(الصفحة 55)مسألة 14 ـ لابأس ببيع الطيب وشرائه والنظر اليه لكن يجب الاحتراز عن استشمامه 1 .
المتقدمة صحيحة معاوية بن عمّار التي فصلنا الكلام فيها في البحث الذي كان مورداً للاختلاف بين المشهور وغيره وهو ان الحرام هل هو مطلق الطيب أو خصوص بعض أنواعه وكذا صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم المتقدمة ايضاً وقد وقع في كلتيهما الجمع بين لزوم الامساك على الأنف من الريح الطيبة وحرمة الامساك على الأنف من الريح الخبيثة فان قلنا بان المحرَّم في باب الطيب هو مطلقة فالأمر والنهي في الجملتين باقيان على ظاهرهما من الوجوب والحرمة وان لم نقل بذلك بل باختصاص الحرمة ببعض أنواع الطيب فاللازم كما ذكرنا حمل الأمر على الاستحباب خصوصاً مع التعليل في الصحيحة الأولى بانه لاينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة وعليه فهل مقتضى وحدة السياق حمل النهي أيضاً على الكراهة أو ان اشتمال كل من الجملتين على حكم خاص يمنع عن التصرف في الظهور الذي لم ينهض دليل على التصرف فيه والظاهر هو الثاني خصوصاً لو قلنا بمثله في جملة واحدة كما في قوله اغتسل للجمعة والجنابة فان قيام الدليل على استحباب الأوّل لايوجب ثبوت الاستحباب للثاني أيضاً فتدبّر.
(1) قد مرّ البحث في ذلك فيما تقدم في تنقيح متعلق الحرمة في الأفعال المضافة الى الطيب وذكرنا ان مثل هذه الأفعال خارج عن دائرة المتعلق ويدلّ على جواز النظر خصوص صحيحة محمد بن اسماعيل يعني ابن بزيع قال رأيت أبا الحسن (عليه السلام)كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه بثوبه من رائحته (ريحهخل)(1) . فانّها ظاهرة في الاقتصار على الامساك على الأنف من دون اضافة غمض العين وعدم النظر خصوصاً مع كون الغرض من الكشف هو النظر اليه فتدلّ على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح1.
(الصفحة 56)مسألة 15 ـ كفارة استعمال الطيب شاة على الأحوط، ولو تكرّر منه الاستعمال فان تخلّل بين الاستعمالين الكفارة تكرّرت وإلاّ فان تكرّر في أوقات مختلفة فالأحوط الكفارة، وان تكرّر في وقت واحد لايبعد كفاية الكفارة الواحدة 1 .
عدم حرمته بوجه.
(1) في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الأولى:
في اصل ثبوت الكفارة في استعمال الطيب في الجملة ولا شبهة فيه نصّاً وفتوى وستأتي النصوص الدالة عليه انشاء الله تعالى.
الجهة الثانية:
ظاهر المتن تبعاً لأكثر الأصحاب ثبوت الكفارة في جميع أنواع استعمال الطيب من الشمّ والأكل وغيرهما بعنوان واحد وقد صرّح بذلك المحقق في الشرايع حيث قال: «فمن تطيّب كان عليه دم سواء استعمله صبغاً أو اطلاءً، ابتداءً أو استدامة أو بخوراً أو في الطعام» وذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعده: بلا خلاف أجده فيه بل عن المنتهى الاجماع عليه بل حكى عن التذكرة والتحرير زيادة عناوين اُخر حتى انه قال في الأولى لو داس بنعله طيباً فعلق بنعله وجبت الفدية وكيف كان فاللازم في هذه الجهة ملاحظة الروايات فنقول انّها في بادئ النظر على طوائف أربع:
الطائفة الأولى ما ظاهره ثبوت كفارة الدم أو دم شاة في مورد الأكل وفي هذه الطائفة روايتان:
احداهما صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسياً فلا شيء عليه ويستغفر الله ويتوب اليه(1) . ولايبعد
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح1.
(الصفحة 57)
دعوى الغاء الخصوصية من عنوان «الأكل» في هذه الرواية لو لم يكن في البين ما يدلّ على الخلاف ولذا استفيد منها أصل الحرمة بالاضافة الى مثل الشمّ أيضاً.
ثانيتهما صحيحة اُخرى له قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة(1) . فان قوله: أكل طعاماً... مطلق شامل لأكل الطعام الذي فيه الزعفران أو غيره من أنواع الطيب المحرَّم ولا مجال لدعوى اختصاصه بخصوص أكل الصيد لكن لايجري فيه الدعوى المذكورة في الصحيحة المتقدمة فتدبّر.
