(الصفحة 177)
المشهور على طبقه والاستناد اليه حيث انّ اطعام ثلاثة مساكين لايوجد في غير هذه الرواية.
ثمّ انّ التحقيق في الجمع بين الروايات ان يقال انه تارة يفرض كون صحيحة حريز مشتملة على حكم نتف الابطين كما في نقل الشيخ (قدس سره) واخرى يفرض كونها مشتملة على حكم نتف الابط بصورة الافراد دون التثنية كما في نقل الصدوق الذي هو أضبط من الشيخ كالكليني.
فعلى التقدير الاوّل تكون صحيحة حريز دالة على ثبوت الدم في نتف الابطين ولا تنافيها صحيحة زرارة الدالة على ثبوت الدم في مطلق النتف سواء تعلق بابط واحدة أو بابطين إذ ليس لصحيحة حريز مفهوم من جهة العدد بل مطلقاً على ما حققناه في محلّه من بحث المفاهيم. نعم تنافيها رواية ابن جبلة، تنافي الاطلاق والتقييد، فيقيد اطلاقها بالصحيحة.
واما بالاضافة الى نتف ابط واحدة فالمعارضة واقعة بين صحيحة زرارة الظاهرة في تعين الدم وبين رواية ابن جبلة الظاهرة في تعيّن اطعام ثلاثة مساكين، فيرفع اليد عن ظهور كلتيهما بصراحة الاُخرى في جواز الاقتصار على مفادها، وعليه فاللازم هو القول بالتخيير في نتف ابط واحدة بين الدم وبين الاطعام.
والعجب من بعض الاعلام (قدس سره) حيث انه بعد ان جعل مقتضى الجمع هو الحمل على الوجوب التخييري قال: وبما ان الأمر دائر بين التعيين والتخيير فمقتضى الاحتياط هو التعيين بوجوب الشاة فالاكتفاء عنها بالاطعام مما لا وجه له وخلاف الاحتياط. وذلك لأنّ اصالة الاحتياط الجارية في مورد الدوران بين التعيين والتخيير انّما يكون مجريها صورة الشك بينهما كما لو فرض العلم اجمالاً في يوم الجمعة بان الواجب امّا
(الصفحة 178)
خصوص صلاة الجمعة وامّا التخيير بينها وبين صلاة الظهر فمقتضى اصالة الاحتياط الاتيان بصلاة الجمعة وامّا في المقام فلايكون شك في البين بعد كون مقتضى الجمع بين الدليلين هو الحمل على التخيير ولو فرض ثبوت الشك بلحاظ الفتاوى فقد عرفت ان الشهرة المحققة انما هي على الاطعام في نتف الابط الواحدة فلا يكون مقتضى الاحتياط هو الدم.
وعلى التقدير الثاني الذي يكون مورد جميع الروايات نتف الابط بصورة الافراد فاللازم حمل الصحيحتين على نتف الابطين لأنه مضافاً الى كون الغالب في نتف الابط هو نتفهما لا نتف واحدة منهما ان العلم بثبوت الدم في نتف الابطين على نحو التعيّن كما عرفت انه لا خلاف فيه يقتضي حمل رواية عبدالله بن جبلة على نتف الواحدة وحمل الاخريين على نتف الابطين فينطبق على ما هو المشهور من التفصيل.
ثم انّه على تقدير الشك في كون صحيحة حريز واردة في مورد المفرد أو التثنية يدور الأمر في نتف الواحدة بين تعيّن الاطعام وبين التخيير وبينه وبين الدم ومقتضى اصالة الاحتياط في دوران الامر بين التعيين والتخيير هو الأخذ بالاطعام دون الدم.
الأمر الثاني: في مسّ الشعر الموجب لسقوط شعرة أو أزيد قال في الشرايع: ولو مسّ لحيته أو رأسه فوقع منهما شيء أطعم كفّاً من طعام واضاف اليه في الجواهر قوله: كما في النافع والقواعد ومحكى الغنية والسرائر بل في المدارك نسبته الى قطع الاصحاب بل عن ظاهر المنتهى والتذكرة الاجماع عليه.
والروايات الظاهرة في ثبوت الكفارة فيه كثيرة قد جمعها صاحب الوسائل في الباب السادس عشر من ابواب بقيّة كفارات الاحرام:
منها صحيحة منصور عن ابي عبدالله (عليه السلام) في المحرم اذا مسّ لحيته فوقع منها
(الصفحة 179)
شعرة قال: يطعم كفّاً من طعام أو كفين(1) .
ومنها صحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان قال: يطعم شيئاً(2). وهذه قرنية على عدم لزوم مقدار الكف ايضاً.
ومنها رواية الحسن بن هارون قال قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) اني اولع بلحيتي وانا محرم فتسقط الشعرات، قال: اذا فرغت من احرامك فاشتر بدرهم تمراً وتصدّق به فان تمرة خير من شعرة(3).
