(الصفحة 93)مسألة 23 ـ لابأس بالنظر الى الاجسام الصقيلة والماء الصافي ممّا يرى فيه الأشياء، ولا بأس بالمنظرة ان لم تكن زينة وإلاّ فلا تجوز 1 .
الجهة الخامسة قد عرفت ان ظاهر الصحيحة الثانية لمعاوية بن عمّار وجوب التلبية ولكن حيث ان المتسالم عليه هو عدم الوجوب فلابد من حمل الأمر على الاستحباب والكلام في هذه الجهة انّما هو في انّ الاستحباب هل يكون ثابتاً بنحو الاطلاق فلا فرق فيه بين العالم والجاهل والناسي كما ربما يقال او انّ مورده خصوص العالم العامد الذي يكون فعله محرّماً بالحرمة الفعليّة.
الظاهر هو الثاني، لأن التلبية انّما لأجل التدارك والجبران وان كان مستحبة والجاهل والناسي لم يتحقق منهما المخالفة المقتضية للتدارك فتدبّر وان شئت قلت ان قوله (عليه السلام) في الرواية: فان نظر فليلب بصورة التفريع ظاهر في النظر المتعلق للحكم بالحرمة المذكور في صدر الرواية فيختص بصورة العلم والعمد.
(1) قد وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين:
الفرع الاول: النظر الى مثل المرآة من الاجسام الصيقلية والماء الصافي وغيرهما مما يرى فيه الأشياء ولكنّه لم يعدّ للنظر كالمرآة والظاهر ان كل من تعرض لهذا الفرع قد نفى البأس عن النظر اليه في حال الاحرام ومقتضى الاطلاق انه لابأس ولو كان الغرض الزينة والوجه فيه انّ عنوان المحرّم هو النظر في المرآة ولا مجال للتعدي الى غيرها وان كان يرى فيه الأشياء خصوصاً بعد عدم كونه معدّاً للنظر.
ولكن يمكن المناقشة فيه بانّ ما اشتمل من الروايات المتقدمة على التعليل كصحيحتي حمّاد وحريز يشمل هذه الأشياء ايضاً لجريان العلّة فيها والعلّة تعمّم كما انها تخصّص وعليه فمقتضى العلّة ان كل نظر يكون من الزينة بالمعنى الذي ذكرنا وهو كونه مقدمة لها وبقصد التزيين يكون محرّماً نعم ما اشتمل منها على حرمة النظر في
(الصفحة 94)التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخفّ والجورب وغيرهما، ويختص ذلك بالرجال ولا يحرم على النساء، وليس في لبس ما ذكر كفارة، ولو احتاج الى لبسه فالأحوط شقّ ظهره 1 .
المرآة للزينة أو لزينة لايدلّ على الحرمة في غير المرآة لعدم الدليل على التعدي.
الفرع الثاني: النظر بسبب المنظرة والظاهر انه لا ارتباط لهذا الفرع بالمقام اصلاً لأنّ المنظرة انما تكون وسيلة للنظر بها ورؤية البعيد والقريب بسببها على اختلاف الأعين واختلاف المناظر وهذا لايرتبط بالنظر في المرآة بوجه بل يكون داخلاً في بحث الزينة التي سيأتي التكلّم فيها انشاء الله تعالى.
ثم ان الظاهر ان المراد بقوله في المتن: «ان لم تكن زينة»، هو عدم كون الغرض منها الزينة لا نفس عدم كونها زينة ويأتي البحث في هذه الجهة ايضاً في محلّه.
(1) قال المحقق في الشرايع في عداد محرمات الاحرام: «ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم» وقال في الجواهر في شرحه: «اختياراً كما في الاقتصاد والجمل والعقود والوسيلة والمهذب والنافع والقواعد والارشاد وغيرها على ما حكى عن بعضها بل في الذخيرة نسبته الى قطع المتأخرين بل في المدارك الى الاصحاب بل في الغنية نفى الخلاف قال فيها: وان يلبس ما يستر ظاهر القدم من خفّ أو غيره بلا خلاف بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلاً عن إرادة الاجماع منه».
والمستند هي الروايات المتعددة الواردة في هذا المقام:
منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: ولا تلبس سراويل إلاّ ان لايكون لك ازار ولا خفيّن إلاّ ان لايكون لك نعلان(1) .
ومنها صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال وأيّ محرم هلكت نعلاه فلم يكن
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح1.
(الصفحة 95)
له نعلان فله ان يلبس الخفين اذا اضطّر الى ذلك والجوربين يلبسهما اذا اضطّر الى لبسهما(1) .
ومنها رواية أبي بصير عن ابي عبدالله (عليه السلام) في رجل هلكت ولم يقدر على نعلين قال: له ان يلبس الخفين ان اضطّر الى ذلك فيشق «وليشقه خ ل» عن ظهر القدم الحديث(2).
ومنها رواية رفاعة بن موسى انه سئل ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يلبس الجوربين قال نعم والخفين اذا اضطر اليهما(3).
ومنها رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) في المحرم يلبس الخف اذا لم يكن له نعل؟ قال نعم لكن يشق ظهر القدم(4).
