(الصفحة 120)
بالجدال ما عليه ؟ قال: اذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة(1) .
ومنها غير ذلك من الروايات الدالة عليه.
لكن في مقابلها اطلاقان:
احدهما اطلاق ما دلّ على ثبوت الشاة في الجدال من دون فرق بين الثلاث وغيره وهي صحيحة سليمان بن خالد قال سمعت ابا عبدالله (عليه السلام) يقول في الجدال شاة الحديث(2).
ثانيهما اطلاق ما دلّ على عدم ثبوت الكفارة في الجدال كذلك وهي صحيحة يونس بن يعقوب قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يقول: لا والله و بلى والله وهو صادق، عليه شيء؟ قال: لا(3).
لكن الروايات المفصّلة مقيدة لكلا الاطلاقين وشاهدة لحمل الاطلاق الأول على الثلاث والثاني على الأقل كما لايخفى.
المقام الثاني: في حكم الجدال الكاذب والمشهور فيه بين الاصحاب كما في الجواهر بل قيل انه لا خلاف يعتدّ به فيه، هو التفصيل المذكور في المتن الذي جعله مقتضى الاحتياط الوجوبي بل نفى خلّوه عن القوة وهو انّ في المرّة الأولى، شاة وفي المرة الثانية، بقرة وفي المرّة الثالثة بدنة، ولكن لايستفاد من النصوص التي بأيدينا هذا التفصيل بل يدلّ عليه فقه الرّضا والمحكى من رسالة علي بن بابويه التي كان
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاول، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأول، ح1.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاول، ح8.
(الصفحة 121)
الأصحاب قد رجعوا اليها عند اعواز النصوص لكن فقه الرضا لم يثبت اعتباره بل لم يثبت كونه رواية حتى ينجبر ضعفه في مثل المقام بموافقة فتوى المشهور، والرسالة المذكورة انما كانت مرجعاً عند اعواز النصوص مع ان النصوص في المقام موجودة، بل كثيرة، ولابد من ملاحظتها فنقول:
امّا ثبوت الشاة في المرّة الأولى فيدلّ عليه مضافاً الى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد الدالّ على ان في الجدال شاة، صحيحة معاوية بن عمار وموثقة ابي بصير المتقدمتان الظاهرتان في التفصيل بين الجدال الصادق والجدال الكاذب وانه يكون ثبوت كفارة الدم في الأوّل فيما اذا حلف بثلاثة ايمان وفي الثاني بيمين واحدة.
نعم مقتضى اطلاق رواية اُخرى لأبي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: اذا جادل الرّجل وهو محرم فكذب متعمّداً فعليه جزور(1) ، ثبوت الجزور في المرة الأولى أيضاً لكن حيث انّ الرواية قد رواها الشيخ باسناده عن العباس بن معروف وفي هذا الاسناد ابو المفضّل وابن بطة وهما ضعيفان فلا تصلح الرواية للاستناد اليها ولا تكون شهرة جابرة في هذا الفرض فاللازم الحكم بثبوت الشاة.
وامّا
المرة الثانية فمقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت شاتين فيها لدلالتها على ثبوت الشاة عند تحقق طبيعة الجدال والمرة الثانية جدال آخر يترتب عليه شاة كالمرة الأولى، وليس مثل المقام من الاحكام الوضعية داخلاً في بحث التداخل وعدمه كما هو ظاهر.
نعم يدلّ على ثبوت البقرة في المرة الثانية ما رواه العياشي في تفسيره عن ابراهيم بن عبدالحميد عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) قال: من جادل في الحج فعليه اطعام ستة
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأول، ح9.
(الصفحة 122)
مساكين لكل مسكين نصف صاع ان كان صادقاً أو كاذباً فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة وعلى الكاذب بقرة لأنّ الله تعالى قال: فلا رفث ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. الرفث الجماع والفسوق الكذب والجدال قول لا والله و بلى والله والمفاخرة(1) .
بتقريب ان الرواية وان كانت مرسلة من حيث السندومعرضاً عنها من حيث المفاد من جهات مختلفة إلاّ انّه يمكن ان يقال بان قوله: وعلى الكاذب بقرة اي في المرة الثانية مجبور باستناد المشهور اليه وموافقته للشهرة الفتوائية كما في الجواهر ولا يعارضها رواية ابي بصير الدالّة باطلاقها على ثبوت الجزور في المرة الثانية ايضاً بعدما عرفت من ضعفها وعدم الانجبار لها في هذه الجهة.
واما
المرة الثالثة فمقتضى طائفة من الروايات ثبوت البقرة فيها مثل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) قال سألته عن الجدال في الحج فقال: من زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدّم فقيل له: الذي يجادل وهو صادق؟ قال عليه شاة والكاذب عليه بقرة(2).
وصحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال قلت فمن ابتلى بالجدال ما عليه ؟ قال اذا جادل فوق مرّتين فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة(3).
