(الصفحة 194)
عن المحرم يغطّي رأسه ناسياً أو نائماً فقال: يلبّي اذا ذكر(1) . ولا اشكال في كون المراد من قوله: أو نائماً ليس هي التغطية في حال النوم بل في حال ارادته ولولا الجواب لكان ظاهره التغطية كذلك في حال الالتفات والتوجه ولكن الجواب بملاحظة قوله (عليه السلام) اذا ذكر قرنية على كون المراد هي التغطية في حال ارادة النوم نسياناً كما لايخفى وعلى التقديرين تدلّ على الحرمة، غاية الأمر انه على أحد التقديرين تكون دلالتها بالمطابقة وعلى الثاني بالمفروغية عند السائل بالاضافة الى حال الذكر وتقرير الامام (عليه السلام) له.
لكن في مقابلهما ما رواه الشيخ باسناده عن سعد بن عبدالله عن موسى بن الحسن (الحسين خ ل) والحسن بن عليّ عن احمد بن هلال ومحمد بن ابي عمير واميّة بن عليّ القيسي عن عليّ بن عطية عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) في المحرم قال: له ان يغطي رأسه ووجهه اذا أراد أن ينام(2).
وفي الجواهر بعد ان عبّر عنه بالخبر ووصفه بانّه لايكون جامعاً لِشرائط الحجية ذكر ان ما فيه مطرح أو محمول على حال التضرر بالتكشف أو على التغطية التي هي تظليل أو غير ذلك، ولكن الظاهر صحّة سند الرواية فان موسى بن الحسن بن عامر بن عمران الاشعري، ثقة وموسى بن الحسين وان كان مجهولاً إلاّ انّ الراوي في هذه الطبقة حيث يكون اثنين والحسن بن علي بن الفضال الذي هو الراوي الآخر ثقة لايقدح ضمّ المجهول اليه في اعتبار الرواية وحجيّتها، كما ان اشتراك الطبقة السابقة بين ثلاثة، أحدهم محمد بن ابي عمير الذي هو ثقة بلا ريب، لايكون قادحاً فيه، لما ذُكِرَ، وامّا علي بن عطية فهو الحناط الكوفي الثقة فلا ينبغي الاشكال في صحة الرواية والمناقشة
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح6.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب السادس والخمسون، ح2.
(الصفحة 195)
فيها اصلاً، كما ان دلالتها على الجواز في صورة ارادة النوم ظاهرة بحيث لو لم يكن في مقابلها الصحيحتان المتقدمتان لكان اللازم الالتزام بتقييد المطلقات بهذه الرواية وجعل هذه الصورة مستثناة من أصل الحكم، لكن معارضتهما معها توجب الأخذ بهما لأن الشهرة الفتوائية التي هي اوّل المرجحات على ما اخترناه موافقة لهما، فاللازم الأخذ بهما دونها والجمع الدلالي بينهما غير ممكن وعلى ما ذكرنا فلا اشكال في الحكم.
بقي الكلام في هذه الجهة في أمرين:
أحدهما: لزوم رفع التغطية لو فعلها نسياناً بمجرد رفع النسيان فوراً لعدم اختصاص حرمتها بالابتداء بل تشمل الاستدامة ايضاً فاللازم الإزالة فوراً بمجرد التذكر ورفع النسيان.
ثانيهما: ظاهر بعض الروايات الواردة في مورد النسيان كصحيحة الحلبي المتقدمة انفاً وصحيحة حريز قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن محرم غطيّ رأسه ناسياً قال: يلقي القناع عن رأسه ويلبّي ولا شيء عليه(1) ، وجوب التلبية بعد القاء القناع وحصول التذكر لكن المحكّى عن المدارك وغيرها انه لا قائل بالوجوب وأورد عليه في الجواهر بان الوجوب محكّى عن ظاهر الشيخ وابني حمزة وسعيد.
وكيف كان فلم يثبت اعراض المشهور عمّا يدلّ على الوجوب وعدم فهمهم الوجوب منه لايكون حجّة فالأحوط لو لم يكن أقوى هي رعاية التلبية كما في المتن.
الجهة الثالثة: في انه يجوز وضع الرأس عند النوم على المخدّة والوسادة كما صرّح به جماعة والوجه فيه امّا عدم صدق التغطية والستر ولو بالاضافة الى بعض الرأس على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح3.
(الصفحة 196)
الوضع المذكور وامّا انصراف الأدلّة الناهيه عن ستر الرأس للرجل المحرم عن هذا النوع من الستر وتدلّ عليه السيرة القطعية المستمرة عند المتشرعة على النوم بالنحو الطبيعي المستلزم عادة لوضع الرأس على شيء وان كان هو الأرض الخالية وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الجواز بصورة كون النوم بغير النحو الطبيعي موجباً للحرج والمشقة بل يجوز مطلقاً ولو مع عدم المشقة في ذلك.
