(الصفحة 196)
الوضع المذكور وامّا انصراف الأدلّة الناهيه عن ستر الرأس للرجل المحرم عن هذا النوع من الستر وتدلّ عليه السيرة القطعية المستمرة عند المتشرعة على النوم بالنحو الطبيعي المستلزم عادة لوضع الرأس على شيء وان كان هو الأرض الخالية وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الجواز بصورة كون النوم بغير النحو الطبيعي موجباً للحرج والمشقة بل يجوز مطلقاً ولو مع عدم المشقة في ذلك.
والمناسب في هذه الجهة التعرّض لما لم يقع التعرض له في المتن وهو انه هل يجوز تغطية الرأس ببعض أعضاء الجسد كاليد ـ مثلاً ـ أو لا يجوز.
المحكى عن المبسوط والمنتهى والتذكرة جواز الستر باليد وعن الدروس ان الاولى المنع واستدلّ له في الجواهر بان السّتر بما هو متّصل به لايثبت له حكم الستر ولذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة وبانه مأمور بمسح رأسه في الوضوء وببعض الروايات التي يجيء التعرض لها.
أقول عدم ثبوت حكم الستر للستر بما هو متصل بالبدن أوّل الكلام وعدم اجزاء وضع اليدين على الفرج في حال الصلاة لا دلالة له على ذلك ولذا يكفي التستّر باليد في الستر الواجب النفسي.
وامّا مسح رأسه باليد في الوضوء الذي هو مأمور به فالظاهر تماميّة دلالته بعد ملاحظة عدم لزوم الاقتصار على أقل ما يتحقق به المسح وجواز المسح بالزائد عن الاقل وبعد ملاحظة عدم كون الجواز انّما هو بنحو التخصيص المستلزم للدخول في الدليل المطلق بل الظاهر كون الجواز انّما هو بنحو التخصص الذي مرجعه الى عدم شمول الادلة الناهية لهذا النوع من الستر.
وامّا الروايات فمنها صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: لابأس
(الصفحة 197)
ان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس، ولا بأس ان يستر بعض جسده ببعض(1) .وذيله مسوق لبيان ضابطة كلية ومن الواضح انّ مورده ما اذا كان الستر بغير الجسد محرّماً على المحرم فيشمل تغطية الرجل الرأس والمرأة الوجه ويدلّ على الجواز اذا كان ببعض الجسد كاليد ـ مثلاً ـ وذكر في الدروس انه لايكون صريحاً في الدلالة مع ان الظهور يكفي فيها.
ومنها رواية زرارة قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) هل يحك المحرم رأسه ويغتسل بالماء؟ قال: يحكّ رأسه مالم يتعمد قتل دابة(2). وامّا صحيحة معاوية بن عمار الاُخرى قال سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن المحرم كيف يحكّ رأسه ؟ قال: باظافيره مالم يدم او يقطع الشعر(3)، فلا دلالة لها على اختصاص الجواز بالاظافير بل الظاهر ان المراد هو الجواز باليد مطلقاً وانّ خصوصية الاظافير انّما هي لتحقق الحكّ بها نوعاً كما لا يخفى.
الجهة الرابعة: في تغطية الرجل المحرم الوجه وانّها هل تكون جائزة ام لا كما في المرأة المحرمة فنقول المشهور هو الجواز بل عن الخلاف والتذكرة والمنتهى الاجماع عليه والمحكّى عن ابن ابي عقيل، عدم الجواز وان فيه كفارة اطعام مسكين، وعن الشيخ في التهذيب الجواز مع الاختيار غير انه تلزمه الكفارة بل قال: ومتى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك.
والدليل على الجواز مضافاً الى مادلّ على ان احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه بعدما عرفت من ارتباطه بمسألة حرمة التغطية فان التفصيل قاطع
- (1) ابواب تروك الاحرام ، الباب السابع والستون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح4.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الثالث والسبعون، ح1.
(الصفحة 198)
للشركة ولا ينطبق إلاّ على اختصاص كل واحد من الرجل والمرأة بشيء من الأمرين روايات متعددة مثل:
رواية منصور بن حازم قال: رأيت ابا عبدالله (عليه السلام) وقد توضّأ وهو محرم ثم أخذ منديلاً فمسح به وجهه(1) .
ورواية عبدالملك القمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الرجل يتوضّأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمرّه كلّه. قال: لا بأس(2). والظاهر ما ذكرنا من قوله: يجلل ـ بالجيم ـ لا كما في الوسائل من قوله: يخلل ـ بالخاء ـ ومعناه هو التغطية.
ورواية ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال المحرم يغطّي وجهه عند النوم والغبار الى طرار شعره(3).
