(الصفحة 114)
فالرواية ظاهرة في ان اليمين هو الركن الاساسي في معنى الجدال المحرّم على المحرم ومثلها موثقة ابي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال اذا حلف الرجل ثلاثة ايمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه واذا حلف يميناً واحدة كاذباً فقد جادل فعليه دم يهريقه(1) . وليس المراد اختصاص الجدال بصورة الكذب كما هو ظاهر.
الجهة الثالثة: هل يعتبر في الجدال مضافاً الى اليمين التي عرفت انّها الركن الاساسي فيه، اشتماله على احدى الكلمتين: لا و بلى أم يكفي فيه مجرد اليمين ولو كانت خالية عنهما، قولان: ظاهر المشهور هو الأوّل والمحكى عن صريح المحقق في النافع والشهيد في الدروس هو الثاني وهو ظاهر المتن فان المراد بقوله ولو كان القسم بلفظ الجلالة أو مرادفه فهو جدال، هو القسم الخالي عن الكلمتين، وإلاّ لايكون مغايراً مع تفسيره للجدال بقول: لا والله وبلى والله كما هو ظاهر.
ويدلّ على ماهو المشهور، ظاهر الروايات الكثيرة المفسّرة للجدال بالقول المذكور المشتمل على احدى الكلمتين، فانه لو لم يكن لهما مدخلية في معنى الجدال لما كان وجه لذكرهما في تعريفه خصوصاً بعدما عرفت من مغايرة معناه الشرعي للمعنى اللغوي والعرفي المقتضية للاقتصار على خصوص ماله الدخل في معناه وعدم ذكر ما ليس له مدخلية.
وبالجملة لا شبهة في ان ظاهر الروايات المفسرة بالقول المذكور، مدخلية احدى الكلمتين خصوصاً ما اشتمل منها على مثل كلمة «انّما».
لكنه ربما يقال بانّ مثل الروايتين المتقدمتين انفاً في الجهة الثانية ظاهرة ان الجدال مجرد الحلف من دون مدخلية شيء من الكلمتين فيه حيث انّ مقتضاهما ان
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاول، ح7.
(الصفحة 115)
الحلف بثلاثة ايمان ولاء صادقاً جدال يترتب عليه الكفارة وبواحدة كاذباً أيضاً كذلك.
و
الحقّ انّ التأمل فيهما يقضي ببطلان هذا القول فانّ صحيحة معاوية بن عمار قد اشتمل صدرها وذيلها على تفسير الجدال بالقول المخصوص وعليه فالمراد بالحلف الواقع في الشرطيتين هو الحلف المعهود المذكور اوّلاً المشتمل على احدى الكلمتين لا الحلف المطلق الشامل لما يكون غير مقرون بشيء منهما ويؤيده سؤال الراوي في الذيل عن ان قول لا لعمري وبلى لعمري هل يكون جدالاً أم لا، فانه ظاهر في ثبوت المفروغية عنده بالاضافة الى مدخلية احدى الكلمتين، غاية الأمر انه كان من المحتمل عنده ان تغيير القسم بالجلالة بالقسم المذكور ايضاً يوجب تحقق الجدال فأجاب (عليه السلام)بالنفي، وامّا الموثقة فلا تكون بصدد تفسير الجدال بل بصدد التفصيل في الجدال الموجب للكفارة بين الصادق والكاذب من جهة التعدد وعدمه وإلاّ فاللازم الالتزام بعدم كون اليمين الصادقة جدالاً اصلاً إلاّ اذا بلغت ثلاثاً، وهو مع كونه مخالفاً لسائر الروايات، لم يقل به احد، فاللازم ان يقال بعدم كونهما في مقام بيان معنى الجدال بل ذكره انّما هو تمهيد لثبوت الكفارة المترتبة عليه والتفصيل بين صورتي الصدق والكذب.
ثم انّ لمعاوية بن عمّار صحيحة اُخرى ظاهرها ما ذكرنا من كون المفروغ عنه عنده لزوم اشتمال الجدال على احدى الكلمتين قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يقول لا لعمري وهو محرم قال: ليس بالجدال انّما الجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله، وامّا قوله: لا ها فانما طلب الاسم وقوله: ياهناه فلا بأس به وامّا قوله: بل شانيك فانّه من قول الجاهلية(1) .
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح3.
(الصفحة 116)
وقد وقع شرح ذيل الرواية في كلام العلاّمة المجلسي (قدس سره) في كتاب: «ملاذ الاخيار في فهم تهذيب الاخبار» قال ما لفظه: «قوله: لا ها، يمكن ان يكون المراد الحلف بـ «لاه» وهو من اسمائه تعالى بل قال سيبويه ان الجلالة اشتقت منه فيكن المراد انّهم يطلبون به اسم الله تعالى وهو من الجدال، أو هو من الحلف وليس من الجدال. ويمكن ان يكون «لا» حرف نفي و «ها» حرف تنبيه والمراد انّهم يوردون هذا مكان النداء بالاسم للتنبيه الى ان قال: وفي النهاية: ها مقصورة كلمة تنبيه للمخاطب ينبّه بها على من يساق اليه الكلام وقد يقسم بها فيقال: لا ها الله ما فعلت أي لا والله ابدلت الهاء من الواو.
وفيه أيضاً: يا هنتاه اي يا هذه وفي المذكر هنّ وهنان وهنون ولك ان تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول يا هنه وان تشبع الحركة فتصير ألفاً فتقول ياهناه وقيل ياهنتاه يا بلهاء كانها نسبت الى قلّة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم انتهى.
اقول: لما كانوا يذكرون ياهناه بمعنى يا فلان في صدر الكلام مكرراً كان مظنة لأن يتوهم انه قسم فأزال (عليه السلام) ذلك الوهم.
قوله: لا بل شانيك الظاهر انه كان لا أب لشانئك كما في الدروس وقولهم لا أب لشانئك ولا أباً لشانئك أي لمبغضك قال ابن السكيت: «وهي كناية عن قولهم لا أباً لك» كذا ذكره الجواهري. اقول لعلّ مراده انه اسند عدم الأب الى مبغضه، والمراد نسبته اليه رعاية للأدب فيكون المراد بالخبر الحلف بهذا كان يقول لا أب لشانئك ان لم يكن كذا اي لا أب لك فآل بكثرة الاستعمال الى ما ترى.
ويمكن ان يكون المراد لا أقسم بشيء هين، بل اقسم بشانيك والشأنان العرقان المكتنفان بالرأس، فيكون القسم بعرقي رأسه الملزومين لحياته كما في قولهم لعمرك،
(الصفحة 117)
أو يكون لا نفياً لما ذكره المخاطب ويكون حرف القسم في شانئك مقدراً أو يكون المراد انا شانئك ومبغضك ان لم يكن كذا والله يعلم».
الجهة الرابعة: في انه بعد عدم كفاية مجرد اليمين ولو بصيغتها وهي قول: والله في تحقق الجدال ولزوم كونها مقرونة به كلمة «لا» أو «بلى» يقع الكلام في لزوم اعتبار نفس احدى هاتين الكلمتين أو يكفي بيان مؤدّاها ولو كلمة اُخرى مثل «مافعلت» في مقام النفي أو «فعلت» في مقام الاثبات صرّح في الجواهر بالثاني حيث قال: «نعم لايعتبر لفظ لا وبلى نحو قوله (عليه السلام): انّما الطلاق: انت طالق فان صيغة القسم هو قول: والله وامّا لا وبلى فهو المقسوم عليه فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤدّاه ولو بشهادة الصحيح المزبور بل تكفي الفارسية ونحوها فيه وان لم تكف في لفظ الجلالة فتأمّل جيّداً».
ومراده بالصحيحة ما رواه ابو بصير يعني ليث بن البختري قال: سألته عن المحرم يريد ان يعمل العمل فيقول له صاحبه والله لا تعمله فيقول: والله لأعملّنه فيحالفه مراراً يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا انّما أراد بهذا إكرام أخيه انما كان ذلك ما كان لله عزّوجلّ فيه معصية(1) .
ويرد عليه انّ مجرد كون صيغة القسم هو قول: والله كون الكلمتين هما المقسوم عليهما، لايقتضي عدم اعتبار خصوص اللفظين إلاّ على تقدير ثبوت كون الجدال من مصاديق اليمين، غاية الأمر انها يمين واقعة في مقام النفي والاثبات مع انّك عرفت في الجهة الثالثة، ان الحلف وان كان ركناً اساسياً في معنى الجدال لكن مفهومه المستفاد من الروايات المتعددة المفسرة له هو اليمين التي تتعقب احدى الكلمتين ومقرونة
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والثلاثون، ح 7.
(الصفحة 118)
بتقدم احد اللفظين، وعليه فلا يجوز التعدّي عن ظاهر تلك الروايات في مدخلية نفس اللفظتين في المعنى الشرعي للجدال المركب منها ومن اليمين، وامّا التشبيه بقوله (عليه السلام)انما الطلاق انت طالق فيرد عليه انّ التوسعة فيه انّما هي لأجل قيام الدليل على جواز توكيل الغير في اجراء صيغته ولو مع عدم حضور الزوجة وعلى جواز طلاق الزوج الغائب الذي لايمكن فيه الخطاب بقوله انت ففي الحقيقة قيام الدليل صار موجباً للحكم بعدم انحصار صيغته الطلاق بما ذكر ولم يقم في المقام دليل على التوسعة حتى يرفع اليد بسببه عن ظاهر الروايات المفسرة كما هو ظاهر.
وامّا الصحيحة فربما يستدلّ بها على ان الجدال مطلق الحلف بالله تعالى وما يسمى يميناً وان لم تكن مشتملة على احدى الكلمتين اصلاً فضلاً عن عدم كفاية ما يؤدّى مفادهما نظراً الى ان تعليل نفي الجدال بانه انّما أراد اكرام صاحبه دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على انه لولا إرادة الاكرام لثبت الجدال بمطلق والله كما هو المفروض في السؤال.
ولكن صاحب الجواهر (قدس سره) أجاب عن هذا الاستدلال، بان التعليل في الصحيح المزبور لاينافي وجود علّة اُخرى، ومراده انه يكفي في جانب النفي عدم وجود شيء ممّا له مدخلية في الاثبات بخلاف الاثبات الذي يحتاج الى تحقق جميع ماله المدخلية فتعليل النفي بنفي واحد من ذلك لاينافي وجود علّة اُخرى.
ويرد عليه هنا نفس هذا الجواب، وان التعليل لايقتضي ما استفاده من عدم اعتبار خصوص اللفظين في مؤدّاه على ان الصحيحة لاتكون في مقام تفسير الجدال حتى يكون لها اطلاق بل في مقام بيان ان الحلف الاكرامي لا مانع منه ولا يترتب عليه ما يترتب على الجدال من الكفارة والظاهر ان المراد من قوله ـ ما كان لله فيه معصية ـ هو