ومقتضى اطلاق رواية ابي بصير ثبوت الجزور في هذه المرّة ايضاً وهي في هذه الجهة موافقة لفتوى المشهور وان كان تعبيرهم انّما هو بالبدنة وتعبير الرواية بالجزور وبينهما الفرق من بعض الجهات.
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الأوّل، ح10.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح6.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الاوّل، ح2.
(الصفحة 123)
كما ان مقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ثبوت ثلاث شياة في هذه المرتبة.
و ـ ح ـ ان قلنا بعدم كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند بوجه فاللازم ان يقال بثبوت شاتين في المرة الثانية وثبوت البقرة في المرة الثالثة لعدم حجيّة مرسلة العياشي هناك وعدم اعتبار رواية ابي بصير هنا واطلاق الصحيحة يقيد بالطائفة الدالة على ثبوت البقرة في خصوص المرّة الثالثة وهذا هو الذي اختاره بعض الاعلام (قدس سرهم).
وان قلنا بكون الشهرة الفتوائية جابرة فاللازم الالتزام في المرة الثالثة بثبوت الجزور بعد الالتزام بكون الشهرة المزبورة جابرة لضعف سند رواية ابي بصيرة وقادحة في الطائفة الدالة على ثبوت البقرة وموجبة لحمل اطلاق رواية ابي بصير على خصوص المرة الثالثة لعدم ثبوت الجزور في غيرها والالتزام بكون الشهرة مؤثرة بهذا المقدار مشكل ولأجله يشكل الفتوى على طبقها خصوصاً بعدما عرفت من اختلاف تعبير الرواية وتعبير المشهود وعليه فمقتضى الاحتياط الوجوبي في هذه المرة الجزور، كما ان تأثير الشهرة في المرة الثانية في جبران ضعف سند المرسلة وحذف الاحكام الكثيرة المذكورة فيها مضافاً الى اضطراب متنها لعدم كون الآية الشريفة التي استشهد بها فيها دالة على مسألة الكفارة بوجه لأن مفادها مجرد حرمة العناوين الثلاثة المذكورة فيها في الحج وامّا ترتب الكفارة فلا اشعار فيها اليه اصلاً، مشكل ايضاً بل مقتضى الاحتياط الوجوبي، ثبوت البقرة فيها ولو اُريد الاحتياط التام فاللازم الجمع بين البقرة والجزور في المرة الثالثة وبين البقرة والشاة بل الشاتين في المرة الثانية.
وامّا ما أفاده المحقق النائيني (قدس سره) في مناسكه من ان مقتضى الاحتياط الكامل ثبوت البدنة في الكاذب مطلقاً وفي جميع المراتب، فيرد عليه انه لا وجه لذلك، فان
(الصفحة 124)
رواية ابي بصير ان كانت معتبرة، يجب الفتوى على طبقها وان لم تكن معتبرة فلا وجه للحكم بالجزور في المرة الأولى بعد كون مقتضى اطلاق صحيحة سليمان بن خالد ودلالة روايات خاصة ثبوت الشاة وكذا في المرة الثانية بعد كون مقتضاه ثبوت شاتين ولم ينهض دليل على كفاية الجزور عن الشاة في صورة تعيّنها وان كان الجزور اكثر قيمة وأعظم نفعاً مع ان رفع اليد عن الطائفة الدالّة على ثبوت البقرة في المرة الثالثة مع كونها روايات صحيحة كيف يكون مقتضى الاحتياط فالظاهر ان مقتضى الاحتياط التام ما ذكرنا لا ما أفاده (قدس سره).
نعم ذكر صاحب الجواهر في ذيل كلامه في بحث الجدال الذي يأتي التعرّض له انشاء الله تعالى في بحث تخلل التكفير انه ان لم يكن اجماع أمكن كون المراد من النص والفتوى وجوب الشاة بالمرّة ثم هي مع البقرة بالمرتين ثم هما مع البدنة في الثالث إلاّ ان يكون قد كفّر عن السابق فتجب البقرة خاصة أو البدنة.
وظاهره دلالة نفس النصّ والفتوى على ذلك مع قطع النظر عن الاحتياط الذي عرفت ولكن سيأتي الكلام فيه عند ذلك البحث فانتظر.
«تتميم»
هل يعتبر في الجدال الصادق الذي تترتب الكفارة على المرتبة الثالثة منه على ما عرفت التتابع ووقوع الثلاث متواليات وفي مورد واحد وموضوع فأرد، بأن كان الاثبات في الجميع راجعاً الى شيء واحد والنفي في الجميع ايضاً كذلك، أم لايعتبر بل الملاك مجرد الجدال الصادق ثلاث مرّات من دون فرق بين صورتي التوالي وعدمه وبين صورتي وحدة الموضوع وتعدّده.
قال في الجواهر بعد نقل الميل الى الاوّل عن بعض متأخري المتأخرين وانه حكاه