(الصفحة 74)
الاختيار والضرورة وان حكى عن صاحب الوسائل انه قيّد الجواز بالضرورة في عنوان الباب فيما قبل هذه الطبعة الحديثة منها.
الامر الثالث: الهميان المخيط الذي يحفظ فيه النقود فانه قد استثنى من حرمة لبس المخيط على ماهو المتسالم عليه عند الفقهاء ويدل عليه روايات متعددة:
منها صحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يصير الدراهم في ثوبه قال نعم ويلبس المنطقة والهميان(1) . والسؤال في نفسه محتمل لأن يكون محطّه اشتمال الدراهم على التماثيل وان يكون محطّه كون محل حفظه مثل الهميان المخيط.
والجواب ناظر الى الجواز من كلتا الجهتين وقوله (عليه السلام) فيه ويلبس المنطقة والهميان هل المراد منه جواز لبس كلا العنوانين فيجوز شدّ المنطقة لأجل التحفظ على الأزار لا النقود أم المراد من المنطقة هي الهميان ويؤيد الثاني صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المحرم يشدّ على بطنه العمامة؟ قال: لا، ثم قال: كان أبي يشدّ على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها فانّها من تمام حجّة...(2)
والذي يسهّل الخطب انّ المتداول في هذه الأزمنة ما يحفظ فيه النقود منطقة لا أمراً آخر.
و
منها رواية يعقوب بن سالم قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) يكون معي الدراهم فيها تماثيل وانا محرم فاجعلها في هميان وأشدّه في وسطي فقال لابأس أوليس هي نفقتك
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح2.
(الصفحة 75)
وعليها اعتمادك بعد الله ـ عزّوجلّ(1) .
ومنها رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) المحرم يشدّ الهميان في وسطه؟ فقال نعم، وما خيره بعد نفقته(2). والظاهر ان المراد بالجملة الأخيرة التي هي بمنزلة التعليل انه بعد ذهاب نفقته بسبب عدم التحفظ عليه بجعله في الهميان وشدّه في وسطه لايبقى له خير ولا سبيل له الى اتمام الحج وقضاء المناسك نوعاً.
ثم ان الظاهر اختصاص مورد الجواز بما اذا انحصر الهميان في المخيط وامّا الهميان المتداول في هذه الأزمنة الذي لايكون مخيطاً بل مصنوعاً بالجهات الصناعية الفاقدة للخياطة فالظاهر انه مع وجوده والتمكن من تحصيله لاتصل النوبة الى الهميان المخيط لأنه من الواضح انّ الحكم بالجواز في الروايات انّما هو لأجل كون الهميان في زمن صدورها منحصراً بالمخيط إلاّ ان يقال بان الهميان المتداول فعلاً وان لم يكن مخيطاً إلاّ انه يشبه المخيط والفرض انه لافرق في أصل الحكم بالحرمة بينهما كما عرفت. ثم انه يستفاد من التعليل الوارد في مثل رواية يونس المتقدمة جواز لبس ما يسمى بالفارسية بـ «فتق بند» لمن كان يبتلى بالفتق ويحتاج الى شدّه لأنه بدونه لايكون له القدرة على اتمام العمل وقضاء المناسك ولا فرق بينه وبين الهميان لو لم نقل بانه أولى كما لايخفى.
ثمّ ان هنا عنواناً لم يتعرض له في المتن باعتبار عدم كونه مخيطاً ولا ما يشبه المخيط وهو شدّ العمامة على البطن والروايات فيه مختلفة فظاهر رواية أبي بصير المتقدمة عدم الجواز.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السابع والأربعون، ح4.
(الصفحة 76)مسألة 16 ـ لو احتاج الى شدّ فتقه بالمخيط جاز لكن الاحوط الكفارة، ولو اضطر الى لبس المخيط كالقباء ونحوه جاز وعليه الكفارة 1 .
وفي صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه قال: المحرم يشدّ على بطنه العمامة، وان شاء يعصّبها على موضع الازرار ولا يرفعها الى صدره...(1)
وهل المفروض في هذه الصحيحة الفروض الثلاثة: الشدّ على البطن والتعصيب على موضع الازار والرفع الى الصدّر وعليه فالرواية تدلّ على جواز الأولين بعد وضوح كون المراد من قوله: يشدّ، هو الجواز لا الوجوب، لأنه في مقام توهّم الحظر وعلى حرمة الفرض الثالث أو انّ المفروض فيها عنوانان الشدّ على البطن الشامل للصّدر والتعصيب على موضع الازار بحيث كان قوله: ولا يرفعها... تتمة للجملة السابقة دون ان تكون متعرضة لبيان الحكم، ومعناه انه يجوز له ان لايرفعها الى صدره بل يعصبها على موضع الازار فيه وجهان.
