ح 6 .
(الصفحة 202)
ذيل رواية علي بن مهزيار انّ معنى كونه معترضاً ليس بمعنى التبين حتّى يكون للتبين والرؤية موضوعية لتحقق الفجر .
ومنها: صحيحة أبي بصير التي نقلها الصدوق والكليني: عن أبي بصير ليث المرادي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت: متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر فقال: إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فَثَمّ يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر . . .»(1) . رجلٌ قبطيٌ ، مَن وُلِد في مصر وثيابٌ قبطية ، ما صنعت في مصر وهي رقيقة بيضاء(2) وظاهر هذه الرواية انّ المشبه به أي القبطية البيضاء ـ واقعية خارجية يمكن أنّ يتعلق به الرؤية ويمكن أنّ لا يتعلق به الرؤية فكذلك المشبّه ـ أي اعتراض الفجر ـ واقعية خارجية يمكن أن يتعلق به الرؤية ويمكن أن لا تتعلق به ولا يكون للرؤية والتبين خصوصية لتحقق الفجر .
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسناً»(3) .
وهذه الرواية استدلّ بها أيضاً على موضوعية التبيّن ولعلّها عند التأمّل أشدّ إيهاماً للموضوعية .
- 1 . نفس المصدر ، ح 1 .
- 2 . قال في مجمع البحرين في مادة قبط «في الحديث: الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي بفتح القاف وتخفيف الموحدة قبل الألف وتشديد الياء بعد الطاء المهملة ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر واحدها قُبطي بضمّ القاف نسبة إلى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر والتغيير هنا للاختصاص كما في الدُّهري بالضمّ نسبة إلى الدَّهر بالفتح وهذا التعبير إنّما أعتبر في الثياب فرقاً بين الإنسان وغيره فأمّا في الناس فيبني على أعتبار الأصل فيقول رجل قبطي وجماعة قبطية بالكسر لا غير ومنه حديث من ردّ الله عليهم أعمالهم فجعلها هباءً منثوراً قال (عليه السلام) : أما والله وكانت أعمالهم أشدّ بياضاً من القباطي» .
- 3 . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 27 ، ح 5 .
(الصفحة 203)
وفيه أوّلاً أنّ تأخير النبي صلاته (صلى الله عليه وآله) حتّى أضاء الفجر حسناً لايدلّ على الوجوب بل يحتمل أن التأخير مستحب والرسول (صلى الله عليه وآله) كان يعمل على طبق الاستحباب .
وثانياً: ظاهر الرواية بقرينة روايات اُخر ـ كما قلنا في الروايات السابقة ـ أنّ تأخير النبيّ صلاته (صلى الله عليه وآله) حتّى اضاءة الفجر حسناً كان فيما رُؤى الفجر من دون وجود مانع كنور القمر أو الغيم لا أنّه يؤخّر في الليالي المغيمة أيضاً حتّى يذهب الغيم .
ومنها روايات اُخرى أضعف دلالة مما ذكر ولذا نُعرض عن ذكرها .
وامّا في القسم الثاني ـ الذي ذكر طلوع(1) الفجر بعنوان أوّل وقت صلاة الصبح لا نفس الفجر ـ فروايات .
منها: موثّقة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر . . . ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح . . .(2) .
ومنها: موثّقة زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس . . . فإذا طلع الفجر وأضاء صلّى الغداة(3) .
وهذه الرواية موثّقة بموسى بن بكر فإنه ثقة وإن كان واقفياً .
هنا نكتة أساسها من آية الله العظمى البروجردي (قدس سره) وهي انّ المعروف بين الفقهاء عدم الإطلاق لفعل المعصوم من جهة وعدم وجوبه ولزومه من جهة اخرى لانّ الفعل يمكن وقوعه بنحو الاستحباب ولكنّ المهمّ انّ هذا صحيح فيما كان الناقل
- 1 . وورد في سورة القدر انّ انتهاء ليلة القدر طلوع الفجر وانّ هذه الليلة سلام حتّى مطلع الفجر «سلام هي حتّى مطلع الفجر» .
- 2 . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 10 ، ح 5 .
- 3 . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ،باب 10 ، ح 3 .
(الصفحة 204)
والحاكي غير المعصوم وامّا إذا كان الناقل عن فعل النبيّ مثلاً هو المعصوم ، وحكايته في مقام بيان حكم الله الواقعي ، فهنا نتمسك بالإطلاق إذا لم يذكر قيداً ، كما كان نستظهر الوجوب إذا لم يكن قرينة على خلافه .
ومنها: رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(1) .
والظاهر انّ المراد بصلاة الليل صلاة المغرب والعشاء لا نافلة الليل لانّه ذكر في مقابل صلاة النّهار نعم هل يوجد معارض لهذه الرواية في وقت صلاة المغرب والعشاء فموكول إلى بحث تحديد وقت العشاءين .
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) (في حديث) قال: إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(2) .
ومنها: موثّقة موسى بن بكر من زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(3) .
ومنها: موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمرٌ أن يصلّي المكتوبة من الفجر مابين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصّة(4) .
وامّا في القسم الثالث ـ الذي ذكر الإنشقاق بعنوان أوّل وقت صلاة الصبح ـ فروايات .
- 1 . نفس المصدر ، ح 9 .
- 2 . وسائل الشيعة ، ج 3 ، أبواب المواقيت ، باب 26 ، ح 2 .
- 3 . نفس المصدر ، ح 6 .
- 4 . نفس المصدر ، ح 7 .