(الصفحة 170)
بالصحة اشكالاً من جهة انّ الشيخ وان كان رواها عن حريز بطريق صحيح وهو عن الامام (عليه السلام)من دون واسطة لكن الكليني رواها بعينها من دون فرق إلاّ في عدم ثبوت الباء في قوله في آخر الرواية بالخيار عن حريز عمن أخبره عن ابي عبدالله (عليه السلام) وعليه فالرواية من هذا الطريق تكون مرسلة وحيث انّ الرواية واحدة والراوي لها هو حريز ونقله مردّد بين الارسال وغيره فلا تتصف الرواية بالاعتبار والحجّية لأن موضوعها الرواية المسندة الصحيحة ـ مثلاً ـ وهذا الموضوع غير محرز في المقام.
نعم لو كان الراوي متعدداً لم يقدح ارسال احداهما في صحة الاُخرى، كما انه لو كانت رواية الصدوق لها في المقنع بنحو الإرسال من قبيل المرسلات المعتبرة التي أشرنا اليها مراراً لكانت معتبرة لكن لايحضرني فعلاً كتاب المقنع حتى اراجعه، مع انّك عرفت انه لا حاجة الى الرواية اصلاً بعد دلالة الآية بوضوح على ارتفاع الحرمة لمن كان مريضاً أو به اذى من رأسه، مضافاً الى قاعدة نفي الحرج وان كانت قاعدة نفي الضرر محلّ خلاف واشكال.
الفرع الثاني: انه لابأس بسقوط الشعر حال الوضوء أو الغسل مع عدم قصد الإزالة ويدلّ عليه مضافاً الى قاعدة نفي الحرج، موثقة الهيثم بن عروة التميمي، قال: سأل رجل ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان فقال: ليس بشيء، ماجعل عليكم في الدين من حرج(1) . ومن الواضح انه لا فرق بين الوضوء والغسل كما ان الظاهر انه لا فرق بين الوضوء الواجب على تقدير وجوبه وبين الوضوء المستحب وكذا في باب الغسل والاستدلال في الرواية على عدم الحرمة بقاعدة نفي الحرج لايوجب الانحصار بالوضوء والغسل الواجبين كما لايخفى.
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح6.
(الصفحة 171)مسألة 29 ـ كفّارة حلق الرأس ان كان لغير ضرورة شاة على الأحوط بل لايبعد ذلك، و لو كان للضرورة اثنا عشر مدّاً من الطعام لستة مساكين لكل منهم مدّان، او دم شاة او صيام ثلاثة ايام، والأحوط في إزالة شعر الرأس بغير حلق، كفارة الحلق 1 .
(1) الكلام في هذه المسألة يقع في اُمور:
الأمر الاوّل: كفارة حلق الرأس في حال الاختيار وعدم الضرورة. والمشهور بل ربما يستظهر من المنتهى، الاجماع على عدم الفرق في الفدية التي تدلّ عليها الآية الشريفة وهي المخيّرة بين الاُمور الثلاثة، بين الضرورة وغيرها وفي كلام المحقّق اطلاق الحكم حيث قال: «الخامس حلق الشعر وفيه شاة أو اطعام عشرة مساكين لكل منهم مدّ وقيل ستّة لكل منهم مدّان أو صيام ثلاثة أيام».
والتحقيق انّ الآية الشريفة لا تدلّ على ثبوت الكفارة في حلق الرأس اختياراً وثبوتها في صورة الضرورة لا تستلزم الثبوت في صورة الاختيار فضلاً عن الدلالة بصورة الاولوية وعلى تقدير الدلالة لا دلالة لها على وحدة الكفّارتين وعدم ثبوت المغايرة في البين فلابد في استفادة كفارة صورة الاختيار من الرجوع الى ما يدلّ عليه من الروايات وإلاّ فالآية والروايات الواردة في تفسيرها وبيان شأن نزولها قاصرة عن بيان كفارة الاختيار، فانظر الى صحيحة زرارة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال اذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي احصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستّة مساكين، والصوم، ثلاثة ايام، والصدقة، نصف صاع لكل مسكين.
وتؤيدها رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة الصحيحة والمرسلة.
وكيف كان فالذي يمكن ان يستدلّ به لحكم صورة الاختيار صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: من حلق رأسه أو نتف ابطه ناسياً أو ساهياً أو جاهلاً، فلا شيء
(الصفحة 172)
عليه، ومن فعله متعمداً فعليه دم(1) .
فان الظاهر بقرينة المقابلة سيما مع الجاهل ان المراد بالمتعمد ليس هو الملتفت القاصد فقط بل هو مع عدم المشروعية في حقّه فتدلّ على ثبوت الدم في الحلق الاختياري غير المشروع والظاهر ان ثبوت الدم انّما هو بعنوان التعين لا بعنوان أحد الاُمور الثلاثة المخيّرة.