لكن ظاهر بعض الروايات الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام)قال: يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه ولا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه. قال الصدوق يعني من أسفل(4).
وصحيحة حفص بن البختري وهشام بن الحكم جميعاً عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من اسفل وقال: اضح لمن احرمت له(5).
وربما يستشهد لابن ابي عقيل برواية صحيحة للحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال المحرم اذا غطّى وجهه فليطعم مسكيناً في يده ولا بأس ان ينام المحرم على وجهه على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح8.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح1.
- (5) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح2.
(الصفحة 199)
راحلته(1) .
والاشكال في الرواية من وجهين:
احداهما: انّ المنقول في الوسائل وان كان بصورة الاسناد لكن المحكّى عن التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّها مضمرة وقد وصفها بذلك صاحب الجواهر ايضاً إلاّ انّ الاضمار من مثل الحلبي لايقدح في اعتبار الرواية وحجيّتها وان لم يبلغ مرتبة الاضمار من مثل زرارة.
ثانيهما: انّ صدر الرواية فنقول في الوسائل بهذا السند في ابواب بقية كفارات الاحرام لكن فيه الرأس بدل الوجه(2) والنقل بهذه الكيفية وان كان بعيداً في نفسه بملاحظة ذيل الرواية الظاهر في جواز النوم على الوجه في الراحلة مع انه على هذا التقدير تجوز التغطية للوجه اختياراً ايضاً وبملاحظة انه لم يقل أحد بان كفارة تغطية الرأس هو اطعام المسكين في يده بل الكفارة فيها على تقدير ثبوتها هو دم شاة إلاّ انه مع ذلك يوجب الترديد في الرواية من جهة كون موردها تغطية الوجه أو تغطية الرأس التي هي محرّمة للرجل المحرم على ما عرفت.
ثم انه لو فرض كون مورد الرواية هي تغطية الوجه ودلالتها على حرمتها للملازمة بين الكفارة وبين الحرمة على ما عرفت مراراً لاتصلح الرواية للنهوض في مقابل الادلّة الكثيرة المتقدمة خصوصاً ما دلّ منها على ان احرام الرجل في رأسه في مقابل احرام الامرأة حيث يكون في وجهها سيما مع اعتضادها بفتوى المشهور بل الاجماع المحكى على ما عرفت فالظاهر ـ ح ـ ما في المتن من جواز تغطية الوجه للرجل المحرم مطلقاً
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، أورد صدره في الباب 55 ح4 وذيله في الباب 60، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الخامس، ح1.
(الصفحة 200)مسألة 32 ـ كفارة تغطية الرّأس بأيّ نحو شاة، والأحوط ذلك في تغطية بعضه، والاحوط تكرّرها في تكرّر التغطية وان لايبعد عدم وجوبه حتى اذا تخلّلت الكفارة وان كان الاحتياط مطلوباً فيه جدّاً 1 .
في حالة النوم وغيرها وفي الراحلة وغيرها.
(1) ذكر في الشرايع في باب الكفارات: «وكذا ـ يعني تجب الشاة ـ لو غطّى رأسه بثوب أو طيّنه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل ما يستره» وذكر بعده صاحب الجواهر (قدس سره): «بلا خلاف اجده في شيء من ذلك كما عن المنتهى والمبسوط والتذكرة الاعتراف به بل في المدارك وغيرها هو مقطوع به في كلام الاصحاب بل عن الغنية الاجماع عليه صريحاً».
والعمدة في مستند هذا الحكم هو الاجماع لعدم تمامية غيره من الأدلة التي يأتي التعرض لها ان شاء الله تعالى والظاهر انّ الاجماع ايضاً غير تام لعدم تعرض جملة معتنى بها من المتون الاصلية الفقهية لثبوت الكفارة في التغطية كالمقنع والنهاية وجمل العلم والعمل والمقنعة والمراسم والمهذب والسرائر والجامع وعدم التعرض يكشف عن عدم الثبوت وإلاّ لكان اللازم التعرض كما في سائر موارد ثبوت الكفارة كالصيد والجماع ولبس المخيط والتظليل وغيرها، ولو سلّمنا عدم الكشف واحتمال ثبوت الكفارة عندهم ايضاً لكن مجرد الاحتمال لايكفي في تحقق الاجماع الذي يكون مبنى حجّيته هو الكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) وموافقة فتواه لفتواهم ولا مجال لما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) ان ذلك ليس خلافاً.
ويؤيّد عدم ثبوت الاجماع ما أفاده صاحب الوسائل في عنوان الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الاحرام من انّ المحرم اذا غطّى رأسه عمداً لزمه طرح الغطاء وطعام مسكين وأورد فيه رواية الحلبي المتقدمة.