(الصفحة 267)الرابع والعشرون لبس السّلاح كالسيف والخنجر والطبنجة ونحوها مما هو آلات الحرب إلاّ لضرورة، ويكره حمل السّلاح اذا لم يلبسه ان كان ظاهراً والأحوط الترك 1 .
فهو حرام على الناس أجمعين..(1) . إلاّ ان الذي ينبغي البحث فيه هنا ان كثيراً من الروايات الواردة في هذا المجال دالة على المنع عن قطع نبات الحرم ولكن في جملة من الروايات كصحيحة اُخرى لحريز المتقدمة أيضاً المشتملة على نقل ما وقع يوم فتح مكة(2) جعل الموضوع هو عنوان مكّة وانها حرام بحرام الله الى يوم القيامة لاينفر صيدها ولايعضد شجرها ولا يختلى خلاها... ومن المعلوم ان مكّة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)بل في زمن الأئمة (عليهم السلام) كان جزء من الحرم وبعضاً منه ولذا وقع في بعض الروايات التصريح بان الحرم بريد في بريد والظاهر انه لا منافاة بين الطائفتين لأنّ مقتضى الجمع بينهما هو الحكم بكون حرمة قطع شجر مكة ونباتها انّما هو لأجل كونها بعضاً من الحرم لا لأجل نفس عنوان مكّة وعليه فانقلاب النسبة بين مكة وبين الحرم من العموم والخصوص مطلقاً الى العموم من وجه كما في زماننا هذا حيث تكون مكة في بعض جوانبها أوسع من الحرم لايوجب توسعة دائرة الحكم بالاضافة الى ماهو خارج عن عنوان «الحرم» وهذا بخلاف بعض الاحكام التي موضوعها عنوان «مكّة» مثل الاحرام لحج التمتع حيث انه يجب ان يكون من مكّة وقد عرفت في المباحث السابقة ان سعة بلد مكة توجب سعة دائرة جواز الاحرام للحجّ المذكور ولا يختص الحكم بمكّة في عصر الرسول أو الائمة عليه وعليهم الصلاة.
(1) المشهور كما عن كشف اللثام وغيره حرمة لبس السّلاح على المحرم في غير صورة الضرورة وقال المحقق في الشرايع: وقيل يكره وهو الأشبه وفي الجواهر: لكن
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والثمانون، ح4.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والثمانون، ح1.
(الصفحة 268)
لم نعرف القائل قبل المنصف نعم هو خيرة الفاضل في المحكى عن جملة من كتبه وتبعهما غيرهما وكيف كان اللازم ملاحظة الروايات المتعددة الواردة في الباب فنقول:
منها وهي العمدة مارواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله عن أبي جعفر ـ يعني أحمد بن محمد بن عيسى الذي يكون هو وأبوه من الثقات ـ عن أبيه عن عبدالله بن المغيرة عن عبدالله بن سنان قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) أيحمل السلاح المحرم؟ فقال اذا خاف المحرم عدوّاً أو سرِقاً فليلبس السلاح(1) . والكلام في دلالة الرواية بعد ظهور صحة سندها يقع من جهات:
الجهة الاُولى في أن دلالة الرواية على حرمة لبس السلاح في غير مورد الخوف من العدوّ أو السّارق انّما هي من طريق ثبوت المفهوم للقضية الشرطية وهو مورد للمناقشة امّا لأجل انكار المفهوم لها كما اخترناه في المباحث الأصولية وامّا لأجل ان المفهوم على تقدير القول بثبوته لها انّما يكون مورده ما اذا لم يكن الشرط في القضية الشرطية مسوقاً لبيان الموضوع وفي غير هذه الصورة لا مفهوم لها كما في مثل قوله ان رزقت ولداً فأختنه وفي المقام يكون من هذا القبيل فان المحرم اذا لم يكن خائفاً من الأمرين المذكورين لا داعي له الى لبس السّلاح بوجه خصوصاً بعد لزوم رفع اليد عن لبس المخيط ايضا.
ويدفع المناقشة من الجهة الاُولى انّ القائل بعدم ثبوت المفهوم للقضية الشرطية لا يدّعي ان ذكر الشرط فيها يكون لغواً ولا أثر بحيث لم يكن فرق عنده بين وجود الشرط وعدمه في ثبوت الجزاء حتى يكون مفاد قوله ان جائك زيد فأكرمه ثبوت وجوب الاكرام بنحو الواجب المطلق بل مدّعاه عدم كون الشرط علّة تامة منحصرة فيمكن
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والخمسون، ح2.
(الصفحة 269)
ان يكون هناك شرط آخر مؤثر في ترتب الجزاء وعليه فالمستفاد من الرواية ان جواز لبس المحرم السّلاح لايكون بنحو الاطلاق بل يكون مشروطاً بحيث لولا الشرط الواحد أو الأكثر لايتحقق الجواز فيستفاد منها الحرمة في صورة الاختيار وعدم تحقق الشرط.
ومن الجهة الثانية وضوح عدم كون الشرط في الرواية مسوقاً لبيان الموضوع فانه يمكن ان يلبس المحرم السلاح لأجل اظهار الشخصية أو لكونه معتاداً بذلك أو لغيرهما من الدواعي ويدلّ على ذلك جعل اللبس في غير حال الضرورة من محرمات الاحرام أو مكروهاته فانّه لو لم يكن له مورد في الخارج أصلاً لم يكن وجه للتعرض لذلك وبيان حكمه ولو كان هي الكراهة كما هو واضح ولذا ذكر صاحب الجواهر ان هذه الدعوى لاتستأهل جوابا.
