(الصفحة 198)
للشركة ولا ينطبق إلاّ على اختصاص كل واحد من الرجل والمرأة بشيء من الأمرين روايات متعددة مثل:
رواية منصور بن حازم قال: رأيت ابا عبدالله (عليه السلام) وقد توضّأ وهو محرم ثم أخذ منديلاً فمسح به وجهه(1) .
ورواية عبدالملك القمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الرجل يتوضّأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمرّه كلّه. قال: لا بأس(2). والظاهر ما ذكرنا من قوله: يجلل ـ بالجيم ـ لا كما في الوسائل من قوله: يخلل ـ بالخاء ـ ومعناه هو التغطية.
ورواية ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال المحرم يغطّي وجهه عند النوم والغبار الى طرار شعره(3).
لكن ظاهر بعض الروايات الكراهة مثل صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبدالله (عليه السلام)قال: يكره للمحرم ان يجوز بثوبه فوق أنفه ولا بأس ان يمدّ المحرم ثوبه حتى يبلغ أنفه. قال الصدوق يعني من أسفل(4).
وصحيحة حفص بن البختري وهشام بن الحكم جميعاً عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال انه يكره للمحرم ان يجوز ثوبه أنفه من اسفل وقال: اضح لمن احرمت له(5).
وربما يستشهد لابن ابي عقيل برواية صحيحة للحلبي عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال المحرم اذا غطّى وجهه فليطعم مسكيناً في يده ولا بأس ان ينام المحرم على وجهه على
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح3.
- (2) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب التاسع والخمسون، ح2.
- (3) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الخامس والخمسون، ح8.
- (4) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح1.
- (5) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، الباب الواحد والستون، ح2.
(الصفحة 199)
راحلته(1) .
والاشكال في الرواية من وجهين:
احداهما: انّ المنقول في الوسائل وان كان بصورة الاسناد لكن المحكّى عن التهذيب الذي هو مصدر الرواية انّها مضمرة وقد وصفها بذلك صاحب الجواهر ايضاً إلاّ انّ الاضمار من مثل الحلبي لايقدح في اعتبار الرواية وحجيّتها وان لم يبلغ مرتبة الاضمار من مثل زرارة.
ثانيهما: انّ صدر الرواية فنقول في الوسائل بهذا السند في ابواب بقية كفارات الاحرام لكن فيه الرأس بدل الوجه(2) والنقل بهذه الكيفية وان كان بعيداً في نفسه بملاحظة ذيل الرواية الظاهر في جواز النوم على الوجه في الراحلة مع انه على هذا التقدير تجوز التغطية للوجه اختياراً ايضاً وبملاحظة انه لم يقل أحد بان كفارة تغطية الرأس هو اطعام المسكين في يده بل الكفارة فيها على تقدير ثبوتها هو دم شاة إلاّ انه مع ذلك يوجب الترديد في الرواية من جهة كون موردها تغطية الوجه أو تغطية الرأس التي هي محرّمة للرجل المحرم على ما عرفت.
ثم انه لو فرض كون مورد الرواية هي تغطية الوجه ودلالتها على حرمتها للملازمة بين الكفارة وبين الحرمة على ما عرفت مراراً لاتصلح الرواية للنهوض في مقابل الادلّة الكثيرة المتقدمة خصوصاً ما دلّ منها على ان احرام الرجل في رأسه في مقابل احرام الامرأة حيث يكون في وجهها سيما مع اعتضادها بفتوى المشهور بل الاجماع المحكى على ما عرفت فالظاهر ـ ح ـ ما في المتن من جواز تغطية الوجه للرجل المحرم مطلقاً
- (1) الوسائل، ابواب تروك الاحرام، أورد صدره في الباب 55 ح4 وذيله في الباب 60، ح1.
- (2) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الخامس، ح1.
(الصفحة 200)مسألة 32 ـ كفارة تغطية الرّأس بأيّ نحو شاة، والأحوط ذلك في تغطية بعضه، والاحوط تكرّرها في تكرّر التغطية وان لايبعد عدم وجوبه حتى اذا تخلّلت الكفارة وان كان الاحتياط مطلوباً فيه جدّاً 1 .
في حالة النوم وغيرها وفي الراحلة وغيرها.
(1) ذكر في الشرايع في باب الكفارات: «وكذا ـ يعني تجب الشاة ـ لو غطّى رأسه بثوب أو طيّنه بطين يستره أو ارتمس في الماء أو حمل ما يستره» وذكر بعده صاحب الجواهر (قدس سره): «بلا خلاف اجده في شيء من ذلك كما عن المنتهى والمبسوط والتذكرة الاعتراف به بل في المدارك وغيرها هو مقطوع به في كلام الاصحاب بل عن الغنية الاجماع عليه صريحاً».