مقتضى الوجه الاوّل جعل هذه الصحيحة مقيدة لرواية ابي بصير الدالّة على عدم الجواز مطلقاً وتصير النتيجة اختصاص المنع بما اذا رفع العمامة الى الصدر وامّا اذا شدّها على ما دونه فلا مانع منه.
ومقتضى الوجه الثاني جعل الصحيحة قرنية على كون المراد من النهي في رواية ابي بصير هي الكراهة فشدّ العمامة على البطن بالمعنى الأعم الذي يشمل الرفع الى الصدر مكروه غير محرّم.
ظاهر صاحبي الحدائق والوسائل هو الاوّل ولكنه استظهر بعض الاعلام (قدس سرهم)الوجه الثاني والظاهر هو الاوّل فتدبّر.
(1) وقع التعرض في هذه المسألة لفرعين ولنقدم الفرع الثاني فنقول: لو اضطر الى
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثاني والسبعون، ح1.
(الصفحة 77)
لبس المخيط فلا اشكال في ان الاضطرار يرفع الحرمة بمقتضى حديث رفع ما اضطروا اليه كسائر المحرمات التي يضطر اليها كما ان ظاهر الحديث رفع الكفارة ايضاً لكن المتسالم عليه بين الاصحاب، ثبوتها ونفي صاحب الجواهر وجدان الخلاف فيه، بل ذكر ان الاجماع بقسميه عليه والظاهر انّ مستند المجمعين الروايات الواردة في هذا المجال نعم ربما يستدل بقوله تعالى: فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك بعد كون المراد بالنسك هو دم شاة نظراً الى عموم قوله من كان منكم مريضاً الشامل لمثل اللبس والتطيّب ايضاً.
ولكن تفريعه على قوله تعالى: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه، الوارد في مورد الاحصار يمنع عن الاستدلال به للمقام خصوصاً بعد عدم ثبوت التخيير في كفارة اللبس ولم يعرف قائل به.
وامّا الروايات فمنها صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول من نتف ابطه، أو قلّم ظفره، أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة(1) . ودعوى كونها مطلقة من حيث الاضطرار وعدمه وعليه فيكون حديث الرفع حاكماً عليها مدفوعة باباء الرواية عن التقييد ولو بنحو الحكومة لظهورها في التعرض لجميع فروض المسألة صورها ولازم التقييد عدم التعرض لفرض الاضطرار نعم تجري هذه الدعوى في رواية سليمان بن العيص (الفضيل خ ل) قال سألت أبا عبدالله عن المحرم يلبس القميص متعمداً قال: عليه دم...(2)
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح2.
(الصفحة 78)
ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المحرم اذا احتاج الى ضروب من الثيابلبسها قال: عليه لكل صنف منها فداء...(1)
وأورد على الاستدلال بها بعض الاعلام (قدس سرهم) بان الحاجة أعم من الاضطرار لصدقها على الحاجة العرفية أي الغاية العقلائية وان لم تبلغ مرتبة الاضطرار.
والجواب عنه مضافاً الى ان عنواني الحاجة والاضطرار المأخوذين في الصحيحة وحديث الرفع عنوانان عرفيّان والظاهر اتحادهما وعدم كون عنوان الحاجة أوسع من عنوان الاضطرار، انه لاتنبغي المناقشة في دلالة الصحيحة على ثبوت الجواز في موردها مع انّ مجرد الحاجة غير البالغة حدّ الاضطرار لايجوّز اللبس بوجه، فثبوت الجواز يكشف عن كون المراد من الحاجة هو الاضطرار وقد انقدح مما ذكرنا تمامية الاستدلال بالرواية ولا تصل النوبة الى الاجماع حتى يناقش في اعتباره كما مرّ.
هذا وامّا الفرع الأوّل وهو شدّ الفتق بالمخيط فقد حكم فيه بالجواز في صورة الاحتياج واحتاط وجوباً بالاضافة الى الكفارة وقد تقدم انّ المستفاد من التعليل الوارد في بعض روايات جواز شدّ الهميان المخيط هو جواز شدّ الفتق به ايضاً لتوقف اتمام الحج وقضاء المناسك عليه كتوقفه على بقاء النفقة وتحفظها في الهميان لو لم نقل بان المقام أولى. والظاهر على هذا التقدير مضافاً الى الجواز التكليفي عدم ثبوت الكفارة فيه كعدم ثبوتها في الهميان.
و ـ ح ـ يرد على المتن انّ المراد بالجواز فيه هل هو الجواز بالاضافة الى الحكم الاوّلي وكونه مستثنى كالهميان، فلا وجه ـ ح ـ للحكم بثبوت الكفارة ولو بنحو الاحتياط الوجوبي أو الجواز بطريق الحكم الثانوي الثابت بمثل حديث الرفع. وعليه فالمراد
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب التاسع، ح1.