(الصفحة 278)
الصّلوة ولا تكاد تتحقق الصلوة بدونها الاّ انه لا ينافي كونها خارجة عن الصلوة كما يدل عليه ما ورد من انّ افتتاحها التكبير واختتامها التسليم وعليه فالنيّة المحققة للاحرام حيث يكون منويّها الحج او العمرة فلا محالة تكون خارجة عنهما وهذا الوجه اظهر من الوجه الاوّل فتدبّر.
الجهة الثانية في جزئية الطواف لعمرة التمتع ولا شبهة فيها نصّاً وفتوى والروايات الواردة في كيفية عمرة التمتع وبيان الاعمال المعتبرة فيها وانّ منها الطواف متظافرة وقد ورد في بعض فروع المسئلة كالحيض في اثناء الطواف او عند قدوم مكّة قبل الطواف الموجب للعدول الى حج الافراد لاعتبار الطهارة فيه ايضاً روايات تقدم البحث عنها مفصّلاً.
نعم في استفادة ذلك من قوله تعالى: وليطّوفوا بالبيت العتيق اشكال فان الآية وان كانت تشمل حج التمتع ايضاً بلحاظ قوله تعالى: وعلى كل ظامر يأتين من كل فجّ عميق الاّ ان دلالته على اعتبار الطواف في عمرته ايضاً غير ظاهرة لكن الامر سهل بعد وضوح اصل الجزئيّة والاعتبار في عمرة التمتع ايضاً.
الجهة الثالثة في كون الجزئية بنحو الركنيّة وليعلم انّ الركن في باب الحج يختلف معناه مع الرّكن في مثل الصلوة فان الركن هناك يرجع الى كون الاخلال به موجباً للبطلان مطلقا سواء كان الاخلال عن عمد او عن جهل او عن سهو ونسيان وامّا الركن هنا فمرجعه الى كون الاخلال به موجباً للبطلان في خصوص صورة العمد سواء كان عالماً او جاهلاً وامّا الاخلال السهوي فلا يؤثر في البطلان كما سيأتي البحث فيه انشاء اللّه تعالى.
وكيف كان فالاخلال بالطواف الذي يجيء انه بماذا يتحقق اذا كان عن عمد وعلم
(الصفحة 279)
لا شبهة في انه يوجب بطلان العمرة لانّ مقتضى اصل الجزئية ذلك ضرورة انّ اقلّ آثار الجزئية التأثير في البطلان في هذه الصورة والاّ فلو فرض عدم البطلان فيها ايضاً لا يكاد يترتب على اعتباره بنحو الجزئية شيء اصلاً وعليه فلا حاجة الى اقامة دليل آخر على البطلان في هذا الفرض بل نفس ادلة الجزئية كافية في افادة ذلك ولذا نقول بانه لا مجال لدعوى كون حديث لا تعاد المعروف في باب الصلوة شاملاً لصورة الاخلال عن عمد وعلم بغير الخمسة المستثناة فيه لعدم اجتماع ذلك مع ادلة سائر الاجزاء والشرائط.
وامّا اذا كان الاخلال بالطواف في عمرة التمتع التي هي محلّ البحث فعلاً عن جهل وعدم علم فالمحكيّ عن اطلاق كلام الشيخ بل الاكثر هو البطلان وقد قوّاه صاحب الجواهر وتبعه الماتن (قدس سره) وحكى الميل الى التوقف عن بعض متأخري المتأخرين كالاردبيلي والمحدث البحراني وعن المحقق في النافع: وفي رواية ان كان على وجه جهالة اعاد الحج وهو يشعر بالتوقف فيه.
وربما يستدلّ على البطلان بروايتين:
احديهما صحيحة على بن يقطين قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام) عن رجل جهل ان يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال ان كان على وجه جهالة في الحج اعاد وعليه بدنة(1) . ولا ينبغي الارتياب في ان المراد بالاعادة الواجبة هي اعادة الحج بجميع مناسكه ولا مجال لاحتمال كون المراد اعادة الطواف بعد ما كان المفروض في السؤال عدم الاتيان به رأساً لانه لا معنى لاعادة ما لم يؤت به اصلاً.
