(الصفحة 148)
وامّا الجواب فالظاهر ان قوله (عليه السلام) «ان المحرم ليمسّه» حكم مستقل مرجعه الى جواز استعمال الحناء مطلقاً للزينة أو لغيرها وليس عطف قوله: «ويداوي به بعيره» قرينة على كون المراد من المسّ، ما يرتبط بتداوي البعير ومعالجته. ويؤيده كون العطف بالواو دون الفاء كما انه يؤيده بل يدل عليه قوله «وما هو بطيب» فان نفي كونه من مصاديق الطيب ناظراً الى عدم حرمة مسّه واستعماله كما يحرم مسّ الطيب واستعماله، وجه الدلالة انه لو فرض كونه من الطيب لكان مسّه لتداوي البعير جائزاً ايضاً خصوصاً مع انحصار طريق التداوي به واستلزامه للمسّ.
واظهر من الجميع في افادة اطلاق الحكم بالجواز قوله في الذيل «وما به بأس» بعد ظهور كون مرجع الضمير هو الحناء الذي نفى كونه من الطيب في الجملة السابقة عليه لا التداوي به بعيره، وعليه فنفي البأس عن الحناء في حال الاحرام ظاهر في جوازه مطلقاً سواء كانت زينة أو غيرها، قصد به الزينة أم لم يقصد، ولولا الرواية الآتية التي يستفاد منها الكراهة لكان مقتضى هذه الرواية عدم الكراهة ايضاً، كما انه لو قلنا باختصاص تلك الرواية بالمرأة التي هي موردها كما يستفاد من عبارة الشرائع المتقدمة لا دليل على الكراهة في المقام بالاضافة الى الرجل وتلك الرواية هي مارواه ابو الصباح الكناني عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة خافت الشقاق فأرادت ان تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك قال: ما يعجبني ان تفعل(1) .
لكن الظاهر عدم اختصاص الحكم في الرواية بالمرأة كما ان الظاهر اختصاصه بمثل الحناء الذي يبقى اثره الى ما بعد الاحرام، فلو فرض زوال أثره عند الشروع فيه لا مجال فيه لدعوى الكراهة كما ورد في بعض الروايات المتقدمة في النيّة والتلبية من
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والعشرون، ح2.
(الصفحة 149)
انه (عليه السلام)أكل خبيصاً فيه زعفران بعد النية وقبل التلبية، وعليه فاذا كان استعمال الحناء قبل الاحرام بلحاظ بقاء أثره مكروهاً يكون استعماله بعد الاحرام مكروهاً بطريق أولى.
هذا ولكن في دلالة الصحيحة الواردة في المقام شبهة وهي ان المستفاد منها ان الشبهة الموجودة في الحناء الموجبة للسؤال عن حكمه انّما هي احتمال كونه من مصاديق الطيب وافراده، ولذا صرّح (عليه السلام) في الجواب بنفي كونه من الطيب مع ان العمدة في الحناء انما هو انطباق عنوان الزينة عليه وكون الاستعمال الغالبي فيه هي الزينة بخلاف لبس الخاتم الذي مرّ انه لم يوضع للزينة ولو غالباً ولأجل ذلك يجري فيه التعليل المذكور في رواية الاكتحال بالسواد بقوله فانه زينة وما ورد في النظر الى المرآة من قوله فانه من الزينة ولولا اشتمال رواية المقام على نفي كون الحناء من الطيب لكان الحكم بالجواز في الحناء مخصّصاً للتعليل المشتمل على الكبرى المطوية وهي ان كل زينة حرام على المحرم ولازم التخصيص هنا اخراج استعمال الحناء عن الكبرى المذكورة مطلقاً سواء كان المقصود به الزينة أو كان المقصود غيرها بخلاف لبس الخاتم الذي عرفت ان مقتضى الرواية الواردة فيه التفصيل بين قصد الزينة وبين قصد غيرها وامّا اشتمالها على عدم كون الحناء من الطيب فربما يوجب الاشكال في المسألة من جهة احتمال كون الجواز من هذه الجهة فلا ينافي الحرمة من جهة اُخرى ولعلّه لذا نفي خلّو الحرمة عن الوجه في المتن في الصورتين وان كان يرد عليه انّ مجرد احتمال ذلك لايقاوم ظهور الرواية في الجواز بعد كون السؤال عن أصل استعمال الحناء نعم الاحتمال المذكور مؤثر في جعل مقتضى الاحتياط الوجوبي الترك في الصورتين.
كما انه مما ذكرنا ظهر ان الجمع بين كراهة استعمال المحرم للحناء بقصد الزينة وبين تخصيص الحكم بالكراهة بالمرأة فيما اذا كان الاستعمال قبيل الاحرام وعند
(الصفحة 150)الرابع عشر: لبس المرأة الحلّي للزينة فلو كان زينة فالأحوط تركه وان لم يقصدها، ولا بأس بما كانت معتادة به قبل الاحرام ولا يجب اخراجه لكن يحرم عليها اظهاره للرجال حتى زوجها، وليس في لبس الحلّي كفارة وان فعلت حراماً 1 .
ارادته كما عرفت في عبارة الشرايع مما لايستقيم، فانه لو كان خبر ابي الصباح المتقدم مختصّاً بالمرأة التي هي مورده لا دليل على ثبوت الكراهة بالنسبة الى الرجال بعد الاحرام لأنّك عرفت ان ثبوت الكراهة بعده انّما هو من طريق الاولوية والمفروض ان مورد الكراهة الاولية خصوص المراة كما تدلّ عليه عبارته.