ومنها غير ذلك من الروايات الدالة على لزوم التصدّق بكف من طعام أو كف من سويق أو بكفّ من كعك أو سويق أو لزوم ان يطعم مسكيناً في يده.
احداهما رواية جعفر بن بشير والمفضل بن عمر قال: دخل السّاجبي على ابي عبدالله (عليه السلام) فقال: ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام)لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليّ شيء(4).
والرواية بهذا السند لا مجال للمناقشة فيها من حيث السنّد لأنّ منشأ المناقشة وجود المفضل فيه مع انه على هذا التقدير يكون نقل الرواية مشتركاً بينه وبين جعفر بن بشير الذي هو ثقة.
لكن المحكّى عن التهذيب جعفر بن بشير عن المفضل بن عمر ويؤيده انه على تقدير التعدد لكان اللاّزم ان يقول: قالا مكان قال مع ان اختلاف طبقتهما يقتضي عدم
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح3.
- (4) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح3.
(الصفحة 180)السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطّيه حتى الحشيش والحناء والطين ونحوها على الاحوط فيها، بل الأحوط ان لايضع على رأسه شيء (شيئاً ظ) ويغطي به رأسه، وفي حكم الرأس بعضه، والاذن من الرأس ظاهراً فلا يجوز تغطيته، ويستثنى من الحكم عصام القربة كما انه يستثنى منه عصابة الصداع 1 .
كونهما روايين عن امام واحد و ـ ح ـ ان قلنا بضعف المفضل فالرواية ساقطة عن درجة الاعتبار ولا تصلح لمعارضة ما تقدم من الروايات وان قلنا بوثاقته كما هو الظاهر ويؤيده كتاب توحيده المعروف فلابد ـ ح ـ من الجمع بينهما وبينه وسيأتي وجهه.
ثانيتهما رواية ليث المرادي قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده خطاءاً أو عمداً فقال لايضرّه(1) . والرواية ضعيفة بمفضل بن صالح مع ان ظاهرها عدم الاضرار في صورة العمد ايضاً مع وضوح ترتب العقاب واستحقاقه في هذه الصورة.
ومع قطع النظر عن ذلك يكون مقتضى الجمع هو حمل الروايات المتقدمة على الاستحباب خصوصاً مع ملاحظة الاختلاف بينهما ايضاً على ما عرفت ولكن الاحتياط الوجوبي التصدق بكف من طعام كما في المتن.
ثم ان مورد هذه المسألة ما اذا لم يكن ذلك في حال الوضوء أو الغسل وإلاّ فقد عرفت في بعض المسائل السابقة انّه لا كفارة في سقوط الشعرة أو أزيد في احدى الحالتين وورد فيه رواية دالة على الجواز مستدلّة بآية نفي الحرج.
(1) في هذا الأمر جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في أصل الحكم بنحو الاجمال وكون تغطية الرجل رأسه في الجملة من محرمات الاحرام وفي الجواهر بعد المتن: بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه
- (1) ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب السادس عشر، ح8 .
(الصفحة 181)
عليه، بل عن التذكرة والمنتهى اجماع العلماء عليه بل النصوص فيه مستفيضة حدّ الاستفاضة ان لم تكن متواترة، ومراده من التواتر الذي احتمله هو التواتر المعنوي أو الاجمالي الذي يرجع الى العلم بصدور بعض الروايات الواردة في هذا المجال ولا بأس بنقل بعضها فنقول:
منها صحيحة عبدالله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: المحرمة لاتتنقب، لأن احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه(1) .
ووقوع هذه العبارة في مقام التعليل على النهي عن التغطية والتنقب للمرأة يرشد الى أمرين: احدهما حرمة تغطية الرأس على الرجل المحرم الذي هو المهم في هذه الجهة وثانيهما بيان المراد من هذه العبارة التي لولا وقوعها في مقام التعليل لكانت مجملة في نفسها، فان كون احرام المرأة في وجهها لامعنى له بعدما عرفت في البحث عن ماهية الاحرام من انّها امر اعتباري يعتبره الشارع عقيب النية فقط أو بضميمة التلبية، وهذا الأمر الاعتباري لايرتبط الى الوجه في المرأة والرأس في الرجل. نعم يحتمل ان يكون المراد هو استكشاف احرام الرجل والمرأة من هذا الطريق، وفيه ايضاً ما لايخفى، هذا ولكن وقوعها تعليلاً للنهي عن التغطية يبين المقصود منها وان المحرمة لايجوز لها تغطية وجهها والمحرم تغطيته رأسه.
ومنها صحيحة حريز قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن محرم غطّى رأسه ناسياً قال: يلقي القناع عن رأسه، ويلبّي ولا شيء عليه(2). والسؤال فيها يدلّ على مفروعية حرمة التغطية عند السائل وان مورد شكّه ما اذا وقع نسياناً.
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح2.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح3.