(الصفحة 208)
ومنها رواية احمد بن محمد «بن ابي نصر خ» عن ابي الحسن (عليه السلام) قال: مرّ ابو جعفر (عليه السلام)بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها(1) .
ومنها غير ذلك من الروايات لكن في مقابلها بعض الروايات التي عبّر فيها بالكراهة كرواية يحيى بن ابي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه كرّه للمحرمة البرقع والقفازين(2). وصحيحة عيص بن القاسم قال قال ابو عبدالله (عليه السلام) في حديث: كره النقاب يعني للمرأة المحرمة وقال تسدل الثوب على وجهها قلت حدّ ذلك الى أين؟ قال الى طرف الأنف قدر ما تبصر(3).
والرواية الاُولى ضعيفة بحيى بن ابي العلاء لعدم توثيقه والظاهر انه غير يحيى بن العلاء الذي هو ثقة والظاهر انّ المراد من الكراهة في الروايتين الحرمة لدلالة الروايات الظاهرة في الحرمة عليه ولا مجال لاحتمال العكس بجعل التعبير في الكراهة في هاتين الروايتين قرينة على ان المراد من قوله: «المحرمة لا تتنقب»، هو الكراهة لأن حمل مثله عليها لا يلائم مع التعليل الوارد فيها بان احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه مع انّك عرفت حرمة تغطية الرأس عليه وكذا لايلائم مع التعليل بقوله انّك ان تنقبت لم يتغير لونك وكذا مع اماطة الامام (عليه السلام) بنفسه المروحة عن وجهها.
الجهة الثانية: في التغطية بما لايتعارف كالحشيش والطين بعدما عرفت من دلالة بعض الروايات على حرمة التغطية بالمروحة ايضاً لكنها تغاير مثل الحشيش بثبوت التعارف فيها في الجملة دونه والظاهر انّ حكمهنّ بالاضافة الى مثل هذه التغطية حكم
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح4.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح9.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح2.
(الصفحة 209)
الرجال بالنسبة الى الرأس وتغطيته بمثلها، لكن التعليل الوارد في بعض الروايات المقام بقوله مخاطباً لامرأة محرمة متنقّبة انّك ان تنقبتِ لم يتغيّر لونك يزيد في وضوح حكم المقام فانه كما ان النقاب مانع عن تغيّر اللون المطلوب في باب الحج في وجه النساء كذلك الحشيش والطين ومثلهما مانع عن ذلك وعدم التعارف في الاستفادة في التغطية من مثلهما لايقدح في شمول التعليل واقتضائه للحرمة فيما لايتعارف ايضاً فالأحوط لو لم يكن أقوى عدم التغطية بمثلهما.
الجهة الثالثة: في حكم تغطية بعض الوجه ظاهر الكلمات انه لا فرق بين المقام وبين ما تقدم من حرمة تغطية الرجل بعض رأسه وانّ كلتا المسألتين من ورد واحد ولا فرق بينهما اصلاً مع انّك عرفت هناك انّ جلّ الأدلّة الواردة في حرمة تغطية الرأس ظاهرها تغطية الجميع، غاية الأمر ان التعبير بالاصابة في بعض الروايات الصحيحة صار موجباً لتوسعة دائرة الحرمة والشمول لتغطية بعض الرأس لتحقّق الاصابة بسببها.
وامّا المقام فما دلّ على المنع من البرقع لايدلّ على أزيد من حرمة تغطية جميع الوجه لأنّ البرقع يكون ساتراً له ظاهراً وامّا ما دلّ على اماطة الامام (عليه السلام) المروحة عن وجه المرأة المحرمة فلا دلالة له على توسعة دائرة الحرمة لأنه لم يعلم كون المروحة ساترة لبعض وجهها واحتمال كونها ساترة للجميع نعم يدل على عدم اختصاص الحكم بخصوص الثوب بل يشمل المروحة ايضاً فلا ارتباط لهذه الرواية ايضاً بالمقام.
نعم يبقى ما دلّ على حرمة التنقّب والنهي عن النقاب بعد عدم كون النقاب ساتراً لجميع الوجه ولذا استدلّ صاحب الجواهر بهذا الدليل على شمول الحكم لتغطية بعض الوجه نظراً الى ما ذكرنا.
لكن لابد من ملاحظة انّ في النقاب خصوصيتين: احداهما كون المستور به بعض
(الصفحة 210)
الوجه، وثانيتهما كون المستور به بعضاً معيناً من الوجه وهو الذقن والفم وجزء من الأنف وفي الحقيقة يكون المستور به هو النصف الأسفل من الوجه تقريباً كما تصنعه نساء المغرب على ما رأيناه في المدينة ومكة.
