(الصفحة 210)
الوجه، وثانيتهما كون المستور به بعضاً معيناً من الوجه وهو الذقن والفم وجزء من الأنف وفي الحقيقة يكون المستور به هو النصف الأسفل من الوجه تقريباً كما تصنعه نساء المغرب على ما رأيناه في المدينة ومكة.
وعليه فلابد من النظر في انّ الخصوصية المانعة عن الستر بالنقاب وهل هي مجرد كونه ساتراً لبعض الوجه يشمل الحكم ستر كل بعض من ابعاض الوجه ولو كان هو الطرف الأعلى أو خصوص طرف اليمين أو اليسار بل ولو كان البعض المستور جزءً يسيراً من الوجه أو انّ الخصوصية المانعة هي كونه ساتراً للبعض المخصوص من جهة المحلّ والمقدار الذي يستربه؟ فيه احتمالان ظاهر الفتاوى باعتبار عدم التفريق بين الكل والبعض وتنظير المرأة بالرجل الذي يحرم عليه ستر جزء من الرأس بل حتى ستر جزء من الأذن: بناء على كونه جزء من الرأس وان ناقشنا فيه سابقاً هو الاحتمال الاوّل ولكنه يبتنى على الغاء الخصوصية من الجهة الثانية وهو يحتاج الى قيام الدليل أو فهم العرف ومن الظاهر عدم قيام الدليل وتحقق فهم العرف، غير معلوم فالانصاف انه لا محيص عن الالتزام بما أفاده بعض الاعلام (قدس سرهم) من التفصيل بين ما اذا كان المستور محلاًّ يستره النقاب فلا يجوز وان كان الساتر غير نقاب لعدم خصوصية له من جهة العنوان وبين ما اذا كان المستور غير ذلك المحلّ كما اذا كان المستور فوق الوجه ولو كان الساتر هو الثوب، ففي الاوّل لايجوز وفي الثاني يجوز وان كان مقتضى الاحتياط الوجوبي الناشيء عن الفتاوي هو الترك.
الجهة الرابعة: في انه يجوز للمرأة المحرمة وضع يدها بل يديها على وجهها لما مرّ في جواز ستر الرجّل رأسه باليد والذراع نعم في رواية سماعة عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه سأله عن المحرمة فقال ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها ولا تستتر بيدها من الشمس
(الصفحة 211)
الحديث(1) . ولكنها كما في الجواهر محمولة على ضرب من الكراهة وذلك لعدم الفتوى بالحرمة من أحد من الاصحاب.
الجهة الخامسة: في انه يجوز لها وضع الوجه على المخدة ونحوها للنوم بل يجوز لها تغطية الوجه حين ارادة النوم وذلك لصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطّي وجهه؟ قال: نعم ولا يخمّر رأسه، والمرأة المحرمة لابأس بان يغطّي وجهها كلّه عند النوم(2).
ولعلّ الحكمة في الجواز حين ارادة النوم هو الخروج بذلك عن المعرضية للنظر لعدم كونها قادرة في حال النوم على التستر بغير التغطية، لكن عرفت سابقاً ان الرواية على نقل الشيخ خالية عن كلمة «عند النوم» وان كان السياق يشعر بإرادة ذلك وامّا على نقل الكليني فمشتملة على الكلمة المذكورة ولايكون في الوسائل اشارة الى اختلاف النقلين بل نقل الرواية في باب عن الشيخ خالية عنها ثم قال: ورواه الكليني كما يأتي، وفي باب آخر عن الكليني مع الاشتمال عليها ثم قال ورواه الشيخ مثله مع انّك عرفت الاختلاف وحيث ان الكليني أضبط من الشيخ، واصالة عدم الزيادة حاكمة في البين فاللازم الاتكال على نقله ولا مانع من ثبوت الاستثناء في حال النوم للحكمة المذكورة كما كان في حرمة تغطية المحرم الرأس بعض الموارد بصورة الاستثناء كعصابة الصداع على ما مر(3).
ثم انه بعد دلالة الرواية الصحيحة على توسعة دائرة حكم الجواز لا مجال
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح10.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح1.
- (3) وقد حكى عن تهذيب الشيخ ايضاً الاشتمال على الزيادة.
(الصفحة 212)مسألة 34 ـ يجب ستر الرأس عليها للصلاة، ووجب ستر مقدار من اطراف الوجه مقدّمة لكن اذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فورا 1 .
لتخصيصه بخصوص وضع الوجه على المخدة ونحوها كما في المتن بل تجوز التغطية ولو بالثوب حال إرادة النوم كما لايخفى وان ذكر في الجواهر بعد نقل الرواية: «ولم أقف على رادّ له كما اني لم أقف على من استثناه من حكم التغطية ويمكن ارادة التغطية بما يرجع الى السّدل أو ما يقرب منه» اقول سيأتي البحث في مسألة السّدل ان شاء الله تعالى ولا مانع من الاستثناء خصوصاً بعد التعبير بالتغطية بالرواية.