الطائفة الثانية ما يتوهم فيه المعارضة للطائفة الأولى وان كفارة الدم لاتكون ثابتة في مورد الأكل وهي موثقة الحسن ابن هارون عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال قلت له أكلت خبيصاً فيه زعفران حتى شبعت «وانا محرم» قال: اذا فرغت من مناسكك وأردت الخروج من مكّة فاشتر بدرهم تمراً ثم تصدق به يكون كفارة لما أكلت، ولما دخل لعيك في احرامك ممّا لاتعلم(2). ولكن ذيل الرواية لو لم نقل بظهور السؤال في نفسه في عدم كون أكل الخبص المشتمل على الزعفران مع التعمد والالتفات الى حرمته ويؤيده قوله: حتى شبعت، ظاهر بل صريح في ان ما دخل عليه في احرامه كان ناشياً عن الجهل وعدم العلم وانّه لو كان عالماً بذلك لم يقع منه الأكل المذكور فلا تعارض الطائفة المتقدمة بوجه بل يحمل الأمر بالتصدق بالتمر الذي اشتراه بدرهم على الاستحباب لعدم تحقق مخالفة التكليف الفعلي ويمكن توجيهه بما وجهنا به الأمر بالاستغفار
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثالث، ح1.
(الصفحة 58)
والتوبة في صحيحة زرارة الأولى ممّا تقدم وكيف كان فهذه الطائفة لاتعارض الطائفة الأولى بوجه.
الطائفة الثالثة ما يتوهّم صحة الاستدلال به لثبوت كفارة الدم في غير مورد أكل الطيب ايضاً وهي روايتان:
احداهما صحيحة معاوية بن عمّار في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، وان كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه...(1)
ويرد على الاستدلال بها مضافاً الى ان الظاهر عدم كونها رواية عن المعصوم (عليه السلام) ولو بنحو الاضمار بل كونها فتوى معاوية بن عمار، والفتوى لاتصلح للاستناد اليها، ان الاظهر عدم كون دهن بنفسج من الطيب اصلاً وان الحرمة التي تكشف عنها الكفارة إنّما يكون متعلقها الأدهان الذي هو عنوان مستقل من محرّمات الاحرام وسيأتي البحث عنه انشاء الله تعالى ولأجله يرد على صاحب الوسائل عدم انطباق عنوان الباب وهو ثبوت الكفارة في انواع استعمال الطيب على هذه الرواية.
ويدلّ على عدم كون دهن البنفسج من أنواع الطيب رواية أبي الحسن الاحمسي قال سَأَل ابا عبدالله (عليه السلام) سعيد بن يسار عن المحرم تكون به القرحة أو البثرة أو الدمل فقال: اجعل عليه بنفسج واشباهه ممّا ليس فيه الريح الطيبة(2).
ثانيتهما مارواه في قرب الاسناد عن عبدالله بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال لكلّ شيء خرجت من حجّك فعليه «فعليك خ ل» فيه
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع، ح5.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثلاثون، ح3.
(الصفحة 59)
دم يهريقه «تهريقه خ ل» حيث شئت(1) . وحكى عن الكتاب المذكور مكان «خرجت»: «فيه خرجت».
هذا والظاهر ان الرواية مضافاً الى ضعف سندها لما عرفت مراراً من عدم توثيق عبدالله بن الحسن لا مجال للاستدلال بها لأنه على تقدير كون النسخة «خرجت» وكون المراد بالخروج من الحج هو اكمال الحج والفراغ عنه يكون مفاد الرواية ان كل شيء صار ارتكابه موجباً لثبوت الدم ولزوم اهراقه يجوز لك ان تهريقه أيّ مكان شئت ولا خصوصية لمكّة ومنى لأنّه على هذا التقدير يكون قوله: فعليه فيه دمّ تتمة للموضوع وله دخل في ثبوته ولا مجال لتوهم التمامية بمجرد قوله لكل شيء خرجت من حجّك.
نعم على تقدير كون النسخة «جرحت» التي يكون معناها عروض الجرح والنقص في الحج ولو بارتكاب بعض ما لايجوز ارتكابه فيه أو كون المراد بالخروج هو الخروج عن الطريق التي يجب عليه طيّها والمشي عليها حيث انه يطلق على العاصي انه الخارج من اطاعة أو أمر الله ونواهيه يمكن ان يقال بكون الرواية مسوّقة لإفادة ثبوت الدم بسبب الجرح أو الخروج بالمعنى المذكور لتمامية الموضوع بمجرد قوله جرحت من حجّك أو خرجت منه بهذا المعنى ولا ينافيه الدلالة على ثبوت حكم ثان وهو جواز اراقة الدم حيث شاء وايّ مكان أراد.
كما انه على هذا التقدير ايضاً يمكن ان يكون تتمة للموضوع وناظراً الى موارد ثبوت الدم فتكون الرواية مسوّقة لإفادة حكم واحد ولا دلالة لها على ان الدم في أي مورد ثابت بل لابد من نهوض الدليل عليه.
وكيف كان فالرواية مخدوشة سنداً ودلالة ولا تصلح لإفادة ثبوت الدم بنحو
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح5.