وعليه فلابد من النظر في انّ الخصوصية المانعة عن الستر بالنقاب وهل هي مجرد كونه ساتراً لبعض الوجه يشمل الحكم ستر كل بعض من ابعاض الوجه ولو كان هو الطرف الأعلى أو خصوص طرف اليمين أو اليسار بل ولو كان البعض المستور جزءً يسيراً من الوجه أو انّ الخصوصية المانعة هي كونه ساتراً للبعض المخصوص من جهة المحلّ والمقدار الذي يستربه؟ فيه احتمالان ظاهر الفتاوى باعتبار عدم التفريق بين الكل والبعض وتنظير المرأة بالرجل الذي يحرم عليه ستر جزء من الرأس بل حتى ستر جزء من الأذن: بناء على كونه جزء من الرأس وان ناقشنا فيه سابقاً هو الاحتمال الاوّل ولكنه يبتنى على الغاء الخصوصية من الجهة الثانية وهو يحتاج الى قيام الدليل أو فهم العرف ومن الظاهر عدم قيام الدليل وتحقق فهم العرف، غير معلوم فالانصاف انه لا محيص عن الالتزام بما أفاده بعض الاعلام (قدس سرهم) من التفصيل بين ما اذا كان المستور محلاًّ يستره النقاب فلا يجوز وان كان الساتر غير نقاب لعدم خصوصية له من جهة العنوان وبين ما اذا كان المستور غير ذلك المحلّ كما اذا كان المستور فوق الوجه ولو كان الساتر هو الثوب، ففي الاوّل لايجوز وفي الثاني يجوز وان كان مقتضى الاحتياط الوجوبي الناشيء عن الفتاوي هو الترك.
الجهة الرابعة: في انه يجوز للمرأة المحرمة وضع يدها بل يديها على وجهها لما مرّ في جواز ستر الرجّل رأسه باليد والذراع نعم في رواية سماعة عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه سأله عن المحرمة فقال ان مرّ بها رجل استترت منه بثوبها ولا تستتر بيدها من الشمس
(الصفحة 211)
الحديث(1) . ولكنها كما في الجواهر محمولة على ضرب من الكراهة وذلك لعدم الفتوى بالحرمة من أحد من الاصحاب.
الجهة الخامسة: في انه يجوز لها وضع الوجه على المخدة ونحوها للنوم بل يجوز لها تغطية الوجه حين ارادة النوم وذلك لصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال قلت المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطّي وجهه؟ قال: نعم ولا يخمّر رأسه، والمرأة المحرمة لابأس بان يغطّي وجهها كلّه عند النوم(2).
ولعلّ الحكمة في الجواز حين ارادة النوم هو الخروج بذلك عن المعرضية للنظر لعدم كونها قادرة في حال النوم على التستر بغير التغطية، لكن عرفت سابقاً ان الرواية على نقل الشيخ خالية عن كلمة «عند النوم» وان كان السياق يشعر بإرادة ذلك وامّا على نقل الكليني فمشتملة على الكلمة المذكورة ولايكون في الوسائل اشارة الى اختلاف النقلين بل نقل الرواية في باب عن الشيخ خالية عنها ثم قال: ورواه الكليني كما يأتي، وفي باب آخر عن الكليني مع الاشتمال عليها ثم قال ورواه الشيخ مثله مع انّك عرفت الاختلاف وحيث ان الكليني أضبط من الشيخ، واصالة عدم الزيادة حاكمة في البين فاللازم الاتكال على نقله ولا مانع من ثبوت الاستثناء في حال النوم للحكمة المذكورة كما كان في حرمة تغطية المحرم الرأس بعض الموارد بصورة الاستثناء كعصابة الصداع على ما مر(3).
ثم انه بعد دلالة الرواية الصحيحة على توسعة دائرة حكم الجواز لا مجال
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والاربعون، ح10.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح1.
- (3) وقد حكى عن تهذيب الشيخ ايضاً الاشتمال على الزيادة.
(الصفحة 212)مسألة 34 ـ يجب ستر الرأس عليها للصلاة، ووجب ستر مقدار من اطراف الوجه مقدّمة لكن اذا فرغت من الصلاة يجب رفعه عن وجهها فورا 1 .
لتخصيصه بخصوص وضع الوجه على المخدة ونحوها كما في المتن بل تجوز التغطية ولو بالثوب حال إرادة النوم كما لايخفى وان ذكر في الجواهر بعد نقل الرواية: «ولم أقف على رادّ له كما اني لم أقف على من استثناه من حكم التغطية ويمكن ارادة التغطية بما يرجع الى السّدل أو ما يقرب منه» اقول سيأتي البحث في مسألة السّدل ان شاء الله تعالى ولا مانع من الاستثناء خصوصاً بعد التعبير بالتغطية بالرواية.
(1) قال في الجواهر بعد الحكم بانّه يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمة لكشف الوجه كما يجب على الرجل كشف بعض الوجه مقدمة للرأس: «نعم لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي المنتهى والتذكرة والدروس قدمّت ستر الرأس لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عمّا يصلح للتخصيص ضرورة امكان معارضته بمثله بل لترجيحه بما قيل من ان السّتر أحوط من الكشف لكونها عورة، ولأن المقصود اظهار شعار الاحرام بكشف الوجه بما تسمّى به مكشوفة الوجه وهو حاصل مع ستر جزء يسير منه وان أمكن المناقشة فيه ايضاً بتعارض الاحتياط بالنسبة الى الصلاة والاحرام وكونها عورة في النظر، لا مدخلية له في ذلك، وكما يصدق انّها مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه، يصدق انّها مستورة الرأس مع كشف الجزء اليسير منه، فالمتجه ـ ح ـ التخيير ان لم ترجّح الصلاة بكونها أهم وأسبق حقّاً ونحو ذلك».
أقول بعد ملاحظة ان هذه المسألة مبتنية على حرمة تغطية بعض الوجه ايضاً أيُّ بعض، كان كالكلّ وبعد ملاحظة انه لاتضاد بين الصلاة والاحرام كالتضاد المتحقق بين الصلاة والإزالة في المثال المعروف في مسألة ان الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن