(الصفحة 145)
الاغراض الاُخر احياناً على ما اشرنا اليه، وليس الفارق إلاّ القصد. وعليه فلو كان المقصود خصوص الزينة بحيث لم يكن داع ومحرّك غيرها فلا اشكال بمقتضى الرواية في الحرمة كما انه لو كان الداعي والمحرّك خصوص مثل السنّة فلا شبهة في عدم الحرمة.
وامّا لو كان الداعي مركباً منهما امّا بان كان اجتماعهما دخيلاً في اللبس بحيث لو لم يكن احدهما، لم يتحقق في الخارج وامّا بان كان كل منهما داعياً تامّاً ومستقلاً بحيث، لو لم يكن الآخر لكان مؤثراً في الايجاد لكن اجتماعهما وعدم ثبوت الرجحان من جهة التأثير أوجب استناد المعلول اليهما معاً لعدم امكان اجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد، فهل المستفاد من الرواية الحرمة بلحاظ مدخلية الزينة وثبوت قصدها ولو في الجملة، أو ان المستفاد منها، العدم بلحاظ ظهورها عند العرف في انه لايكون في البين إلاّ قصد الزينة فيه وجهان لايبعد القول بالوجه الثاني وعلى فرض عدم ظهور الرواية في أحد الوجهين وثبوت الاجمال في البين يكون المرجع اصالة الحليّة في الصورتين كما لايخفى.
ثمّ ان مقتضى الجمع بين ما يستفاد من الروايات الواردة في لبس الخاتم للمحرم من التفصيل المذكور وبين مقتضى عموم التعليل الوارد في بعض روايات الاكتحال بالسواد المتقدمة مثل قول ابي عبدالله (عليه السلام) في صحيحة حريز: لاتكتحل المرأة المحرمة بالسواد ان السّواد زينة وكذا بعض ما ورد في النظر في المرآة مما يشتمل على التعليل مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي المتقدمة: لاتنظر في المرآة وانت محرم فانه من الزينة وان ناقشنا في هذا العموم الثاني فيما سبق انّما هو بأحد أمرين:
الامر الأوّل: ان يقال بالفرق بين الاكتحال بالسواد وبين لبس الخاتم فان الاوّل
(الصفحة 146)
وضع للزينة ويكون الغرض الغالبي منه هي الزينة وقلّما يتفق ان يراد به غيرها كالمداوى أو حفظ البصر عن التأذي عن نور الشمس ـ مثلاً ـ بخلاف لبس الخاتم الذي لم يوضع للزينة، بل قد عرفت اختلاف الاغراض في لبسه جدّاً بل لعلّ كون الغرض منه هي السنّة امراً غالبيّاً فيه وعليه فالكبرى المطوية في الصحيحة التي يكون مقتضاها حرمة لبس المحرم كل زينة لايكون لبس الخاتم صغرى لها بوجه، بل الصغرى هو ما وضع للزينة مثل الاكتحال بالسّواد خصوصاً بعد ظهور عدم كون التعليل بأمر تعبدي بل بما هو مورد لقبول العرف والعقلاء.
الامر الثاني: ان يقال انه على تقدير تسليم كون لبس الخاتم من مصاديق الزينة وصغرياتها لا مانع من الالتزام بتخصيص تلك الكبرى المطوية الظاهرة في حرمة الزينة مطلقاً ولو لم يقصد بها الزينة بادلّة المقام التي مقتضاها التفصيل بين الصورتين، ولا مجال لتوهم كون الكبرى بلحاظ وقوعها في مقام التعليل لا تصلح لعروض التخصيص لها، ضرورة ان وقوعها في المقام المذكور لايخرجها عن القابلية له وتطبيقها على الصغرى المذكورة في العلّة انما هو بلحاظ عدم كونها من موارد التخصيص وعليه فالجمع بين ادلّة المقام وبين مقتضى التعليل هو اخراج لبس الخاتم عن العموم والالتزام بالتفصيل.
ومما ذكرنا ظهر انه لو قطع النظر عن ادلّة المقام وفرضت المناقشة في صحة الاستدلال برواية مسمع التي عرفت انها الدليل الوحيد، لما كان وجه للالتزام بالتفصيل المذكور، بل لابدّ امّا ان يقال بالجواز مطلقاً أو يقال بعدمه كذلك، وعليه فجعل التعليل مستنداً مع قطع النظر عن دليل المقام كما يظهر من بعض الاعلام (قدس سرهم) لا وجه له إلاّ على تقدير كون المراد هي الحرمة المطلقة فتدبّر.
(الصفحة 147)
ثم ان الظاهر انه لافرق في حرمة لبس الخاتم على المحرم وجريان التفصيل فيه بين الرجل والمرأة لأن عنوان «المحرم» الذي يراد به الجنس شامل لكليهما، وعليه فلابد من تقييد اطلاق ما دلّ على الجواز في المرأة المحرمة وهي رواية عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: تلبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب(1) . والحكم بانّ المراد هو ما اذا كان اللبس لغير الزينة كما لو كان الخاتم المذكور ثميناً جدّاً وكان الغرض من لبسه حفظه من الضياع أو كان الغرض شيئاً آخر.
الجهة الثانية: في استعمال الحناء وقد عدّه المحقق في الشرايع في عداد مكروهات الاحرام مع التقييد بقصد الزينة الظاهر في عدم الكراهة ايضاً بدون قصدها فقال: «واستعمال الحناء للزينة وكذا للمرأة قبل الاحرام اذا قارنته» وفي المدارك وكشف اللثام وغيرهما على ما حكى اسناد الحكم الأول الى الأكثر، ولكن المحكى عن المقنعة والاقتصاد والعلاّمة في المختلف، القول بالحرمة.
