(الصفحة 265)
ربما جذب النبت من أصله فامّا ما حصده الانسان منه وبقى أصله في الأرض فلا بأس.
والرواية هي صحيحة محمد بن حمران قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع ؟ فقال امّا شيء تأكله الابل فليس به بأس ان تنزعه(1) . قال في التهذيب: قوله: ليس به الى آخره يعني الابل فانّه يخلّى عنها ترعى كيف شاءت.
لكن قال في المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للابل لم يكن بعيداً للأصل وللصحيحة المزبورة لكن قال ان الراوي جميل ومحمد بن حمران قالا سألنا ابا عبدالله (عليه السلام)... مع ان جميلاً وعبدالرحمن بن ابي نجران قد رويا عن محمد بن حمران وكيف كان لا شبهة في انّ ارجاع الضمير في قوله ليس به... الى الابل خلاف الظاهر خصوصاً مع كون الفعلين بصورة التأنيث. لكن هنا رواية اُخرى رواها عبدالله بن سنان قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته ؟ قال: نعم، قلت له ان يحتش لدابته وبعيره؟ قال: نعم، ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فاذا دخل الحرم فلا(2).
وربما يتوهم ثبوت المعارضة بينها وبين الرواية السابقة وانه بعد التساقط يرجع الى عموم المنع من قطع نبات الحرم وذكر بعض الاعلام (قدس سرهم) انه لا مجال للمعارضة لثبوت الجمع الدلالي بينهما لأن الوجوب والحرمة ليسا من مداليل اللفظ وانّما يستفاد كل منهما من عدم اقتران الأمر بالترخيص في الترك وعدم اقتران النهي بالترخيص في المحلّ فحينئذ يحكم العقل بالوجوب أو الحرمة وامّا مع الاقتران فلا والنهي الوارد في خبر ابن سنان مقرون بالترخيص في الفعل الوارد في الرواية الاُخرى فلا يستفاد من
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والثمانون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والثمانون، ح1.
(الصفحة 266)مسألة 48 ـ لايجوز للمحلّ ايضاً قطع الشجر والحشيش من الحرم فيما لايجوز على المحرم 1 .
النهي الحرمة مع ان الرواية ضعيفة بعبد الله بن القاسم الحضرمي الراوي عن ابن سنان لأنه قال في حقه النجاشي انه كذّاب.
ويرد على ما ذكر اوّلاً ان الظاهر كون التفصيل المذكور في ذيل الرواية بين صورة الدخول في الحرم وصورة عدم الدخول مربوط بخصوص الجملة الأخيرة التي أضافها الامام (عليه السلام) وهو قطع الشجر ولا ارتباط لها بمسألة الاحتشاش للدابة وعليه فلا معارفته بين الروايتين ولعلّه لذا لم يتعرض صاحب الجواهر (قدس سره) لرواية ابن سنان اصلا.
وثانياً انه على تقدير كون الغاية المذكورة في الذيل راجعة الى الاحتشاش ايضاً لا مجال لرفع اليد عن الظهور في الحرمة وان قلنا بمقالته في أصل مسألة الوجوب والحرمة وانهما ليسا من مداليل اللفظ لأنّ حمل قوله: فلا، على الجواز ينافي التفصيل لأنه لا فرق ـ ح ـ بين فرض الدخول وعدمه مع ان لازمه الجواز بالاضافة الى قطع الشجر ايضاً من دون اختصاص بالحشيش ولا يقول به بوجه هذا والظاهر انه لا محيص عن الأخذ برواية محمد بن حمران لأنّها صحيحة من حيث السّند وظاهرة من حيث الدلالة ولم يثبت الاعراض عنها لأن الاصحاب لم يتعرضوا لخصوص هذه المسألة حتى يحكموا فيها بالمنع بل كما عرفت من الجواهر ان مقتضى اطلاق النص والفتاوى ومعقد الاجماع هو العدم وعليه فالتعرض له انما هو بمقتضى الاطلاق وهو لايوجب الاعراض بل يمكن ان يقال ان حكمهم بجواز تعليف النافة ان يخلى سبيلها.
(1) قد عرفت ان هذا الحكم وهو عدم جواز قطع نبات الحرم لايكون من محرّمات الاحرام بل يكون من أحكام الحرم ولا فرق فيها بين المحرم والمحلّ وقد عرفت في صحيحة حريز المتقدمة في أوّل البحث قوله (عليه السلام): كل شيء ينبت في الحرم
(الصفحة 267)الرابع والعشرون لبس السّلاح كالسيف والخنجر والطبنجة ونحوها مما هو آلات الحرب إلاّ لضرورة، ويكره حمل السّلاح اذا لم يلبسه ان كان ظاهراً والأحوط الترك 1 .