والعمدة في مستند هذا الحكم هو الاجماع لعدم تمامية غيره من الأدلة التي يأتي التعرض لها ان شاء الله تعالى والظاهر انّ الاجماع ايضاً غير تام لعدم تعرض جملة معتنى بها من المتون الاصلية الفقهية لثبوت الكفارة في التغطية كالمقنع والنهاية وجمل العلم والعمل والمقنعة والمراسم والمهذب والسرائر والجامع وعدم التعرض يكشف عن عدم الثبوت وإلاّ لكان اللازم التعرض كما في سائر موارد ثبوت الكفارة كالصيد والجماع ولبس المخيط والتظليل وغيرها، ولو سلّمنا عدم الكشف واحتمال ثبوت الكفارة عندهم ايضاً لكن مجرد الاحتمال لايكفي في تحقق الاجماع الذي يكون مبنى حجّيته هو الكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) وموافقة فتواه لفتواهم ولا مجال لما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) ان ذلك ليس خلافاً.
ويؤيّد عدم ثبوت الاجماع ما أفاده صاحب الوسائل في عنوان الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الاحرام من انّ المحرم اذا غطّى رأسه عمداً لزمه طرح الغطاء وطعام مسكين وأورد فيه رواية الحلبي المتقدمة.
(الصفحة 201)
وقد استدلّ صاحب الجواهر مضافاً الى الاجماع بثلاث روايات:
احداها: صحيحة زرارة بن أعين قال سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول من نتف ابطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوباً لاينبغي له لبسه أو أكل طعاماً لاينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة(1) . ورواها في الوسائل بسند آخر وجعلهما روايتين مع وضوح كونهما رواية واحدة وقد أورد بعض الاعلام (قدس سرهم) على الاستدلال بها بعد توصيفه بانه ينبغي ان يعدّ من الغرائب بان اللبس شيء والتغطية وستر الرأس شيء آخر فانه قد يتحقق اللبس بلا تغطية الرأس كما اذا لبس القميص ونحوه، وقد يتحقق ستر الرأس وتغطيته بدون اللبس كما اذا طيّن رأسه أو حمل على رأسه وقد يتحقق الأمران كما اذا لبس قلنسوة ونحوها وكلامنا في الستر والتغطية وان لم يتحقق عنوان اللبس.
وظاهره انّ النسبة بين العنوان الموجب للكفارة في الصحيحة وبين ما هو المدّعى في المقام عموم من وجه ويجتمعان في مادة الاجتماع وعليه فيمكن ان يجيب صاحب الجواهر (قدس سره) عن الايراد بانه لو دلّت الصحيحة على الكفارة في مادة الاجتماع فيمكن تعميمها لمادة الافتراق من ناحية المقام بضميمة عدم الفصل جزماً فيتم الاستدلال ـحـ.
لكن التحقيق في الايراد على الاستدلال بالصحيحة ان محطّ النظر في هذه الجملة فيها الى لبس ما يكون منشأ المنع فيه وكان الملبوس مشتملاً على خصوصية لايصلح لأن يلبسه المحرم وهذا العنوان لاينطبق على المقام بوجه فان الساتر للرأس ولو كان هو الثوب لايشتمل على هذه الخصوصية لأن المحرَّم هو الستر به ولا يرتبط ذلك بالساتر، وعليه ففي مثل القلنسوة اذا كانت مخيطة تكون فيها الخصوصية التي يدل
- (1) ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح1.
(الصفحة 202)
عليها الرواية ويدخل في لبس المخيط وامّا اذا لم تكن كذلك فلا تشمله الرواية بوجه وان كان لا فرق بينهما من الحيثية المبحوث عنها في المقام فالرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب الكفارة هنا بل ترتبط بلبس المخيط ونحوه كالحرير ـ مثلاً ــ .
ثانيتها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: لكلّ شيء خرجت من حجّك فعليه (فعليك في ل) فيه دم يهريقه( فيهريقه) حيث شئت(1) . وقد مرّ مراراً ان الرواية ضعيفة من حيث السند بعبدالله بن الحسن العلوي ومن حيث الدلالة لتوقف الاستدلال بها على كون المتن جرحت مكان خرجت وهو لم يثبت مع انه لايناسب قوله من حجّك فتدبّر.
ثالثتها: مرسلة الخلاف قال في محكيه: «اذا حمل مكتلاً أو غيره لزمه الفداء دليلنا عموم ماروى فيمن غطى رأسه انّ عليه الفدية» والمكتل كمنبر هو الزنبيل الكبير قال في الجواهر يكفي هذا المرسل المنجبر بما عرفت مع الاجماع المحكى صريحاً وظاهراً دليلاً في الحكم خصوصاً بعد اعتضاده بنفي الخلاف الذي يشهد له التتبع.
وأورد على الاستدلال بها بعدم نقلها في شيء من الكتب الفقهية والروائية حتى ان الشيخ (قدس سره) بنفسه لم يذكره في كتابي التهذيب والاستبصار، فلم يحرز وجود الرواية حتى يكون استناد المشهور اليها جابراً لضعفها بالارسال.
ولكن يرد على الاستدلال بها ايضاً ان المدّعى في المقام ثبوت كفارة دم الشاة وما في الخلاف من الدليل والمدعى عبارة عن ثبوت الفداء وهو أعمّ من الشاة وقد مرّ ان الشيخ التزم بثبوت الكفارة في تغطية الرجل المحرم وجهه وظاهره ان المراد بها هي اطعام مسكين الذي وقع التصريح به في فتوى ابن ابي عقيل ورواية الحلبي المتقدمة
- (1) الوسائل، ابواب بقية كفارات الاحرام، الباب الثامن، ح2.