(الصفحة 133)
يتعمّد قتلها بالحكّ ليست إلاّ القملة التي تتولد وتتكون في الجسد فالرواية ظاهرة في حرمة قتل القمّلة مع التعمد.
ومعتبرة ابي الجارود قال سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم قال: بئس ما صنع قلت فما فدائها قال لا فداء لها(1) . وابو الجارود وان كان من الزيدية إلاّ انه موثق بالتوثيق العام وكذا بالتوثيق الخاص من الشيخ المفيد (قدس سره) ولا تنبغي المناقشة في ظهور الجواب في الحرمة فان التعبير بقوله: بئس لا يناسب الكراهة بوجه.
وصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اتق قتل الدواب كلّها ولا تمس شيئاً من الطيب الحديث(2).
ولا مجال للخدشة في كون القملة من الدواب بعد تعبير صحيحة زرارة المتقدمة عنها بالدابة كما لايخفى.
نعم ربما يمكن ان يقال بدلالة صحيحة اُخرى لمعاوية بن عمار على عدم الحرمة قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) ما تقول في محرم قتل قملّة؟ قال: لاشيء عليه في القمل ولا ينبغي ان يتعمد قتلها(3). وقد رواه بعينها صاحب الوسائل في بعض الأبواب الاُخر فتوهم انهما روايتان مع انها ليست إلاّ رواية واحدة وان كان الراوي عن معاوية مختلفاً والظاهر انّ محطّ السؤال ما يلزم على المحرم الذي قتل قملة بعد وقوعه وتحققه وهذا يكشف عن كون الحرمة مفروغاً عنها عند السائل وان مورد السؤال ما يترتب على فعله من الكفارة فالجواب ناظر الى عدم ثبوت شيء أي كفارة عليه فعليه فقوله: «ولا ينبغي
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الخامس عشر، ح8.
- (2) الوسائل ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن عشر، ح9.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح2.
(الصفحة 134)
ان يتعمد قتلها» انما يكون تأكيداً لما هو المفروغ عنه عند السائل فاللازم ان يكون المراد من قوله لاينبغي هي الحرمة وان ابيت عن ذلك وقلت بأنّ السؤال انّما هو عن الجواز التكليفي والكفارة معاً والجواب ناظر الى نفي الثاني وثبوت الأوّل، غاية الأمر ثبوت الكراهة.
فنقول اوّلاً منع كون لاينبغي ظاهراً في نفسه في خصوص الكراهة أو الأعم منها ومن الحرمة بل الظاهر كونه ظاهراً في الحرمة إلاّ في مورد ثبوت القرينة على الخلاف.
وثانياً على فرض تسليم ظهورها في عدم الحرمة ليس ظهورها فيه بأقوى من ظهور الروايات المتقدمة في الحرمة ولا في رتبته بل الروايات المتقدمة تصير قرينة على كون المراد من قوله: «لاينبغي» هي الحرمة كما هو ظاهر.
ثم انه يدلّ على عدم جواز قتل القملة أيضاً ما يدلّ على عدم جواز القائها من الجسد ورميها منه مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: قال: المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلاّ القملة فانها من جسده، وان أراد ان يحولّ قملة من مكان الى مكان فلا يضرّه(1) .
ورواية الحسين بن ابي العلاء قال: قال ابو عبدالله (عليه السلام): لايرمي المحرم القملة من ثوبه ولا من جسده متعمّداً فان فعل شيئاً من ذلك فليطعم مكانها طعاماً قلت: كم ؟ قال: كفّاً واحداً(2).
نظراً الى ان المتفاهم من مثلهما عند العرف عدم جواز القتل أيضاً لا للأولوية حتى يناقش فيها بان الظنية منها لاتجدي والقطعية غير محققة، بل للاستفادة العرفية من
- (1) الوسائل ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح5.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح3.
(الصفحة 135)
نفس الرواية خصوصاً مع ملاحظة القلّة المذكورة في الصحيحة وهو كونها من الجسد فان مقتضى كون المعيار والملاك هو النشو من الجسد والتكون منه، هو عدم جواز قتلها ايضاً كالقائها ورميها.
لكن في مقابلهما رواية مرّة مولى خالد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يلقي القملّة فقال: القوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة(1) . لكن ضعف سند الرواية بجهالة مرّة يمنع عن صلاحيتها للمعارضة مضافاً الى ما قيل من انه يمكن ان يكون الفوها بالفاء من الاُلفة اي لا تلقوها وان كان هذا الاحتمال في غاية البعد خصوصاً مع قوله (عليه السلام) بعده: أبعدها الله.
نعم هنا بعض الروايات الدالة على جواز قتل القملة في الحرم مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس بقتل النمل والبق في الحرم ولا بأس بقتل القملة في الحرم(2).
