(الصفحة 142)الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة، فلو كان للاستحباب أو لخاصية فيه لا للزينة لا اشكال فيه، والاحوط ترك استعمال الحناء للزينة، بل لو كان فيه الزينة فالأحوط تركه وان لم يقصدها بل الحرمة في الصورتين لاتخلو من وجه، ولو استعمله قبل الاحرام للزينة أو لغيرها لا اشكال فيه ولو بقى اثره حال الاحرام، وليس في لبس الخاتم واستعمال الحناء كفارة وان فعل حراماً 1 .
ويؤيده قوله (عليه السلام) في الصحيحة في الذيل: «ولا ينبغي ان يتعمد قتلها» كما انه يبعده قوله (عليه السلام)في المعتبرة: «بئس ما صنع» وحمل الروايات الدالّة على الثبوت على صورة التعمد، وامّا بجعل الروايات النافية قرينة على التصرف في الروايات المثبتة بحملها على الاستحباب، كما في الموارد المشابهة لكن يبعد هذا الحمل ما أشرنا اليه مراراً من انّه لو كان الاثبات بصيغة افعل لكان حملها على الاستحباب غير بعيد وامّا لو كان بالجملة الخبرية التي هي آكد في الدلالة على الوجوب من الصيغة المذكورة لكان الحمل في غاية البعد.
وبذلك يظهر انّه لو لم نقل بنفي البعد عن ثبوت الكفارة في قتل القملة والقائها فلا أقل من الالتزام بكونه مقتضى الاحتياط الوجوبي فتدبّر جيّداً.
(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:
الجهة الاُولى: في حرمة لبس الخاتم والمشهور شهرة عظيمة هي حرمة لبسه للزينة وعدم حرمته لغيرها كالاستحباب أو لخاصيّة فيه أو لحفظه من الضياع ونحوها لكن المحكى عن النافع والجامع عدم الحرمة وثبوت الكراهة.
والرواية الوحيدة الدالة على الحرمة في اللبس للزينة هي رواية مسمع عن ابي عبدالله (عليه السلام) (في حديث) قال: وسألته أيلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزيّنة(1) .
- (1) الوسائل، الباب السادس والأربعون من ابواب تروك الاحرام، ح4.
(الصفحة 143)
وفي سندها صالح بن السندي وهو لم يوثق بالخصوص بل له توثيق عام وهو الوقوع في اسناد كتاب كامل الزيارات ولكن لو لم يكن له هذا التوثيق ايضاً لكان استناد المشهور اليها جابراً لضعيف سندها لأنّها الرواية الوحيدة في الباب الدالة على التفصيل المشهور.
وامّا من جهة الدلالة فالظاهر كون لا يلبسه انّما هو بصيغة النهي واللام في قوله للزينة لام الغاية والغرض، لا لام التعليل الذي مرجعه الى ان علّة الحرمة هو كون اللبس بنفسه زينة وان لم تكن الزينة مقصودة من لبسه كما في بعض الروايات المتقدمة الواردة في مثل الاكتحال بالسواد.
وعليه فالرواية ظاهرة في اختصاص الحرمة بما اذا كان الغرض من اللبس خصوص الزينة لكن في مقابلها بحسب الظاهر روايات متعددة:
منها رواية نجيح عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: لابأس بلبس الخاتم للمحرم(1) فان مقتضى اطلاقها انه لا فرق بين كون المقصود هي الزينة أو غيرها لكن الرواية ضعيفة بنجيح لأنه لم يوثق بوجه.
ومنها صحيحة محمد بن اسماعيل قال: رأيت العبد الصالح (عليه السلام) وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة(2).
ومنها صحيحة اخرى له قال رأيت علي ابي الحسن الرضا (عليه السلام) وهو محرم خاتماً(3).
- (1) الوسائل، الباب السادس من ابواب تروك الاحرام، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والأربعون، ح3.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والأربعون، ح6.
(الصفحة 144)
ودلالتهما على جواز لبس المحرم الخاتم في الجملة لا شبهة فيها إلاّ انّ في الرواية الاولى اشكالاً من جهة ظهورها في كون الحج الواجب على العبد الصالح (عليه السلام) انّما هو بعد امامته وتصدّيه لها مع انّ موطنه الشريف كانت هي المدينة المنورة ومن المستبعد جدّاً عدم تحقق الاستطاعة الموجبة للحج له قبل ذلك مع قلّة الفاصلة وتحقق الاستطاعة المالية بالمقدار اليسير ولا مجال لحمل طواف الفريضة على الطواف الواجب بالشروع وان كان اصل العمل مستحباً فان قوله وهو محرم يكفي في الدلالة على ذلك كما ان الحمل على الحج الواجب بالنذر وشبهه لا وجه له بعدما مرّ مراراً من ان النذر لايؤثر في صيرورة المنذور متعلقاً للوجوب، بل الواجب في مثله هو عنوان الوفاء والفعل المنذور باق على حكمه قبل تعلق النذر.
وكيف كان مقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيد كون رواية مسمع مقيدة لاطلاق دليل الجواز وكاشفة عن كون عمل المعصوم (عليه السلام) انّما هو اللبس لغير الزينة بل للسنّة كما انه بنفسه يناسب السنّة دون الزينة وان كانت غير محرمة مع قطع النظر عن الاحرام وامّا جعل هذه الروايات قرينة على حمل النهي في رواية مسمع على الكراهة، فلا وجه له خصوصاً بعد كون الرواية المطلقة ضعيفة والروايتان الحاكيتان لفعل الامامين (عليهما السلام) لا اطلاق لهما فاللازم بمقتضى القاعدة المذكورة، حمل المطلق على المقيد والالتزام بالتفصيل الذي ذهب اليه المشهور.