ثانيتمها رواية علي بن ابي حمزة قال سئل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى
- (1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب السادس والخمسون، ح 1.
(الصفحة 280)
رجع الى اهله، قال اذا كان على وجه الجهالة اعاد الحج وعليه بدنة(1) . وفي نقل الصدوق باسناده عنه أنّه قد رواه عن ابي الحسن (عليه السلام) الاّ انّه قال سهى ان يطوف ولكن الامر سهل بعد ضعف الرواية بعليّ بن ابي حمزة والعمدة هي الصحيحة.
والسؤال فيها وان كان عن ترك طواف الفريضة جهلاً من دون التقييد بالحج الاّ ان يقال بظهور عنوان طواف الفريضة في خصوص طواف الحج وهو محل تأمل كما يظهر بملاحظة الروايات المشتملة على هذا العنوان الاّ ان التقييد بالحج في الجواب ظاهر في الاختصاص بالحج وعدم الشمول للعمرة وعليه فلا مجال للاستدلال بالصحيحة لحكم المقام الاّ ان يقال بانّ عمرة التمتع حيث تكون مرتبطة بالحج بحيث يعدّان عملاً واحداً ولذا لا يكتفي باحدهما اصلاً. ولا تكفي الاستطاعة المعتبرة بالاضافة الى احدهما فالرواية شاملة لعمرة التمتع لان ترك الطواف فيها ترك الطواف في الحجّ.
او يقال باستفادة حكم العمرة من طريق الاولوية نظراً الى انّ تأثير طواف الحج في حصول التحلّل واثره فيه يكون قليلاً لحصول عمدة التحلل بالاضافة الى اكثر محرمات الاحرام بسبب الاتيان بمناسك منى يوم النحر وتبقى حلية الصيد والطيب والنساء متوقفة على طواف الحج وطواف النساء بل حرمة الصيد في الحرم من احكام الحرم لا الاحرام فتدبر وعليه فاذا كان الاخلال بالطواف الذي له اثر قليل في التحلل موجباً لبطلان الحج من رأس ولزوم الاعادة فالاخلال بطواف عمرة التمتع الذي له دخالة مهمة في حصول التحلل يكون موجباً لبطلانها بطريق اولى.
او يقال بان كلمة «الحج» قد تطلق في مقابل العمرة كما في قوله تعالى: واتمّوا الحج والعمرة للّه ... وقد تطلق ويراد بها الاعم منها كما في موارد كثيرة وعليه فالظاهر
- (1) الوسائل، ابواب الطواف، الباب السادس والخمسون، ح 2.
(الصفحة 281)
ان الحج في الصحيحة انما يكون شاملاً للعمرة لا في مقابلها.