والرواية الواردة في استعمال الحناء بعد الاحرام رواية واحدة صحيحة رواها المشايخ الثلاثة باسنادهم عن عبدالله بن سنان عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الحناء فقال: انّ المحرم ليمسّه ويداوي به بغيره (بعيره ظ) وما هو بطيب، وما به بأس(2).
ومورد السؤال وان لم يكن فيه اشارة الى المحرم ولم يقع التعرض له إلاّ انه حيث يكون استعمال الحناء في غير حال الاحرام امراً جائزاً بل كان استحباب الخضاب ظاهراً لدى المتشرعة، فاللازم ـ ح ـ حمل السؤال على المورد الذي كان الجواز فيه محل الشبهة وهو حال الاحرام مضافاً الى دلالة الجواب عليه.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والأربعون، ح5.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والعشرون، ح1.
(الصفحة 148)
وامّا الجواب فالظاهر ان قوله (عليه السلام) «ان المحرم ليمسّه» حكم مستقل مرجعه الى جواز استعمال الحناء مطلقاً للزينة أو لغيرها وليس عطف قوله: «ويداوي به بعيره» قرينة على كون المراد من المسّ، ما يرتبط بتداوي البعير ومعالجته. ويؤيده كون العطف بالواو دون الفاء كما انه يؤيده بل يدل عليه قوله «وما هو بطيب» فان نفي كونه من مصاديق الطيب ناظراً الى عدم حرمة مسّه واستعماله كما يحرم مسّ الطيب واستعماله، وجه الدلالة انه لو فرض كونه من الطيب لكان مسّه لتداوي البعير جائزاً ايضاً خصوصاً مع انحصار طريق التداوي به واستلزامه للمسّ.
واظهر من الجميع في افادة اطلاق الحكم بالجواز قوله في الذيل «وما به بأس» بعد ظهور كون مرجع الضمير هو الحناء الذي نفى كونه من الطيب في الجملة السابقة عليه لا التداوي به بعيره، وعليه فنفي البأس عن الحناء في حال الاحرام ظاهر في جوازه مطلقاً سواء كانت زينة أو غيرها، قصد به الزينة أم لم يقصد، ولولا الرواية الآتية التي يستفاد منها الكراهة لكان مقتضى هذه الرواية عدم الكراهة ايضاً، كما انه لو قلنا باختصاص تلك الرواية بالمرأة التي هي موردها كما يستفاد من عبارة الشرائع المتقدمة لا دليل على الكراهة في المقام بالاضافة الى الرجل وتلك الرواية هي مارواه ابو الصباح الكناني عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة خافت الشقاق فأرادت ان تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك قال: ما يعجبني ان تفعل(1) .
لكن الظاهر عدم اختصاص الحكم في الرواية بالمرأة كما ان الظاهر اختصاصه بمثل الحناء الذي يبقى اثره الى ما بعد الاحرام، فلو فرض زوال أثره عند الشروع فيه لا مجال فيه لدعوى الكراهة كما ورد في بعض الروايات المتقدمة في النيّة والتلبية من
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والعشرون، ح2.
(الصفحة 149)
انه (عليه السلام)أكل خبيصاً فيه زعفران بعد النية وقبل التلبية، وعليه فاذا كان استعمال الحناء قبل الاحرام بلحاظ بقاء أثره مكروهاً يكون استعماله بعد الاحرام مكروهاً بطريق أولى.
هذا ولكن في دلالة الصحيحة الواردة في المقام شبهة وهي ان المستفاد منها ان الشبهة الموجودة في الحناء الموجبة للسؤال عن حكمه انّما هي احتمال كونه من مصاديق الطيب وافراده، ولذا صرّح (عليه السلام) في الجواب بنفي كونه من الطيب مع ان العمدة في الحناء انما هو انطباق عنوان الزينة عليه وكون الاستعمال الغالبي فيه هي الزينة بخلاف لبس الخاتم الذي مرّ انه لم يوضع للزينة ولو غالباً ولأجل ذلك يجري فيه التعليل المذكور في رواية الاكتحال بالسواد بقوله فانه زينة وما ورد في النظر الى المرآة من قوله فانه من الزينة ولولا اشتمال رواية المقام على نفي كون الحناء من الطيب لكان الحكم بالجواز في الحناء مخصّصاً للتعليل المشتمل على الكبرى المطوية وهي ان كل زينة حرام على المحرم ولازم التخصيص هنا اخراج استعمال الحناء عن الكبرى المذكورة مطلقاً سواء كان المقصود به الزينة أو كان المقصود غيرها بخلاف لبس الخاتم الذي عرفت ان مقتضى الرواية الواردة فيه التفصيل بين قصد الزينة وبين قصد غيرها وامّا اشتمالها على عدم كون الحناء من الطيب فربما يوجب الاشكال في المسألة من جهة احتمال كون الجواز من هذه الجهة فلا ينافي الحرمة من جهة اُخرى ولعلّه لذا نفي خلّو الحرمة عن الوجه في المتن في الصورتين وان كان يرد عليه انّ مجرد احتمال ذلك لايقاوم ظهور الرواية في الجواز بعد كون السؤال عن أصل استعمال الحناء نعم الاحتمال المذكور مؤثر في جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي الترك في الصورتين.
كما انه مما ذكرنا ظهر ان الجمع بين كراهة استعمال المحرم للحناء بقصد الزينة وبين تخصيص الحكم بالكراهة بالمرأة فيما اذا كان الاستعمال قبيل الاحرام وعند