الجهة الثالثة: انه ليس في لبس الخاتم المحرَّم وهو ما اذا كان المقصود به الزينة وكذا في استعمال الحناء على تقدير حرمته كفارة لعدم دلالة شيء من ادلّة الحرمة على ثبوت الكفارة والدليل العام الدال على ثبوت كفارة الدم في جميع المحرمات قد عرفت ضعفه سنداً ودلالة وانه لاينهض لاثبات ذلك كما مرّ فلا كفارة في المقام بوجه.
(1) الظاهر انه لا اشكال في حرمة لبس المرأة الحلّي للزينة في حال الاحرام وفي الجواهر: كما صرّح به غير واحد بل لعلّه المشهور بل في المدارك نفي الاشكال فيه ولولا الروايات الخاصة الواردة في المقام لكان المستفاد من الكبرى المطوية في التعليل الوارد في الاكتحال بالسواد بقوله (عليه السلام) فانه زينة وكذا في بعض روايات النظر في المرآة حرمة لبس المرأة الحلّي الذي يكون زينة بنفسه مطلقاً من دون فرق بين صورة ما اذا كان المقصود هو التزيّن به أو كان الغرض غيره، لكن وردت في الباب طوائف من الروايات.
الاولى: ما ظاهره حرمة لبس المرأة للحلّي مطلقاً من دون فرق بين صورة قصد الزينة وصورة عدمه وكذا من دون فرق بين أنواع الحلّي واقسامه مثل صحيحة الحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: المحرمة لا تلبس الحلّي ولا المصبغات إلاّ صبغاً
(الصفحة 151)
لايردع(1) .
الثانية: ما ظاهره التفصيل، وان كان بينهما اختلاف في التفصيل ايضاً مثل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: المحرمة تلبس الحلّي كلّه إلاّ حليّاً مشهوراً للزينة(2). وظاهره ان المستثنى من الحكم بالجواز لبس الحلّي المشتمل على خصوصيتين، احداهما كونه مشهوراً اي ظاهراً بارزاً كما في مثل قوله شهر فلان سيفه ثانيتهما كون المقصود من لبسه هي الزينة واحتمال كون اللام في قول للزينة للتعليل مضافاً الى انه خلاف الظاهر في نفسه يلزم منه الحكم بعموم الحرمة لجميع موارد المستثنى منه لأن مطلق الحلّي زينة فلا يبقى مورد للجواز.
وصحيحة الكاهلي عن ابي عبدالله (عليه السلام) انه قال: تلبس المرأة المحرمة الحلّي كلّه إلاّ القرط المشهور والقلادة المشهورة(3). والمراد من القرط بالضم ما يلقى في شحم الأذن ومن القلادة ما يجعل على العنق ويعبّر عن الأوّل في الفارسية بـ "گوشواره" وعن الثانية بـ "گردن بند".
ومن الواضح اختلاف الصحيحتين في المستثنى وكون النسبة عموماً من وجه فان الاوّل عام بالاضافة الى كل حلّى مشهور وخاص من جهة التقييد بقصد الزينة والثاني عام من جهة عدم التقييد بالقصد المزبور وخاص من جهة الاختصاص بالقرط والقلادة فالقدر المتيقن من مورد الحرمة صورة اجتماع كلا العنوانين، وامّا مادتا الافتراق فمورد للاختلاف لكن حيث انه لم يقل أحد بالتفصيل بين القرط والقلادة وبين غيرهما من
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والأربعون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والأربعون، ح4.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والأربعون، ح6.
(الصفحة 152)
أنواع الحلّي، فاللازم الأخذ باطلاق صحيحة محمد بن مسلم والحكم بثبوت الحرمة بالنسبة الى جميع الانواع ومرجع ما ذكرنا امّا الى كون الشهرة الفتوائية مرجّحة بعد ثبوت التعارض وامّا الى ان التعارض وان كان موجباً للتساقط لكن اللازم بعد التساقط الرجوع الى مثل صحيحة الحلبي المتقدمة في الطائفة الاولى الظاهرة في حرمة لبس الحلّي مطلقاً.
الطائفة الثانية: ما يمكن ان يقال بدلالته على الجواز مطلقاً مع استثناء صورة الاظهار للرجال وهي صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن المرأة يكون عليها الحلّي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها، انتزعه (اتنزعه ظ) اذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال: تحرم فيه وتلبسه من غير ان تظهره للرجال في مركبها ومسيرها(1) .
بناء على كون محطّ نظر السائل هو جواز لبس المرأة الحلّي في حال الاحرام وعدمه وعليه فالجواب دالّ على الجواز واستثناء صورة الاظهار للرجال لكن التأمّل في الرواية يقضي بان محطّ نظر السائل بعد كون المفروغ عنه عنده هي حرمة لبس الحلّي في حال الاحرام وانه لا فرق في ذلك بين القرط وبين الخلخال والمسكة التي هي السوار وغيرهما انّه اذا كان الحلّي على المرأة في حال الاحرام مع كون لبسه مستمرّاً في بيتها قبل ذلك وكانت معتادة له فهل يجب عليها الانتزاع أو يجوز ان تحرم فيه ويدلّ على ان مورد السؤال ما ذكرنا قوله، وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجّها فانّ التعبير بـ «كانت» الظاهر في الاستمرار من جهة واضافة هذه الجملة بعد كون الجملة الاولى دالة على وجود الحلّي في حال الاحرام ولم تكن حاجة الى اضافة الجملة الثانية من جهة
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والأربعون، ح1.