هذا ولكن شيء من هذه التوجيهات الثلاثة لا توجب حصول الطمأنينة للنفس بشمول الصحيحة لطواف عمرة التمتع ايضاً بحيث يمكن دعوى ظهورها فيه وعدم الاختصاص بالحج كما لا يخفى فاللاّزم ان يرجع في ذلك الى مقتضى القاعدة فنقول: قد وقع الاختلاف في مثل الصلوة من العبادات التي يكون معنى الركن فيها بطلان العبادة بالجزء الركني ولو في حال السّهو والنسيان في انّه اذا ثبت جزئية شيء لها وتردد امره بين كونه جزء ركنياً او غير ركني حتى لا يوجب الاخلال به سهواً موجباً للبطلان وكان لدليل الجزئية اطلاق شامل لصورة النسيان في ان مقتضى القاعدة هل هي الركنيّة او عدمها فالذي اختاره المحققّان النائيني والعراقي (قدس سرهما) هي اصالة الركنية المقتضية لكون الاخلال السهوي موجباً للبطلان ونحن قد اخترنا في محل هذا البحث من علم الاصول الذي هو ذيل مباحث الاقل والاكثر الارتباطي انّ القاعدة تقتضي عدم الركنية تبعاً للامام الماتن ـ قدّس سره الشريف ـ نظراً الى ان دليل الاعتبار والجزئية وان كان له اطلاق يشمل صورة النسيان ايضاً الاّ ان حديث رفع الخطأ والنسيان بمنزلة المقيّد لذلك الاطلاق كتقييد دليل نفى الحرج بالاضافة الى المطلقات وتكون نتيجة التقييد اختصاص الجزئية بغير صورة النسيان وكون دليل المطلق صادراً بعنوان القاعدة والضابطة التي يكون مقتضى الارادة الاستعمالية فيه كذلك وان كانت دائرة الارادة الجدية اضيق من دائرة الارادة الاستعمالية كما هو مقتضى الجمع بين العام والخاص وعليه فاطلاق دليل الجزئية يقيد بحديث رفع الخطاء والنسيان فتصير النتيجة ان مقتضى القاعدة اصالة عدم الركنية هذا في مثل الصلوة.
وامّا في باب الحج الذي عرفت ان معنى الركن فيه هو تأثير الاخلال عن جهل
(الصفحة 282)
ايضاً في البطلان دون الاخلال نسياناً فالّذي يمكن ان يقع في مقابل اطلاق ادلة جزئية الطواف لعمرة التمتع الشامل لصورة الجهل ايضاً انّما هو الحديث المزبور بالاضافة الى فقرة ما لا يعلمون ونحن وان اخترنا ان المرفوع في حديث الرفع ليس المؤاخذة واستحقاق العقوبة خلافاً لمثل صاحب الجواهر (قدس سرهما) القائل بان المعلوم ارادة نفي العقاب من حديث الرفع بل قلنا بان المرفوع عبارة عن كل ما يكون متعلقاً للجهل وعدم العلم سواء كان حكماً تكليفيّاً او وضعيّاً كالجزئية والشرطية واشباههما الاّ انه لا مجال لان يعامل معه معاملة رفع الخطاء والنسيان الذي عرفت انه بمنزلة التقييد بل نفسه وذلك لان النسيان امر خارجي يجتمع مع اطلاق دليل الجزئية وامّا عنوان ما لا يعلمون فهو لا يتحقق مع وجود الاطلاق الذي هو حجة معتبرة ومن الظاهر ان المراد ما لا يعلمون ما لا حجّة فيه ومن الواضح انّ الاطلاق حجة لا تصل النوبة معه الى تحقق عنوان ما لا يعلمون فكما ان اطلاق قوله تعالى: واحلّ الله البيع حجة معتبرة على صحة البيع المعاطاتي مثلاً كذلك اطلاق دليل جزئية الطواف لعمرة التمتع حجة ودليل على الجزئية في حال الجهل فلا يكون هنا عنوان ما لا يعلمون حتى يكون رفعه مقيّداً لذلك الاطلاق نعم لو لم يكن لدليل الجزئية اطلاق كما لو فرض ثبوت الجزئية من طريق الاجماع الذي يقتصر فيه على القدر المتيقن لكان التمسك بحديث الرفع مما لا مانع منه اصلاً لكن الموجود في المقام الادلة اللفظية الدالة على الجزئية الشاملة باطلاقها لصورة الجهل ايضاً فاللازم الاخذ بمقتضى الاطلاق والحكم بثبوت الجزئية في هذا الحال ايضاً المستلزم للبطلان مع الاخلال.
وقد انقدح مما ذكرنا ان مقتضى الاصل في باب الحج في مورد الشك في الركنية وعدمها هي الركنية وان كان مقتضاه في غير هذا الباب مثل الصلوة واشباهها هو عدم