ثمّ ان المعيار في كون اللبس للزينة أو لغيرها والمرجع في الفرق بينهما هو القصد كما عن الذخيرة وجماعة من الاصحاب لأنه ليس لكل منهما هيئة خاصة وضعت لأجله بل ليس في البين غلبته بالنسبة الى أحدهما فان كثيراً من الناس يلبسون الخاتم للزينة كما ان كثيراً منهم سيما المتدينون المتعبدون يلبسونه للسنّة كما انه يوجد بعض
(الصفحة 145)
الاغراض الاُخر احياناً على ما اشرنا اليه، وليس الفارق إلاّ القصد. وعليه فلو كان المقصود خصوص الزينة بحيث لم يكن داع ومحرّك غيرها فلا اشكال بمقتضى الرواية في الحرمة كما انه لو كان الداعي والمحرّك خصوص مثل السنّة فلا شبهة في عدم الحرمة.
وامّا لو كان الداعي مركباً منهما امّا بان كان اجتماعهما دخيلاً في اللبس بحيث لو لم يكن احدهما، لم يتحقق في الخارج وامّا بان كان كل منهما داعياً تامّاً ومستقلاً بحيث، لو لم يكن الآخر لكان مؤثراً في الايجاد لكن اجتماعهما وعدم ثبوت الرجحان من جهة التأثير أوجب استناد المعلول اليهما معاً لعدم امكان اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد، فهل المستفاد من الرواية الحرمة بلحاظ مدخلية الزينة وثبوت قصدها ولو في الجملة، أو ان المستفاد منها، العدم بلحاظ ظهورها عند العرف في انه لايكون في البين إلاّ قصد الزينة فيه وجهان لايبعد القول بالوجه الثاني وعلى فرض عدم ظهور الرواية في أحد الوجهين وثبوت الاجمال في البين يكون المرجع اصالة الحليّة في الصورتين كما لايخفى.
ثمّ ان مقتضى الجمع بين ما يستفاد من الروايات الواردة في لبس الخاتم للمحرم من التفصيل المذكور وبين مقتضى عموم التعليل الوارد في بعض روايات الاكتحال بالسواد المتقدمة مثل قول ابي عبدالله (عليه السلام) في صحيحة حريز: لاتكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السّواد زينة وكذا بعض ما ورد في النظر في المرآة مما يشتمل على التعليل مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي المتقدمة: لاتنظر في المرآة وانت محرم فانه من الزينة وان ناقشنا في هذا العموم الثاني فيما سبق انّما هو بأحد أمرين:
الامر الأوّل: ان يقال بالفرق بين الاكتحال بالسواد وبين لبس الخاتم فان الاوّل
(الصفحة 146)
وضع للزينة ويكون الغرض الغالبي منه هي الزينة وقلّما يتفق ان يراد به غيرها كالمداوى أو حفظ البصر عن التأذي عن نور الشمس ـ مثلاً ـ بخلاف لبس الخاتم الذي لم يوضع للزينة، بل قد عرفت اختلاف الاغراض في لبسه جدّاً بل لعلّ كون الغرض منه هي السنّة امراً غالبيّاً فيه وعليه فالكبرى المطوية في الصحيحة التي يكون مقتضاها حرمة لبس المحرم كل زينة لايكون لبس الخاتم صغرى لها بوجه، بل الصغرى هو ما وضع للزينة مثل الاكتحال بالسّواد خصوصاً بعد ظهور عدم كون التعليل بأمر تعبدي بل بما هو مورد لقبول العرف والعقلاء.
الامر الثاني: ان يقال انه على تقدير تسليم كون لبس الخاتم من مصاديق الزينة وصغرياتها لا مانع من الالتزام بتخصيص تلك الكبرى المطوية الظاهرة في حرمة الزينة مطلقاً ولو لم يقصد بها الزينة بادلّة المقام التي مقتضاها التفصيل بين الصورتين، ولا مجال لتوهم كون الكبرى بلحاظ وقوعها في مقام التعليل لا تصلح لعروض التخصيص لها، ضرورة ان وقوعها في المقام المذكور لايخرجها عن القابلية له وتطبيقها على الصغرى المذكورة في العلّة انما هو بلحاظ عدم كونها من موارد التخصيص وعليه فالجمع بين ادلّة المقام وبين مقتضى التعليل هو اخراج لبس الخاتم عن العموم والالتزام بالتفصيل.
ومما ذكرنا ظهر انه لو قطع النظر عن ادلّة المقام وفرضت المناقشة في صحة الاستدلال برواية مسمع التي عرفت انها الدليل الوحيد، لما كان وجه للالتزام بالتفصيل المذكور، بل لابدّ امّا ان يقال بالجواز مطلقاً أو يقال بعدمه كذلك، وعليه فجعل التعليل مستنداً مع قطع النظر عن دليل المقام كما يظهر من بعض الاعلام (قدس سرهم) لا وجه له إلاّ على تقدير كون المراد هي الحرمة المطلقة فتدبّر.