اذا عرفت ذلك فالكلام في مفاد الروايات يقع من جهات:
الجهة الأولى: انّ العنوان المحرم المأخوذ فيها، هو لبس الخفين والجوربين فهل الحكم يختص بهما أو يتعدى عنهما الى غيرهما مما يشابههما. ظاهر العبارات المتقدمة وصريح المتن عدم الاختصاص بل هو معقد الاجماع الذي ادّعاه صاحب الغنية بل اتفاق المسلمين لكن المحكى عن المقنع والتهذيب الاقتصار على الخفّ والجورب بل عن كشف اللثام والنهاية الاقتصار على الخفّ نعم في محكى المبسوط والخلاف والجامع اضافة الشمشك وعطفه على الخفّ، والشمشك بضم الشين وكسر الميم يكون ظاهراً معرّب چمشك أو چمش وهو حذاء يستر ظاهر القدم وباطنه فقط
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح3.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح4.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والخمسون، ح5.
(الصفحة 96)
من دون ان يستر من السّاق شيئاً ومن هذه الجهة يغاير الخف والجورب اللذين يستران من السّاق أيضاً شيئاً وقدأفتى الاصحاب في كتاب الصلاة بعدم جواز الصلاة في الشمشكولاالنعل السندي بخلاف النعل العربية التي تجوز الصلاة فيها،بل تكون مستحبة.
و
كيف كان فقد ذكر بعض الأعاظم (قدس سرهم) على مافي تقريرات بحثه في الحج انه بعدما كان المذكور في الروايات هو العنوانان المتقدمان لا مجال لدعوى ظهور اللفظ في المثال وكون الموضوع للحكم بالحرمة هو كل ما يستر ظهر القدم لكونه منوطاً بالغاء الخصوصية وكون العنوانين مذكورين من باب المثال ولا سبيل لنا الى احراز ذلك ولم يحصل لنا القطع بوحدة المناط والظن بها بعد عدم حجيته لايغني من الحقّ شيئاً فاذاً لا وجه للتعدي عن العنوانين بل اللازم الاقتصار عليهما كما عرفت في بعض الكلمات.
وقد وقع العنوانان موضوعاً للحكم بالحرمة في كلام بعض الاعلام (قدس سرهم) وان احتاط وجوباً بالاجتناب عن كل ما يستر ظهر القدم هذا والظاهر هو عدم الاختصاص لأنه مضافاً الى ثبوت الشهرة العظيمة الفتوائية عليه كما عرفت في الكلمات نقول انّ المتفاهم عند العرف بعد ملاحظة انّ الحكم الثابت في هذا المقام هو حكم واحد بمعنى انّه ليس لبس كل واحد منهما موضوعاً لحكم تحريمي مستقل بحيث كان هنا محرّمان في باب الاحرام وملاحظة اشتراك العنوانين في الجهات المتعددة والخصوصيات المتكثرة وهي الساترية لظاهر القدم ولباطنه ولِمقدار من السّاق وهو كون المتعلق للحرمة هي تلك الجهات والخصوصيات لا نفس العنوانين. نعم قد علم من الخارج ان الساترية لباطن القدم لاتكون دخيلة في ذلك لأن النعل العربية يجوز الاحرام فيها قطعاً مع انّها ساترة لباطن القدم فتبقى الساترية للظاهر ولمقدار من السّاق وعليه فكل ما يكون واجداً للوصفين لايجوز لبسه في حال الاحرام فيخرج الشمشك ايضاً
(الصفحة 97)
لما عرفت لكن يستفاد من الجواهر شبهة تحقق الاجماع على عدم مدخلية الساترية للسّاق فيكون موضوع الحكم ـ ح ـ ما يستر ظهر القدم كما في المتن وغيره.
الجهة الثانية: انه حيث يكون الخف والجورب ساترين لجميع ظهر القدم فمقتضى التعدّي عنهما الى غيرهما الحكم بحرمة كلّ ما يستر الجميع وامّا ما يستر البعض فقط ولو كان هو الأكثر فلا دليل على حرمته، فما عن الرّوضة من ان الظاهر ان بعض الظهر كالجميع إلاّ ما يتوقف عليه لبس النعلين، لا مجال له اصلاً لعدم الدليل على ان حكم البعض حكم الكلّ ولعلّه توهم ان الحكم انحلالى كما في باب العموم الاستغراقي الذي يكون لكل فرد من الأفراد حكم مستقلّ وله موافقة ومخالفة كذلك مع ان الظاهر في المقام تعلّق حكم واحد بستر الجميع على سبيل العموم الاستيعابي ولا يكون له إلاّ موافقة واحدة ومخالفة كذلك.
ثم انه لم يعلم انّ مراده من المستثنى خصوص ما يتوقف عليه لبس النعلين أو مقدار ذلك ولو كان في غير النعلين.
الجهة الثالثة: انه هل يكون الحكم مختصّاً بالرجال أو يعم النساء أيضاً ظاهر مثل المحقق في الشرايع وهو كثير من الفتاوى حيث لم يقع في كلامه تقييد الحكم بالرجل عدم الاختصاص والامكان اللازم التقييد كما في لبس المخيط.
ويدلّ على العموم انّ الموضوع للحكم بالحرمة في الروايات هو عنوان «المحرم» بنحو الاطلاق أو العموم وعلى كلا التقديرين يشمل النساء وظاهره انّ الحرمة مترتبة على نفس الاحرام من دون فرق بين ان يكون المتصف به هو الرجل أو المرأة نعم في بعض الروايات، ذكر عنوان «الرجل» كما في رواية ابي بصير ولكنه ذكر بعض الأعاظم (قدس سرهم) انه لايتحقق في المقام ضابطة باب الاطلاق والتقييد المقتضية لحمل