والظاهر اتّحاد هذه الرواية مع الرواية التي جعلت رواية اُخرى لزرارة قال سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: من نتف ابطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء، ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة(2).
وعلى ما ذكرنا يظهر اختلاف الصورتين من جهة الكفارة فان كان هناك اجماع على الاتحاد، فلابدّ من الأخذ به وان لم يكن كما هو الظاهر، فمقتضى الدليل عدم الاتحاد، ولأجله نفي البعد في المتن عن ثبوت الدم في صورة الاختيار في المتن.
الأمر الثاني: كفارة حلق الرأس في صورة الضرورة وصريح الآية ثبوت الكفارة المخيرة فيه بين الصيام والصدقة والنسك ولا اشكال ولا خلاف في ان الصيام ثلاثة أيام وان المراد بالنسك هي الشاة وامّا الصدقة فالأشهر في الرواية والفتوى كما في الجواهر حاكياً عن كشف اللثام ما في المتن من كون الصدقة على ستّة مساكين لكل مسكين مدان ويدلّ عليه مضافاً الى رواية حريز المتقدمة المرددة بين المسندة والصحيحة، صحيحة زرارة على نقل الشيخ في التهذيب عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال اذا احصر الرجل
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب العاشر، ح10.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.
(الصفحة 173)
فبعث بهديه فاذاه رأسه قبل ان ينحر هديه فانه يذبح شاة في المكان الذي احصر فيه أو يصوم أو يتصدق على ستة مساكين والصوم ثلاثة أيام والصدقة نصف صاع لكل مسكين(1) .
لكن في مقابلها مرسلة الصدوق المعتبرة قال مرّ النبي (صلى الله عليه وآله) على كعب بن عجرة الانصاري وهو محرم وقد أكل القمل رأسه وحاجبيه وعينيه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)ماكنت أرى ان الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك نسكاً لحلق رأسه لقول الله عزوجل فمن كان منكم مريضاً أو به اذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك، فالصيام ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع من تمر(2). قال روى مدّ من تمر والنسك شاة لايطعم منها أحداً إلاّ المساكين(3).
هذا ولكن حيث ان الظاهر انه لم يقل أحد من الأصحاب بالصدقة على ستة مساكين لكل مسكين صاع الذي هو أربعة أمداد فاللازم طرح المرسلة وان كانت في نفسها معتبرة.
هذا وظاهر عبارة الشرايع المتقدمة ترجيح اطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدّ ولعلّ مستنده رواية عمر بن يزيد عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: قال الله تعالى في كتابه: «فمن كان منكم مريضاً أو به اذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك» فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لاينبغي للمحرم اذا كان صحيحاً فصيام ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم وانّما
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح4.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح5.
(الصفحة 174)
عليه واحد من ذلك(1) بنائ على كون المدّ ملازماً غالباً للاشباع. ولكن الرواية ضعيفة سنداً بمحمد بن عمر بن يزيد ودلالة حيث ان مفادها جواز الأكل من الشاة بل وجوبها مع ان الظاهر عدم جواز الأكل من الكفارة كما يدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق المعتبرة، فلا مجال للأخذ بها. ولكن الشيخ حملها على التخيير في كمية الاطعام بين ان يطعم ستّة مساكين لكل مسكين مدّان وبين ان يطعم عشرة يشبعهم.
وعن النافع التخيير بين عشرة امداد لعشرة واثني عشر لستّة، وعن النهاية والمبسوط الاحتياط باطعام عشرة وعن المختلف الاحوط الستّة لكل واحد مدان، وعن المقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر ستّة امداد لستّة ويدلّ عليه ذيل مرسلة الصدوق حيث قال وروى مدّ من تمر.
ولكن بعد الاحاطة بما ذكرنا يظهر انه لامحيص عن الأخذ بما في المتن لصحة مستنده ووجوه الشهرة على طبقه بل قال في الجواهر لا ريب في ان الأقوى الستّة لكل واحد مدان.
الأمر الثالث: هل في إزالة شعر الرأس بغير الحلق كالنتف أو النورة أو الاحراق كفارة أم لا ظاهر المحكّى عن التذكرة ان المراد بالحلق مطلق الإزالة كما وقع التعبير بها من بعضهم ولا يبعد الالتزام به لأنّ العرف لايرى لعنوان الحلق المضاف الى الرأس خصوصية وان كانت الخصوصية بلحاظ المضاف اليه وهو الرأس متحققة ولذا عطف نتف الابط على حلق الرأس في بعض الروايات الواردة في الكفارة. والظاهر ان المغايرة التي يدلّ عليها العطف من جهة المضاف اليه لا من جهة المضاف، وعليه فالأحوط لو لم يكن ثبوت كفارة الحلق في الإزالة من دون فرق بين صورتي الاختيار
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الرابع عشر، ح2.