(1) قال في الجواهر بعد الحكم بانّه يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمة لكشف الوجه كما يجب على الرجل كشف بعض الوجه مقدمة للرأس: «نعم لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي المنتهى والتذكرة والدروس قدمّت ستر الرأس لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عمّا يصلح للتخصيص ضرورة امكان معارضته بمثله بل لترجيحه بما قيل من ان السّتر أحوط من الكشف لكونها عورة، ولأن المقصود اظهار شعار الاحرام بكشف الوجه بما تسمّى به مكشوفة الوجه وهو حاصل مع ستر جزء يسير منه وان أمكن المناقشة فيه ايضاً بتعارض الاحتياط بالنسبة الى الصلاة والاحرام وكونها عورة في النظر، لا مدخلية له في ذلك، وكما يصدق انّها مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه، يصدق انّها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه، فالمتجه ـ ح ـ التخيير ان لم ترجّح الصلاة بكونها أهم وأسبق حقّاً ونحو ذلك».
أقول بعد ملاحظة ان هذه المسألة مبتنية على حرمة تغطية بعض الوجه ايضاً أيُّ بعض، كان كالكلّ وبعد ملاحظة انه لاتضاد بين الصلاة والاحرام كالتضاد المتحقق بين الصلاة والإزالة في المثال المعروف في مسألة ان الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن
(الصفحة 213)
ضده، التي هي معروفة في علم الاصول ضرورة انه لايرى تضاد بين الصلاة والاحرام بوجه بل لا مانع من الجمع بين رعاية التكليفين اصلاً بل التعارض انّما هو بين رعاية الحكم التحريمي المتعلق بالمحرمة وهي حرمة التغطية ورعاية الوجوب الشرطي المتعلق بستر الرأس، من جهة ان تحقق العلم بثبوت الشرط يقتضي ستر جزء من الوجه ايضاً من باب وجوب المقدمة العلمية والعلم بعدم تغطية بعض الوجه ايضاً يتوقف بكشف جزء ولو يسير من الرأس، ولا يتحقق الجمع بين الأمرين وان كان يمكن ان يقال بان وجوب المقدمة العلمية انّما هو بالاضافة الى الستر الذي هو واجب شرطي وامّا بالاضافة الى التغطية فحيث يكون الحكم المتعلق بها هي الحرمة فلا حاجة الى احراز عدم تحقق متعلقها بل يكفي عدم احراز تحقق المتعلق كما لايخفى إلاّ أن يقال بان الحكم الثابت في المقام ايضاً هو الوجوب ومتعلقه هو الاسفار عن الوجه كما وقع التعبير به في الشرايع وعليه فتجب مقدمته العلمية ايضا.
نقول لا مجال لترجيح الصلاة باعتبار كونها أهمّ فان الأهمية انّما تكون متحققة في أصل الصلاة ولا دليل على أهمية رعاية شرطها والوجوب الشرطي المتعلق به على الحرمة الاحرامية الثابتة عليها.
بل ترجيح الصلاة ورعاية شرطها انّما يستفاد من وجهين:
احدهما: استمرار سيرة المتشرعة من النساء المحرمات المتصلة بزمان الائمة (عليهم السلام)على رعاية الستر الصلوتي في حال الاحرام بعين رعايته في غير هذه الحالة ولا فرق عندهنّ عملاً بين الصلاة في الحالتين وهي شاهدة على تقدم الستر الصلوتي وكونه مرتكزاً لديهنَّ.
ثانيهما: انه حيث تكون هذه المسألة من المسائل المبتلى بها في الحج والعمرة
(الصفحة 214)مسألة 35 ـ يجوز اسدال الثوب وارساله من رأسها الى وجهها الى أنفها بل الى نحرها للستر عن الاجنبي، والأولى الأحوط ان يسدله بوجه لا يلصق بوجهها ولو بأخذه بيدها 1 .
والعمرة المفردة لاتكون مقيّدة بوقت خاص بل مشروعة في جميع الشهور فلو كان الستر الصلوتي متأخراً في حال الاحرام عن التغطية المحرّمة لكان اللاّزم صدور البيان من قبل الائمة (عليهم السلام) في هذا المجال ولو صدر لبان بلحاظ شدّة الابتلاء التي اُشير اليها.
ومما ذكرنا يظهر انه لا وجه للتعبير بالجواز كما في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) بل الظاهر هو التعين والوجوب كما في المتن تبعاً لمن عرفت من الفقهاء في كلام صاحب الجواهر (قدس سره).
لكن لابد من الاقتصار على حال الصلاة والالتزام بانه اذا فرغت منها يجب عليها فوراً إزالة الغطاء ورفعها عن وجهها لأنه لا وجه لجواز البقاء على هذه الحالة بعد الفراغ عن الصلاة كما لايخفى.
(1) قال في الشرايع بعد الحكم بعدم جواز تغطية الرأس للرجل المحرم: «ويجوز ذلك للمرأة لكن عليها ان تسفر عن وجهها ولو أسدلت قناعها على رأسها الى طرف أنفها جاز» وذكر في الجواهر بعده: «بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به بل في المدارك نسبته الى اجماع الاصحاب وغيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا أجمع وهو قول عامة أهل العلم بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها. من الاجانب وانحصر فيه».
وكيف كان يحتمل في عبارة الشرايع ان يكون اسدال القناع على الرأس الى طرف الأنف مستثنى من تغطية الوجه المحرّمة عليها ويؤيده التحديد الى طرف الأنف ويحتمل فيها ان يكون مراده اَنَّ الاسدال أمر لاينافي التغطية المحرّمة واللازم في هذا