ومرسلة ابن فضال عن بعض اصحابنا عن زرارة عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم(3).
ولكن حيث ان محل البحث في المقام هو الامور المحرمة على المحرم والروايتان واردتان في الحرم ومن المعلوم تغاير العنوانين وثبوت احكام خاصة بالاضافة الى المحرم واحكام اُخرى بالاضافة الى الحرم وان كانا قد يجتمعان في بعض الاحكام، فلا وجه لتوهم المعارضة بين الروايتين الواردتين في الحرم مع الروايات الواردة في
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح6.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثمانون، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الرابع والثمانون، ح4.
(الصفحة 136)
المحرم كما هو ظاهر.
نعم ربما يستفاد من بعض الروايات جواز القتل مع ارادة القملة ايذاء المحرم مثل مرسلة المفيد المعتبرة، قال: سُئِلَ (عليه السلام) عن قتل الذئب والأسد فقال: لابأس بقتلهما للمحرم ان اراداه (ده خ ل) وكل شيء أراده من السباع والهوام فلا حرج عليه في قتله(1) .
وما رواه ابن ادريس نقلاً من نوادر احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن جميل قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم يقتل البقة والبراغيث اذا اذاه قال: نعم(2).
ولكن الرواية الاولى ظاهرة فيما اذا كان الارادة متعلقة بالقتل كما يدلّ عليه ذكر الذئب والأسد والسباع وعليه فالمراد من الهوامّ ما يكون قاتلاً كالعقرب ونحوه.
والرواية الثانية مضافاً الى ضعف سندها لجهالة طريق ابن ادريس الى نوادر البزنطي، موردها البقة والبراغيث ولم يرد فيها ذكر القمّلة والتقييد بصورة الايذاء لا دلالة فيه على ثبوت الجواز في القملة في هذه الصورة ايضاً مع ان الايذاء لو كان على حدّ يوجب المشقة والحرج، لكان مقتضى القاعدة الجواز وان كان الحكم الاوّلي هي الحرمة كما لايخفى.
المبحث الثاني: في قتل البقة والبرغوث وغيرهما من هوامّ الجسد غير القملة التي مر البحث فيها تفصيلاً والظاهر انه محل خلاف من حيث الجواز والحرمة ولا تكون فيه شهرة على المنع كالشهرة المحققة في القملة.
ويدلّ على الحرمة مضافاً الى صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الظاهرة في وجوب اتقاء قتل الدواب كلها وشهادة بعض الروايات الواردة في القملة بكون مثلها
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والثمانون، ح13.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثامن والسبعون، ح7.
(الصفحة 137)
دابة، صحيحة زرارة المتقدمة في القملة الدالة على جواز حكّ الرأس للمحرم مالم يتعمد قتل دابة، نظراً الى ان الاتيان بكلمة الدابة بصورة النكرة من دون اضافتها الى الضمير حتى يحتمل ان تكون لدابة الرأس خصوصية يقتضى عدم جواز قتل مطلق الدابة سواء كان محلّها الرأس أو غيره.
وقد مرّ انّ الروايات الدالّة على جواز قتلها في الحرم لا ارتباط لها بالمقام الذي يكون البحث فيه عن محرّمات الاحرام نعم هنا رواية ربما يستدلّ بها على الجواز وهي ما رواه زرارة عن أحدهما (عليهم السلام) قال سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث اذا رآه؟ قال: نعم(1) .
هكذا في الوسائل ولكن المذيّل حكى عن الكافي ان فيه: اذا أراداه. وهو الظاهر لأنّ أفراد الضمير على النقل الاوّل لايناسب مع كون السؤال عن البقة والبرغوث كما ان تعليق الحكم بالرؤية مما لايعرف له وجه. وعليه فالظاهر كون النسخة الصحيحة: اذا أراداه لكن يرد على الاستدلال بالرواية مضافاً الى ضعف سندها بسهل بن زياد ما أشرنا اليه من ان الحكم بالجواز في صورة تحقق الايذاء غير القابل للتحمل عرفاً لاينافي كون الحكم الاولي بحسب ادلّة المنع هو المنع ضرورة ان قاعدة نفي الحرج حاكمة على ادلّة محرمات الاحرام ايضاً.
ومثلها رواية جميل المتقدمة التي تكلمنا فيها سنداً ودلالة وعلى ما ذكرنا فالظاهر حرمة قتل البقة والبرغوث ونحوهما ايضاً.
المبحث الثالث: في قتل هوّام الغير انساناً كان أو حيواناً كالحشرات الموجودة في البعير والشاة ونحوهما والظاهر بمقتضى عموم صحيحة معاوية بن عمار واطلاق
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والسبعون، ح3.