الجهة الثانية في ان العنوان المأخوذ في السؤال هو عنوان «الحمل» والذي جعل متعلقاً للحكم في الجواب هو عنوان «اللبس» وقد جعل الفقهاء ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ في مثل كتاب الصلاة في بحث اعتبار الطهارة في لباس المصلي هذين العنوانين متغايرين حيث ان اللباس المتنجس أمر والمحمول المتنجس أمر آخر وعليه فاللازم بمقتضى لزوم تطابق الجواب والسؤال وانه لايجوز ان يكون مورد السؤال أمراً ومورد الجواب أمراً آخر ان توجه الرواية بإحدى التوجيهات الثلاثة.
أحدها ان يقال ان مورد السؤال وان كان هو الحمل إلاّ ان الجواب بالاضافة الى اللبس بالجواز فيه في صورة الخوف يدل بالاولوية على جواز الحمل في الصورة المذكورة فانه لو كان اللبس جائزاً لكان جواز الحمل بطريق أولى لكون اللبس أشدّ اضافة الى المحرم من الحمل.
ويردّ عليه مضافاً الى ان افادة الجواب عن مورد السؤال من طريق الأولوية خلاف
(الصفحة 270)
الظاهر وخلاف ماهو المتعارف في باب السؤال والجواب انّ الأولوية انّما هي متحققة في ناحية المنطوق الذي يكون الحكم فيه الجواز وامّا في ناحية المفهوم الذي يكون الجزاء فيه عدم الجواز تكون الأولوية بالعكس لأن عدم جواز اللبس في صورة عدم الخوف لايستلزم عدم جواز الحمل ايضاً كما لايخفى.
ثانيها ما أفاده بعض الاعلام (قدس سرهم) ممّا يرجع مع توضيح منّا الى ان لا مغايرة بين الحمل بالمعنى اللغوي لا بالمعنى العرفي الذي أشرنا اليه وبين اللبس إلاّ بنحو العموم والخصوص مطلقاً نظراً الى ان اللبس من مصاديق الحمل بل أظهر مصاديقه وافراده والتعبير به في الجواب مع كون السؤال عن مطلق الحمل انّما هو لأجل غلبة اللبس في الخارج وكونه أظهر مصاديقه وعليه فمتعلق الحكم في الجواب هو الحمل بحسب الواقع وإلاّ يلزم عدم التطابق بين السؤال والجواب.
ويرد عليه ان حمل الرواية على خلاف المعنى العرفي وان كان موافقاً للمعنى اللغوي خلاف الظاهر جدّا.
ثالثها ما يستفاد من صاحب الجواهر (قدس سره) وهو ان حمل السلاح تارة يكون بنحو يصدق على الشخص الحامل انه مسلّح فكما يصدق على اللابس هذا العنوان كذلك يصدق على الحامل ايضاً مثل ما اذا أخذ السلاح بيده أو وضعه في جيبه أو في كمّه أو تحت لباسه فانه يصدق في جميع هذه الموارد عنوان «المسلح» واُخرى بنحو لايصدق على الحامل ذلك كما اذا وضعه في الصندوق الذي أخذه بيده وهو يحمله وعليه فيقال في الرواية ان ذكر عنوان الحمل في السؤال وعنوان اللبس في الجواب قرينة على كون المراد هو عنوان المسلّح الجامع بين اللابس وبين الحامل بالنحو الأوّل والظاهر انّ هذا التوجيه هو الظاهر ولا منافاة بين هذه الرواية وبين الروايات الدالة على حرمة عنوان
(الصفحة 271)
اللبس مثل:
صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال «انّ خ» المحرم اذا خاف العدوّ «و خ» يلبس السّلاح فلا كفارة عليه(1) . لكن مفادها ثبوت الكفارة في صورة اللبس من غير خوف العدو ولم يعرف به قائل كما في الجواهر.
وما رواه الصدوق باسناده عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: المحرم اذا خاف لبس السلاح(2). ولكن الظاهر عدم كونها رواية اُخرى لعبد الله بن سنان بل اتحادها مع روايته السّابقة وان كان بينهما الفرق في بعض الجهات. ورواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)قال لابأس بان يحرم الرجل وعليه سلاحه اذا خاف العدو(3).
الجهة الثالثة في ان الظاهر ان الحكم يختص بما يعدّ عرفاً سلاحاً كالأمثلة المذكورة في المتن وامّا الآلات التي يستفاد منها في الحرب لكن بعنوان التحفظ والوقاية ولا يصدق عليها السلاح وعلى اللابس لها انه مسلّح كالدرع والمغفر والترس ونحوها فالظاهر انه لا دليل على حرمة لبسها وان حكى عن البعض التعميم لكن لا مستند له نعم يمكن ان يقال بالمنع في بعضها لأجل كونه موجباً لتغطية الرأس المحرمة على الرجل المحرم أو لأجل كونه شبيهاً للمخيط الذي يحرم لبسه كذلك وامّا من جهة الدخول تحت السلاح المأخوذ في روايات المقام فلا.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا ان الأقوى ما عليه المشهور من ان لبس السلاح في حال الاحرام حرام لا مكروه كما انه ظهر ان مقتضى التأمل في صحيحة عبدالله بن سنان
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والخمسون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والخمسون، ح3.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والخمسون، ح4.