والمناسب في هذه الجهة التعرّض لما لم يقع التعرض له في المتن وهو انه هل يجوز تغطية الرأس ببعض أعضاء الجسد كاليد ـ مثلاً ـ أو لا يجوز.
المحكى عن المبسوط والمنتهى والتذكرة جواز الستر باليد وعن الدروس ان الاولى المنع واستدلّ له في الجواهر بان السّتر بما هو متّصل به لايثبت له حكم الستر ولذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة وبانه مأمور بمسح رأسه في الوضوء وببعض الروايات التي يجيء التعرض لها.
أقول عدم ثبوت حكم الستر للستر بما هو متصل بالبدن أوّل الكلام وعدم اجزاء وضع اليدين على الفرج في حال الصلاة لا دلالة له على ذلك ولذا يكفي التستّر باليد في الستر الواجب النفسي.
وامّا مسح رأسه باليد في الوضوء الذي هو مأمور به فالظاهر تماميّة دلالته بعد ملاحظة عدم لزوم الاقتصار على أقل ما يتحقق به المسح وجواز المسح بالزائد عن الاقل وبعد ملاحظة عدم كون الجواز انّما هو بنحو التخصيص المستلزم للدخول في الدليل المطلق بل الظاهر كون الجواز انّما هو بنحو التخصص الذي مرجعه الى عدم شمول الادلة الناهية لهذا النوع من الستر.
وامّا الروايات فمنها صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس
(الصفحة 197)
ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، ولا بأس ان يستر بعض جسده ببعض(1) .وذيله مسوق لبيان ضابطة كلية ومن الواضح انّ مورده ما اذا كان الستر بغير الجسد محرّماً على المحرم فيشمل تغطية الرجل الرأس والمرأة الوجه ويدلّ على الجواز اذا كان ببعض الجسد كاليد ـ مثلاً ـ وذكر في الدروس انه لايكون صريحاً في الدلالة مع ان الظهور يكفي فيها.
ومنها رواية زرارة قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) هل يحك المحرم رأسه ويغتسل بالماء؟ قال: يحكّ رأسه مالم يتعمد قتل دابة(2). وامّا صحيحة معاوية بن عمار الاُخرى قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال: باظافيره مالم يدم او يقطع الشعر(3)، فلا دلالة لها على اختصاص الجواز بالاظافير بل الظاهر ان المراد هو الجواز باليد مطلقاً وانّ خصوصية الاظافير انّما هي لتحقق الحكّ بها نوعاً كما لا يخفى.
الجهة الرابعة: في تغطية الرجل المحرم الوجه وانّها هل تكون جائزة ام لا كما في المرأة المحرمة فنقول المشهور هو الجواز بل عن الخلاف والتذكرة والمنتهى الاجماع عليه والمحكّى عن ابن ابي عقيل، عدم الجواز وان فيه كفارة اطعام مسكين، وعن الشيخ في التهذيب الجواز مع الاختيار غير انه تلزمه الكفارة بل قال: ومتى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك.
والدليل على الجواز مضافاً الى مادلّ على ان احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه بعدما عرفت من ارتباطه بمسألة حرمة التغطية فان التفصيل قاطع
- (1) ابواب تروك الاحرام ، الباب السابع والستون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح4.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح1.
(الصفحة 198)
للشركة ولا ينطبق إلاّ على اختصاص كل واحد من الرجل والمرأة بشيء من الأمرين روايات متعددة مثل:
رواية منصور بن حازم قال: رأيت ابا عبدالله (عليه السلام) وقد توضّأ وهو محرم ثم أخذ منديلاً فمسح به وجهه(1) .
ورواية عبدالملك القمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الرجل يتوضّأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمرّه كلّه. قال: لا بأس(2). والظاهر ما ذكرنا من قوله: يجلل ـ بالجيم ـ لا كما في الوسائل من قوله: يخلل ـ بالخاء ـ ومعناه هو التغطية.
ورواية ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال المحرم يغطّي وجهه عند النوم والغبار الى طرار شعره(3).
لكن ظاهر بعض الروايات الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام)قال: يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه ولا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه. قال الصدوق يعني من أسفل(4).
وصحيحة حفص بن البختري وهشام بن الحكم جميعاً عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من اسفل وقال: اضح لمن احرمت له(5).
وربما يستشهد لابن ابي عقيل برواية صحيحة للحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال المحرم اذا غطّى وجهه فليطعم مسكيناً في يده ولا بأس ان ينام المحرم على وجهه على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح8.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح1.
- (5) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح2.