فهو حرام على الناس أجمعين..(1) . إلاّ ان الذي ينبغي البحث فيه هنا ان كثيراً من الروايات الواردة في هذا المجال دالة على المنع عن قطع نبات الحرم ولكن في جملة من الروايات كصحيحة اُخرى لحريز المتقدمة أيضاً المشتملة على نقل ما وقع يوم فتح مكة(2) جعل الموضوع هو عنوان مكّة وانها حرام بحرام الله الى يوم القيامة لاينفر صيدها ولايعضد شجرها ولا يختلى خلاها... ومن المعلوم ان مكّة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)بل في زمن الأئمة (عليهم السلام) كان جزء من الحرم وبعضاً منه ولذا وقع في بعض الروايات التصريح بان الحرم بريد في بريد والظاهر انه لا منافاة بين الطائفتين لأنّ مقتضى الجمع بينهما هو الحكم بكون حرمة قطع شجر مكة ونباتها انّما هو لأجل كونها بعضاً من الحرم لا لأجل نفس عنوان مكّة وعليه فانقلاب النسبة بين مكة وبين الحرم من العموم والخصوص مطلقاً الى العموم من وجه كما في زماننا هذا حيث تكون مكة في بعض جوانبها أوسع من الحرم لايوجب توسعة دائرة الحكم بالاضافة الى ماهو خارج عن عنوان «الحرم» وهذا بخلاف بعض الاحكام التي موضوعها عنوان «مكّة» مثل الاحرام لحج التمتع حيث انه يجب ان يكون من مكّة وقد عرفت في المباحث السابقة ان سعة بلد مكة توجب سعة دائرة جواز الاحرام للحجّ المذكور ولا يختص الحكم بمكّة في عصر الرسول أو الائمة عليه وعليهم الصلاة.
(1) المشهور كما عن كشف اللثام وغيره حرمة لبس السّلاح على المحرم في غير صورة الضرورة وقال المحقق في الشرايع: وقيل يكره وهو الأشبه وفي الجواهر: لكن
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثمانون، ح4.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والثمانون، ح1.
(الصفحة 268)
لم نعرف القائل قبل المنصف نعم هو خيرة الفاضل في المحكى عن جملة من كتبه وتبعهما غيرهما وكيف كان اللازم ملاحظة الروايات المتعددة الواردة في الباب فنقول:
منها وهي العمدة مارواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله عن أبي جعفر ـ يعني أحمد بن محمد بن عيسى الذي يكون هو وأبوه من الثقات ـ عن أبيه عن عبدالله بن المغيرة عن عبدالله بن سنان قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) أيحمل السلاح المحرم؟ فقال اذا خاف المحرم عدوّاً أو سرِقاً فليلبس السلاح(1) . والكلام في دلالة الرواية بعد ظهور صحة سندها يقع من جهات:
الجهة الاُولى في أن دلالة الرواية على حرمة لبس السلاح في غير مورد الخوف من العدوّ أو السّارق انّما هي من طريق ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وهو مورد للمناقشة امّا لأجل انكار المفهوم لها كما اخترناه في المباحث الأصولية وامّا لأجل ان المفهوم على تقدير القول بثبوته لها انّما يكون مورده ما اذا لم يكن الشرط في القضية الشرطية مسوقاً لبيان الموضوع وفي غير هذه الصورة لا مفهوم لها كما في مثل قوله ان رزقت ولداً فأختنه وفي المقام يكون من هذا القبيل فان المحرم اذا لم يكن خائفاً من الأمرين المذكورين لا داعي له الى لبس السّلاح بوجه خصوصاً بعد لزوم رفع اليد عن لبس المخيط ايضا.
ويدفع المناقشة من الجهة الاُولى انّ القائل بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية لا يدّعي ان ذكر الشرط فيها يكون لغواً ولا أثر بحيث لم يكن فرق عنده بين وجود الشرط وعدمه في ثبوت الجزاء حتى يكون مفاد قوله ان جائك زيد فأكرمه ثبوت وجوب الاكرام بنحو الواجب المطلق بل مدّعاه عدم كون الشرط علّة تامة منحصرة فيمكن
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والخمسون، ح2.
(الصفحة 269)
ان يكون هناك شرط آخر مؤثر في ترتب الجزاء وعليه فالمستفاد من الرواية ان جواز لبس المحرم السّلاح لايكون بنحو الاطلاق بل يكون مشروطاً بحيث لولا الشرط الواحد أو الأكثر لايتحقق الجواز فيستفاد منها الحرمة في صورة الاختيار وعدم تحقق الشرط.
ومن الجهة الثانية وضوح عدم كون الشرط في الرواية مسوقاً لبيان الموضوع فانه يمكن ان يلبس المحرم السلاح لأجل اظهار الشخصية أو لكونه معتاداً بذلك أو لغيرهما من الدواعي ويدلّ على ذلك جعل اللبس في غير حال الضرورة من محرمات الاحرام أو مكروهاته فانّه لو لم يكن له مورد في الخارج أصلاً لم يكن وجه للتعرض لذلك وبيان حكمه ولو كان هي الكراهة كما هو واضح ولذا ذكر صاحب الجواهر ان هذه الدعوى لاتستأهل جوابا.
الجهة الثانية في ان العنوان المأخوذ في السؤال هو عنوان «الحمل» والذي جعل متعلقاً للحكم في الجواب هو عنوان «اللبس» وقد جعل الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ في مثل كتاب الصلاة في بحث اعتبار الطهارة في لباس المصلي هذين العنوانين متغايرين حيث ان اللباس المتنجس أمر والمحمول المتنجس أمر آخر وعليه فاللازم بمقتضى لزوم تطابق الجواب والسؤال وانه لايجوز ان يكون مورد السؤال أمراً ومورد الجواب أمراً آخر ان توجه الرواية بإحدى التوجيهات الثلاثة.
أحدها ان يقال ان مورد السؤال وان كان هو الحمل إلاّ ان الجواب بالاضافة الى اللبس بالجواز فيه في صورة الخوف يدل بالاولوية على جواز الحمل في الصورة المذكورة فانه لو كان اللبس جائزاً لكان جواز الحمل بطريق أولى لكون اللبس أشدّ اضافة الى المحرم من الحمل.
ويردّ عليه مضافاً الى ان افادة الجواب عن مورد السؤال من طريق الأولوية خلاف